"هالوسيا".. عبثية الواقع أغرب من الأحلام
ليس جديداً توصيف الواقع الذي نعيشه بأنه عبثي، لكن أن يكون وفق "هالوسيا"، أسوأ وأغرب من الأحلام أو الكوابيس التي تنتابنا على مدار الساعة، فهذا ينذر بحصول تسونامي يُغرقنا جميعاً وعلينا أخذه على محمل الجد.
-
"هالوسيا" الملصق
3 أيام فقط: 16، 17، و18 – تشرين الأول/أكتوبر الجاري - من العروض على خشبة مسرح "دوار الشمس"، لمسرحية تستحق مساحة عروض إحتفالية أوسع وأعرض لما فيها من طاقة ورؤى مختلفة ترى الواقع على حقيقته دون تزييف أو تجميل وتبدع في مضمون النص كما في المشهدية العامة وإتقان جميع العناصر لأدوارهم وفعاليتها في الهيكل المسرحي.
"هالوسيا"، هي العنوان الذي يختصر هلوسات واعية تنظر إلى الواقع المعاش من زاوية مباشرة فترى كامل النواقص والسلبيات بما يتجاوز الصور التي ترتسم في خيالاتنا كوابيس وأوهاماً وإحباطات.
-
مشهد المحاكمة بين كوهاريغ ورين
العمل الذي صاغته الكاتبتان: نور رجب وماريا بشور، وتولت المميزة الفاعلة رين صعب بطولته وإخراجه عن سينوغرافيا لها أيضاً، ينقل مشاهد حية حقيقية من يومياتنا إلى الخشبة ومع أول مقارنة مع ما يُثقل مخيلتنا من هواجس ومخاوف وقلق، نجد أنّ ما نعيشه أسوأ بكثير من هذا العبث المدوي الذي يصرعنا أكثر من مرة في اليوم الواحد لشدة صخبه وقوة تردداته التي تصم الروح عن أن تكون في حال معافاة.
-
مشهد النعوش الأربعة كان مؤثراً ومعبراً
مشهديات المسرحية تكاد تحيط بمعظم مشاغلنا واهتماماتنا اليومية، رغم السوط المسلط على الرقاب من الظروف الضاغطة وغير الطبيعية التي ترهق كاهلنا، داخل منازلنا وفي المنتديات وعلى رؤوس الأشهاد، بحيث يتراجع أثر الأحلام والكوابيس أمام فساد عارم في المجتمع، وعدم اهتمام من بعضه المرفّه بشرائح منه بالكاد تعثر على قوتها اليومي، وتنهال المحاكم غير النزيهة على الأبرياء بأحكام تزيد من عزلتهم، لينعكس ذلك على الخشبة مواجهة ساخنة بين الحق والظلم تجسده المتهمة البريئة 77 – رين صعب – على أفضل وجه.
-
رين صعب تفوقت ممثلة في دور المتهمة 77 - المخرجة ومصممة السينوغرافيا
تتنوع القضايا كثيراً، وتتداخل الأشكال ويسقط ضحايا وتنهمر دموع وتحترق أفئدة، ليبقى شأن واحد يتحكم بكل شيء وهو الإرادة الحرة التي تنبثق من الضمائر الحية لتعلن ولادات طبيعية لمجتمع يطمح لما هو أجمل وأرقى وأهم.
ورغم كثرة النعوش يظل فعل الحياة حاضراً في مواجهة كل أدوات القهر والإحباط على مرأى من العموم والسادة في هذا الكيان الذي يهتز ولا يقع، يتلقى أقوى الصدمات ثم ينهض من جديد وكأنه يعلن هزيمة الظروف لوحدها.
"هالوسيا" هي أقرب ما تكون إلى كتاب الحقيقة التي لا تهاب أي تهمة في زمن تحميل الأبرياء وزر ما يفعله المجرمون والحثالة، جريئة في محاسبة الذات، كما في مواجهة العابثين الذين لا يخافون من ظلم الآخرين، وتسمي أركان العدالة كما القابعين فوق كراسي المسؤولية، وتحمّلهم نتائج ما آلت إليه ممارساتهم، من خسائر وضحايا وميلودرامات إجتماعية عميقة في حزنها وتداعياتها.
وإذا كانت رين صعب رأس الحربة في حمل كل هذا العبء بقوة وتميز، فإنّ الفريق المشارك على الخشبة أبلى البلاء الرائع إلى جانبها، خصوصاً كوهاريغ كيروبيان في الدور الفانتازيا – القاضية – ومعها: جيسيكا مغامس، إلياس نصر الله، مريم الخطيب، رشاد شمس الدين، مي صفا، ومحمد الديراني.