من فوردو إلى خان يونس: أي سيناريوهات مقبلة لنتنياهو؟
من يظن أن الحرب على إيران منحت "إسرائيل" مفتاح الحسم في غزة، يتجاهل أن غزة لم تعد فقط جبهة قتال، بل أصبحت منصة مركزية لإعادة تشكيل النظام السياسي في "إسرائيل".
-
الحسم العسكري في غزة... أو وهم "عربات جدعون".
في مشهد نادر في السياسة الإسرائيلية، تبارى الكتّاب والمحلّلون، بل حتى بعض المعارضين، في كيل المديح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إثر قراره مهاجمة إيران وجرّ الولايات المتحدة للمشاركة في قصف منشأة "فوردو" النووية.
لحظة عُدّت "تاريخية"، إذ أصبح نتنياهو أول رئيس وزراء إسرائيلي يقنع الإدارة الأميركية بأن تقاتل نيابة عن "إسرائيل" ضد طهران.
لكن، لم تكد تمر 24 ساعة على هذه الاحتفائية، حتى جاءت صفعة خان يونس: سبعة قتلى من ضباط وجنود الوحدات الهندسية في "الجيش" الإسرائيلي، سقطوا في عملية واحدة في قلب الجنوب الفلسطيني.
صفعة أعادت السؤال المركزي الذي حاول نتنياهو طمسه خلال 12 يومًا من الحرب على إيران: "وماذا عن غزة؟"
السؤال يطفو مجددًا فوق سطح أجندة الإعلام والجمهور الإسرائيلي:
ما الاستراتيجية الحقيقية لـ"إسرائيل" في غزة؟
هل غزة ما زالت الجبهة العالقة، التي تُفشل كل خطاب نصر خارجي؟
أمام نتنياهو ثلاثة سيناريوهات محتملة:
1. الاستمرار حتى نهاية الولاية تحت شعار "التهديد الإيراني"
أن يتمسّك نتنياهو بالحكم حتى نهاية مدته، مُوظّفًا نتائج الحرب على إيران كذريعة لعدم زعزعة استقرار الحكومة وسط "تعقيدات أمنية خطيرة".
إلا أن هذا المسار يُبقيه رهينة بيد شركائه المتطرفين – الحريديم والصهيونية الدينية – ويُعرّضه للابتزاز السياسي على مدار الوقت.
بل إن مرور الزمن قد لا يكون في مصلحته؛ فنتائج الحرب على إيران، التي تبدو اليوم إنجازًا، قد تتآكل شعبيًا مع تراكم التكاليف وانكشاف حقيقة تأثير تلك الضربات على المشروع النووي الإيراني، وتردّي الاقتصاد الإسرائيلي.
2. الحسم العسكري في غزة... أو وهم "عربات جدعون"
الخيار الثاني أن يُراهن نتنياهو على تسريع خطة "عربات جدعون" لاحتلال 75% من غزة، وتصفية الوجود العسكري لحركة حماس، أملاً في صناعة صورة نصر تُستثمر انتخابيًا.
لكن هذا السيناريو اصطدم – وما زال – بوقائع ميدانية مريرة:
"إسرائيل" عجزت عن تحقيق هذا الحسم خلال 20 شهرًا، فهل تنجح في أشهر قليلة؟
هل "الجيش" مستعد فعلاً لإدارة حكم عسكري مباشر طويل الأمد في غزة؟
كيف ستتعامل عوائل الأسرى مع قرار يُعرّض حياة أبنائهم للخطر؟
وماذا عن موقف جنود الاحتياط الذين استُنزفوا نفسيًا وجسديًا، ويخشون من خدمة دائمة؟
كل تلك العوائق سيجدها نتنياهو حاضرة أمامه بقوة في صناديق الانتخابات المقبلة.
السيناريو الثالث: انتخابات مبكرة بعد صفقة غزة...
