سقط نظام الأسد.. هل أصبحت سوريا حرة وديمقراطية؟

ساهمت أحداث "الربيع العربي" التآمري في قصص الفساد التي تفشّت بشكل واسع بعد العقوبات والحصار الذي حقّق أهدافه بتدمير الاقتصاد بانعكاسات ذلك على الواقع الاجتماعي للشعب السوري بكلّ أطيافه.

0:00
  • سوريا ومسار الأحداث.
    سوريا ومسار الأحداث.

قالت الدول والقوى الإمبريالية والاستعمارية ومن تحالف معها في المنطقة عن الرئيس الأسد ونظامه إنه "ديكتاتوري  واستبدادي وفاسد وقتل شعبه"، فعملت جميع هذه الدول والقوى معاً لإسقاط هذا النظام الذي جاء ما لا يقلّ عن مئتي ألف إرهابي أجنبي وعدد مماثل من المتواطئين معهم في الداخل للقتال ضده اعتباراً من آذار/مارس 2011.

وبعد حرب دامت 13 عاماً استغلّها الكيان الصهيوني بذكاء داخلياً وإقليمياً ودولياً سقط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي ليحلّ محلّه نظام جديد حظي باعتراف ودعم سريع جداً من كلّ الدول والقوى التي ساهمت في إيصاله إلى السلطة.

ولا سيما بعد لقاء الرئيس ترامب مع أحمد الشرع في الرياض في 14 أيار/مايو أي في الذكرى الـ 77 لقيام "الدولة" العبرية. وكان الجميع وما زالوا في خدمة هذا الكيان ليكون المستفيد الوحيد من سقوط نظام الأسد وإيصال الإسلاميين المتطرّفين إلى السلطة في دمشق عاصمة الأمويين.

وبغرابة الدعم الإقليمي والدولي المفاجئ سياسياً وإعلامياً لحكّام دمشق الجدد وكانوا جميعاً في لوائح الإرهاب الأميركية والأوربية والدولية لم يخطر على بال أحد مقارنة هؤلاء الحكّام ونظامهم مع الرئيس الأسد ونظامه الذي أسقطته الدول والقوى الدولية والإقليمية على أن يحلّ محلّه نظام "ديمقراطي حرّ ونظيف وشفّاف".

فمع أنّ نظام بشار الأسد تحوّل إلى دولة مخابرات بعد الغزو الأميركي للعراق واغتيال رفيق الحريري وما تلاه من الأحداث السريعة كان الجميع يعترف أنّ سوريا كانت في الطريق الصحيح سياسياً وديمقراطياً حتى بداية ما يسمّى بـ "الربيع العربي" الدموي.

وساهمت أحداث وتطوّرات هذا الربيع التآمري في قصص الفساد التي تفشّت بشكل واسع وخطير بعد العقوبات والحصار الذي حقّق أهدافه بتدمير الاقتصاد بانعكاسات ذلك على الواقع الاجتماعي والأخلاقي للشعب السوري بكلّ أطيافه.

ولا سيما بعد أن صمد النظام ضد أكبر هجمة إمبريالية واستعمارية وصهيونية مدعومة من الدول الإقليمية العربية والإسلامية التي تآمرت على سوريا في السر والعلن، ولم يكن نظام الأسد على مستوى من الذكاء والحنكة السياسية كي يدرك خفايا هذا التآمر الذي حقّق أهدافه عبر العلاقة مع البعض من أقطاب النظام وفريق عمل الأسد سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً.

وهو ما تأكّد خلال وبعد سقوط النظام خلال 11 يوماً مليئة بالأسرار الخفية التي أثبتت التطوّرات اللاحقة بأنّ هدفها الوحيد كان هو إنهاء علاقة سوريا بحماس وحزب الله وأنصار الله وإيران لتتحوّل دمشق إلى شريك استراتيجي للكيان الصهيوني.

واستغلّ هذا الكيان بدوره هذه التطوّرات لتحقيق كلّ أهدافه الدينية والعقائدية والتاريخية عبر هذه الشراكة التي تحظى بدعم وتأييد مباشر وغير مباشر أو سري أو علني من أطراف إقليمية معروفة بعدائها لإيران وحزب الله، تارة لأسباب مذهبية وأخرى غير إرادية بسبب تواطئها مع الكيان العبري.

وعودة لأسباب إسقاط "النظام الأسدي الاستبدادي الديكتاتوري الظالم والفاسد" لم يتحدّث أحد عن الفرق بينه وبين النظام الجديد الذي أثبت هويته الحقيقية خلال تسعة أشهر من استلامه للسلطة التي خدمت كلّ من ساهموا في وصوله إلى الحكم.

ولم يقل أحد عنه إنه "ديكتاتوري واستبدادي ومجرم وفاسد ". ففي  29 كانون الثاني/يناير جمع أبو محمد الجولاني في قصر بشار الأسد نحو 300 من زعماء وقادة التنظيمات والفصائل المتحالفة معه عندما كان يسيطر على إدلب "وطلب" من هذه القيادات وهي في لوائح الإرهاب الدولية أن تنتخبه "ديمقراطياً" رئيساً للجمهورية لمرحلة انتقالية لمدة 4-5  سنوات.

