إسكندر حبش... وداعاً
الموت يغيّب الشاعر والكاتب والمترجم إسكندر حبش بعد صراع مع المرض، والراحل أدّى دوراً في تشكيل ذائقة جيلٍ من القراء، جامعاً بين النقد الأدبي والمتابعة الفكرية والترجمة، ومقدّماً صوتاً هادئاً لكنه شديد الحضور في المشهد الثقافي.
-
إسكندر حبش (1963 – 2025)
بعد مسيرة طويلة تشابك فيها العمل الصحافي بالشعر والترجمة، غيّب الموت، أمس الخميس، الشاعر والكاتب اللبناني المولد، فلسطيني الأصل، إسكندر حبش (1963 – 2025).
حبش الذي رحل عنّا بعد صراع مع مرض السرطان، بدأ مسيرته المهنية في الصحافة الثقافية اللبنانية، فعمل في صحيفة "السفير" التي كانت واحدة من أبرز المنابر الفكرية في العالم العربي، وأشرف هناك على الصفحة الثقافية حتى إغلاقها عام 2016.
هكذا أسهم صاحب "إقامة في غبار" في تشكيل ذائقة جيلٍ من القراء، جامعاً بين النقد الأدبي والمتابعة الفكرية والترجمة، ومقدّماً صوتاً هادئاً لكنه شديد الحضور في المشهد الثقافي.
أسس حبش في "دار دلمون الجديدة" سلسلة فكرية صدر منها حتى الآن 12 كتاباً مترجماً لعدد من الفلاسفة والمفكرين. وسلسلة الشعر المترجم صدر منها 7 دواوين لشعراء كبار. وسلسلة "ترحلات في الثقافة والكتابة" صدر منها 6 كتب تحتوي على مقالاته وقراءاته النقدية الغنية، إضافة إلى عدد من الروايات والمجموعات القصصية المترجمة، والتي اختارها بعنايته إثراءً للمكتبة العربية وإسهاماً في مدّ جسور المعرفة بين الثقافات.
أصدر إسكندر حبش عدداً من الدواوين شكّلت تجربته الشعرية، بدءاً من "بورتريه رجل من معدن" عام 1988، مروراً بـ "نصف تفاحة" و"تلك المدن" (حاول فيه استعادة الحلم الفلسطيني عبر سيرة والده)، وصولاً إلى "لا شيء أكثر من هذا الثلج" وغيرها.
في هذه الأعمال، تتجلّى حساسيته تجاه الوجود والغياب والمنفى، حيث تتقاطع سيرته الذاتية مع الذاكرة الجمعية لفلسطين ولبنان.
وإلى جانب الشعر، أصدر حبش كتباً نقدية مثل "حكاية الحكايات: قراءات في روايات معاصرة"، كما شارك في إعداد "ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين – لبنان"، كما واصل مشروعه في سلسلة "ترحّلات في الكتابة والثقافة" التي صدرت منها أجزاء عدّة.
أما في مجال الترجمة، فعُرف إسكندر حبش بدقته وحسّه الأدبي الرفيع، وكان من أبرز المترجمين العرب الذين نقلوا إلى لغتنا أصواتاً عالمية. هكذا نقل إلى العربية نصوصاً من لغات متعددة، أبرزها الفرنسية والبرتغالية والإيطالية، منها "أجمع الذكريات كي أموت: 32 شاعراً برتغالياً معاصراً"، و"لست ذا شأن" لفرناندو بيسوا، و"هكذا تكلّم أمبرتو إيكو"، و"حرير" لألساندرو باربكو، و"مورفين" لميخائيل بولغاكوف، إضافة إلى مختارات شعرية من الأدب الإيطالي المعاصر.
كما ترجم كتباً لأدباء فرنسيين بينهم إميل زولا، ونُشرت أعماله في لبنان والأردن وتونس.
رغم نشأته اللبنانية، فإن أصل إسكندر حبش الفلسطيني (مدينة اللد) ظلّ حاضراً في كتاباته وهويته، إذ نزحت عائلته بعد النكبة لتستقر في لبنان، حيث كوّن وعيه الأول على الهامش الإنساني والسياسي للمنفى الفلسطيني. هذا الانتماء ظلّ بالنسبة له أكثر من سيرة عائلية، بل تجربة وجودية قال عنها يوماً إنها "حياة نعيشها وليست مجرد قضية".
وشكلت فلسطين بالنسبة إلى حبش أكثر من موضوع في الكتابة. إذ كانت قلباً نابضاً في كل ما كتب وترجم. فقد ظلّ يرى في الأدب وسيلة للمقاومة الجمالية، وفي الترجمة جسراً للحوار الإنساني والحرية.
وقال في آخر حوار معه أجراه زياد خداش لجريدة "الأيام" الفلسطينية إن: "فلسطين ليست بحاجة إلى شرح، هي حياة نعيشها بكلّ تفاصيلها.. عائلة والدي من اللد، وعاشت لفترة طويلة في يافا.. جاءت إلى لبنان بعد النكبة، وعاشت أيضاً في الفترة الأولى في "مخيم مار الياس"، قبل أن تستطيع الانتقال إلى مكان آخر... نعم أنا قريب "الحكيم" (جورج حبش) ومن العائلة نفسها، ربما لذلك لم "أشرح" نفسي كما تقول. أعتقد ببساطة، أنني لم أتكئ على "القضية" لأجعلها "رافعة" للنص والحياة، لكن ليس معنى هذا أن فلسطين غير حاضرة في العديد من قصائدي... مثلاً كتاب "تلك المدن" وهو قصيدة طويلة، تحاول أن تستعيد الحلم الفلسطيني عبر سيرة والدي... ما أريد قوله إنني لم أكتب نصاً أيديولوجياً، بل كنت أحاول تقديم مقولات أخرى".