السيناريو الأوفر حظًا لمصلحة نتنياهو سياسيًا هو الذهاب إلى انتخابات مبكرة في أواخر 2025، ليس فقط مستندًا إلى ما يعدّه "نصرًا استراتيجيًا" في إيران، بل بعد صفقة شاملة تُنهي الحرب على غزة وتُخرج حماس من الحكم، من دون الحاجة إلى احتلال بري شامل.
هذه الصفقة، التي كانت مستبعدة في مراحل سابقة، باتت أكثر واقعية الآن، مع قناعة قيادة حماس بصعوبة إدارة القطاع في المرحلة المقبلة، وضغط شعبي وإنساني متصاعد في غزة، واستعداد إقليمي للمساهمة في ترتيبات جديدة.
هذا السيناريو يمنح نتنياهو رافعتين داخليتين (الإنجاز العسكري في إيران، والصفقة السياسية في غزة)، ورافعتين خارجيتين تتمثلان في:
1. رغبة ترامب في إنهاء الحروب العالقة، وتقديم نفسه مرة أخرى كرئيس "صانع للسلام"، خصوصًا في ملف غزة الذي يُثقل كاهل حلفاء واشنطن العرب.
2. سعي ترامب الحثيث لإنجاز تطبيع سعودي–إسرائيلي، وهو ما يستحيل تحققه من دون تهدئة نهائية في غزة، وهي ورقة بات يدركها نتنياهو جيدًا، ويستثمرها لترويج نفسه كـ"المُنجز الوحيد الممكن" لهذا التطبيع.
نتنياهو يعرف أن البيت الأبيض لا يريد فقط وقف إطلاق نار في غزة، بل إنهاء الحرب بالكامل، كجزء من التهيئة لمعادلة إقليمية أوسع.
وهنا، يُسوّق نفسه كالشخصية الوحيدة القادرة على تسويق هذه الصفقة للداخل الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته، كـ"حاجز سياسي" يمنع تحوّل هذه الصفقة إلى مسار يقود نحو إقامة دولة فلسطينية.
في الدعاية الانتخابية القادمة، سيُقدّم نتنياهو نفسه كالآتي:
"أنا الوحيد القادر على إنهاء حرب غزة بدعم أميركي–سعودي من دون دفع الثمن السياسي المتمثل بقيام دولة فلسطينية".
"علاقتي الخاصة مع ترامب والإدارة الأميركية تضمن لإسرائيل الأمن، والتطبيع، والتمسك بالرؤية الأمنية من دون الانزلاق في التسوية الدائمة".
وهكذا، تتحوّل الصفقة إلى مشروع إقليمي–انتخابي متكامل: تهدئة في غزة، تطبيع مع السعودية، انتخابات مبكرة، وإعادة تشكيل اليمين الإسرائيلي تحت قيادة نتنياهو، لا على هامشه.
من يظن أن الحرب على إيران منحت "إسرائيل" مفتاح الحسم في غزة، يتجاهل أن غزة لم تعد فقط جبهة قتال، بل أصبحت منصة مركزية لإعادة تشكيل النظام السياسي في "إسرائيل"، والنظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
نتنياهو يفهم لحظة التحوّل جيدًا:
ما يعدّه "نصر إيران" يمنحه الغطاء العسكري والسياسي.
"صفقة غزة" تفتح له باب الانتخابات المبكرة.
"دعم ترامب" يضمن إخراج حماس وتهدئة الجبهة.
"رغبة أميركا في التطبيع مع السعودية" تمنحه ورقة ضغط إقليمية على الخصوم والوسطاء.
وفي النهاية، يُقدّم نفسه كـ"المانع الأخير" لأي مشروع لتصفية الهوية اليهودية للدولة عبر إقامة دولة فلسطينية.
إذا نجح في تمرير هذه المعادلة، فسيجد معارضوه، في الداخل والخارج، أنفسهم بلا أدوات.
أما هو، فسيعود إلى المشهد باعتباره أكثر من مجرد رئيس وزراء:
رجل الدولة الذي غيّر قواعد اللعبة، وأعاد رسم خرائط السياسة والتطبيع، والأهم... جعل الإسرائيليين ينسون هزيمة السابع من أكتوبر.