ولم يقل أحد آنذاك إنّ "هذا الانتخاب بعيد عن معايير الديمقراطية والنزاهة" كما كان يقال عن انتخابات بشار الأسد وكانت صلاحياته أقل من صلاحيات الجولاني أي أحمد الشرع.

ففي 13 آذار/مارس صادق الشرع على الدستور الجديد الذي أعدّه عدد من رفاق دربه واعترفوا له بكامل الصلاحيات المطلقة. فأصبح الشرع من دون استفتاء شعبي رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء ورئيس مجلس الأمن القومي والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وهو الذي سيقوم بتعيين الوزراء ورئيس الأركان وقادة الجيش وأعضاء مجلس الأمن القومي وثلث أعضاء مجلس الشعب ورئيس وأعضاء المحكمة العليا، وكلّ المسؤولين الكبار في الدولة وجميع مؤسساتها وأجهزتها المختلفة التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة بقياداتها السورية والأجنبية التي سلّمها الشرع مناصب الدولة السورية الحسّاسة بعد أن منح قادتها رتباً عسكرية عليا لا يستحقها أحد منهم.

وبغياب أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والإعلام المعارض سيطر الحكّام الجدد على جميع مرافق وأجهزة الدولة ووسائل الإعلام التي لا يجرؤ أحد فيها على توجيه أيّ انتقاد لهؤلاء الحكّام أو تصرّفاتهم كما كان البعض من الإعلاميين يفعل ذلك ضد "نظام الأسد الظالم والفاسد".

ومع التذكير أنّ هذا النظام قاتل مئات الآلآف من الإرهابيين الذين تمرّدوا ضد الدولة السورية بدعم الدول الإمبريالية والاستعمارية وحلفائها في المنطقة بما فيها الكيان الصهيوني، فلم يتخذ النظام الجديد أي موقف وطني وقومي دفاعاً عن وحدة التراب السوري بل قام بمجازره ضد العلويين ثم الدروز الذين حمتهم "تل أبيب" وكما حمت أميركا وحليفاتها الكرد شرق الفرات.

وأجبرت واشنطن وباريس الرئيس "الانتقالي" الشرع على الجلوس إلى طاولة بسيطة جنباً إلى جنب مع مظلوم عبدي القائد العسكري لقسد، وذلك كخطوة أولى على طريق الاعتراف للكرد بكيان مستقل قد يساهم في تقسيم سوريا.

وهو ما جاء من أجله النظام الجديد وفق المعطيات التي عاشتها سوريا خلال الأشهر الثمانية الماضية، وأهمها التوغّل الصهيوني جنوب سوريا وحتى مشارف دمشق واستمرار سيطرة الجيش التركي ومعه فصائل ما يسمّى بالجيش الوطني السوري الذي تأسس في أنقرة صيف 2019 على قرابة 9%؜ من مساحة سوريا وهي تشمل الشريط الممتد من رأس العين إلى تل أبيض شرق الفرات ومن جرابلس إلى حدود إدلب غرب الفرات. 

وجاء قرار النظام الجديد في إجراء الانتخابات البرلمانية في 15 أيلول/سبتمبر وفق قانون الانتخابات الجديد ليثبت للجميع أنّ حكّام دمشق الجدد ليس لهم أيّ علاقة بالديمقراطية والحرية والنزاهة السياسية بعد أن قرّر الشرع أنه سيعيّن ثلث أعضاء البرلمان الجدد، فيما سيتمّ انتخاب الباقي وفق نظام جديد يشرف عليه ويطبّقه حكّام دمشق الجدد الذين سيمنعون دخول أيّ شخص لا يعجبهم إلى البرلمان الجديد ولن يكن له أيّ سلطة جدية وعملية وأهمها محاسبة الرئيس الشرع بأيّ شكل كان أو عزله.  

ومع أنّ الانتخابات لن تجري في محافظات الرقة والحسكة والسويداء بسبب أوضاعها الأمنية فالإعلام العالمي يتحدّث عن موضوع أهم في أجندة الرئيس الشرع ألا وهو لقاؤه المرتقب مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو الذي سينزل بذلك أن تحقّق ضربته القاضية على كلّ القضايا الوطنية والقومية لكلّ دول وشعوب المنطقة.

وصفّق معظمها وهلّل لسقوط "نظام الأسد" ومجيء "نظام الشرع" الذي يسعى الثنائي ترامب - نتنياهو للاستفادة منه في مجمل مخططاتهما ومشاريعهما الإقليمية، وأهمها في لبنان ثم العراق ثم إيران ومن أجلها جميعاً تمّ إسقاط نظام الأسد ليحلّ محلّه نظام أحمد الشرع، وليس مهماً إن كان "مستبداً وديكتاتوراً وقاتلاً لشعبه وفاسداً" بكلّ المعايير والمقاييس التي حدّدها مجلس الأمن في قراره بتاريخ 14 أيار/مايو 2013، عندما اعتبر النصرة ولاحقاً هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية ووضع زعيمها أبو محمد الجولاني ضمن لوائح  الإرهاب الدولية التي لم يعد لها أيّ معنى بعد أن احتضن ترامب الجولاني - الشرع في الـ 14 من أيار/مايو الماضي في الرياض في الوقت الذي تستعد فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة لمثل هذا الاحتضان خلال الأيام القليلة المقبلة بدعوته إلى نيويورك.