لارا عليّان لــ "الميادين الثقافية": أغنّي كي لا تُنسى الحكاية

استطاعت بناء هويّة موسيقية وحوّلت فنّها إلى سلاح ضدّ الاحتلال ووعاء للذاكرة الجماعية الفلسطينية. "الميادين الثقافية" حاورت الفنانة الفلسطينية لارا عليّان وهذا ما قالته.

لا يحمل صوت الفنانة الفلسطينية (1983)، لارا عليان، مجرد نغم حلو، فتردداته تضم أيضاً قضية وتراثاً وحكاية وطن. منذ بداياتها مع الحفلات المحلية الصغيرة والفعاليات الثقافية في الأردن، مروراً بتعاونها مع عدد من أبرز الشعراء والملحنين العرب، وصولاً إلى تقديم أعمال غنائية تعكس وعياً فنياً يتجاوز حدود الأداء؛ استطاعت عبر هذه الرحلة بناء هوية موسيقية متكاملة: أن يكون فنها سلاحاً للمقاومة ووعاء للذاكرة الجماعية.

هكذا تسعى الفنانة عليان في أعمالها إلى الجمع بين الأسلوب الغنائي الكلاسيكي والروح الحديثة، مستندة في ذلك إلى خلفية موسيقية صقلتْها عبر سنوات من التدريب والدراسة والممارسة، ورغم كل ما يتطلبه فنها من تكاليف حتى تحافظ على جودة منتجها، لم تتخلَّ عن دورها المجتمعي، لتستمر بعملها مع النساء المعنفات، تدربهن على التعبير من خلال الموسيقى خفضاً للتوتر وبثاً للأمل. يحرضها على كل ذلك التزام جاهدت نفسها عليه. في هذا الحوار مع "الميادين الثقافية" نقترب أكثر من بعض جوانب تجربة عليان الفنية.

أين كانت البداية مع لارا عليان؟ وكيف تقيّمين تجربتك اليوم؟

بدأت الغناء مع كورال الجامعة الأردنية في العام 2001، وشاركت خلال ذلك في العديد من الحفلات داخل وخارج الأردن.

أما التجربة مع فرقة "شرق" فلها عندي مكانة خاصة؛ لأنها ارتبطت بمجموعة من الأصدقاء المقربين. قرّب ذوقنا الفني الواحد بعضنا من بعض، ومن خلاله اجتمعنا على فكرة إحياء الموروث الموسيقي العربي بتوزيع معاصر، مع الحفاظ على القالب الأصلي للأعمال.

كما كان لغنائي مع مهند عطا الله في الفرقة خصوصيته. لهذا كله، فإن التجربة مع "الشرق" من أكثر التجارب التي أثرت بي وأضافت إلي كثيراً على المستويين الفني والشخصي. أتمنى لو أنها استمرت.

يلاحظ أنك منذ ألبومك الأول "حلوة" تأخذين منحى أكثر محافظة من فنانات أخريات في تقديم التراث، هل ما زلت متمسكة بالمنحى نفسه أم أن تغييراً حصل في رؤيتك الفنية؟

لا أعتقد أن تجربتي تشبه غيرها، فأنا وإن كنت حريصة على تقديم اللون التراثي مثلاً بتوزيع جديد، سواء العراقي أم المصري أم تراث بلاد الشام، لكني أحاذر التغيير في قالبه الأصلي، هذه رؤيتي، في حين أن هناك من يميل عند تقديم العمل التراثي إلى إعادة توزيعه بشكل أوسع، وهو ما أرفضه وأعده تشويهاً للعمل الأصلي.

إلى جانب ذلك فأنا كفنانة عربية، فلسطينية الأصل، أضع في أولوياتي دائماً تقديم أعمال تخص قضية وطني، ففلسطين ما زالت محتلة، وتتعرض لأبشع أنواع الحروب التي تشارك بها قوى عالمية، وهذا لم يحجزني عن تقديم أغانٍ ذات مضمون اجتماعي وإنساني وعاطفي.

إلى جانب مشروعك الخاص، خضتِ تجارب مع فرق "شرق" و"النغم الأصيل" و"نايا"، ما الذي أفدتِه من كل منها؟

التجربة الجماعية مع "النغم الأصيل" و"شرق" و"نايا" وحتى فرقة كورال الجامعة الأردنية من قبلهم، مثلت بالنسبة إلي مساحة للتعلم وتبادل الخبرات، لهذا كان كل منها بمثابة مدرسة أثرت تجربتي ومنحتني خبرة مهمة وعمقاً، خاصة أن كلاً منها قدم نمطاً مختلفاً، وبصفة عامة توجد طاقة رائعة في العمل الجماعي يصعب وصفها.

لماذا تصرّ لارا عليان على لون القصائد رغم صعوبته؟

بالنسبة إلي القصائد هي جوهر الغناء الحقيقي، وهي الأقرب لروحي، فمنذ الصغر يستهويني هذا اللون، ومازلت إلى اليوم أستمع إليها بشغف، فلم يتراجع حرصي على سماع القصائد الغنائية لأم كلثوم وفيروز، وعلى المستوى الشخصي أعتز باللغة العربية، وأرى أنها تحمل سحراً خاصاً وجمالاً لا يضاهى. ليس هناك لغة يمكن أن تعبر عن جمالية المضمون بقدر اللغة العربية.

ويعود تمسكي بهذا اللون الغنائي الأصيل أيضاً إلى رغبتي في استمراره وأن يصل إلى الأجيال الأصغر، التي ربما ضعفت الرابطة بينها وبين اللغة العربية، فلم تعد لها مساحة في حياتها اليومية، كذلك بالأغاني التي تستمع إليها، لهذا أرى أن المحافظة على تلك المساحة ضروري.

ما الذي تمثله لك التوأمة الفنية مع الملحن عمر عباد؟

تربطني بالأستاذ عمر علاقة وطيدة، هو مُعلمي وصديقي ومرجعيتي في جميع أعمالي حتى في تلك التي ليست من تلحينه. تعرفت إليه أثناء دراستي آلة العود في الأكاديمية الأردنية للموسيقي، وجمعتنا رؤية وذائقة فنية واحدة، فمعه لست بحاجة إلى شرح فكرتي أو تصوري للعمل، وجوده يشعرني دوماً بالطمأنينة، لهذا تشاركنا في الكثير من الحفلات، كما لحن لي العديد من الأعمال.

غياب شركات الإنتاج عن تجربة الموسيقى المستقلة أو الملتزمة، وإن شكل عقبة أمام الانتشار، لكنه يفسح مساحة أوسع للتجريب، فهل الالتزام يضيق هذه المساحة؟

غياب هذه الشركات يجعل بالفعل عملية الإنتاج أكثر صعوبة، لكن على الجانب الآخر هناك حرية كاملة في ما أختاره من مضمون، حتى وإن لم أطلق بالعام سوى أغنية أو أغنيتين، من ثم لا يوجد التزام غير ما ألزم به نفسي، سواء في المحتوى أو في اللون الغنائي، ومستحيل أن أتقبل اليوم أن تفرض علي جهة ما مضامين لا تشبهني ولا تشبه الخط الذي اخترته منذ البداية، فغياب شركات الإنتاج يجعل إنتاجي أقل كثيراً، لكني في المقابل أكون راضية بما أقدمه وباحترامي لذوق جمهوري.

منذ بداية مشوارك وفلسطين حاضرة دوماً في أعمالك، آخرها "يا بلاد"، هل ما زالت تلك الأعمال تتمتع بالمساحة نفسها عند الجمهور؟

بالتأكيد فلسطين في مقدمة أولوياتي، وهذا العمل الذي كتبته غادة خليل ولحنه يوسف زايد وقدمته مؤخراً، كان جاهزاً للإطلاق منذ فترة طويلة. كذلك أغنية "ونظل نقاوم" للشاعر اللبناني، نبيل أبو عبده، والملحن السوري، كرم شكور، غير أن السنتين الماضيتين كانتا قاسيتين. لهذا لم أكن قادرة على إصدارهما، مع إيماني بدور الفن في توثيق المرحلة التي نمر بها، لكن في النهاية يتغلب الأمل في الحق وفي المقاومة.

وبالتأكيد ما زال لقضية فلسطين حضورها في العالم العربي، وبعد العدوان على غزة فرضت القضية نفسها، لا على الوطن العربي فقط، بل على العالم أجمع، حتى لدى أولئك الذين لم يكن لديهم أي معرفة أو صلة بمأساة بلدنا، لهذا ما زال هناك جمهور واسع يرغب في الاستماع إلى مثل تلك الأعمال، ومن ناحية أخرى لا بد للفنان أن يمتلك رؤية ورسالة بخصوص ما يقدمه إلى جانب القيمة الفنية، وهذا يتطلب جهداً وعملاً دؤوباً حتى يصل العمل للجمهور في أفضل صورة، فيكون ذلك مدعاة لدعم قضيته ورسالته. 

أما أغنية "يا بلاد"، فهي تعكس المرحلة الحالية التي تمر بها فلسطين، كما تعبر عما شعرت به الفترة الماضية من إحباطات، فأنا أزعم أنني إنسانة صادقة مع نفسي ولا أستطيع في ظل ما نمر به إلا أن أقدم أعمالاً ملتزمة.

ما الذي تتطلعين إليه خلال الفترة المقبلة؟

أعمل على تصوير كليب لأغنية "ونظل نقاوم". يؤكد هذا العمل إيماني القوي بأن الأمل يظل بالمقاومة، وهي وحدها القادرة على تحرير الأرض، ليست هناك وسيلة أخرى لدحر الاحتلال سواها، وليس لدينا خيار آخر سوى أن ننهض من جديد، آملين أن القادم سيكون أفضل رغم قسوة الواقع الحالي.

وإلى جانب هذا العمل لدي أغان أخرى ذات صبغة اجتماعية وإنسانية سأستكمل العمل عليها خلال الفترة المقبلة بمشاركة الصديق الملحن تامر قريعين.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك