الذكاء الاصطناعي بين الابتكار والمخاوف الأمنية

هناك تحديات كبيرة في ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وآمن. في حال تم استخدام هذه التقنيات بشكل غير دقيق أو تم اختراقها من قبل جهات معادية، قد يتحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة لتعزيز الأمن إلى تهديد حقيقي.

  • المخاوف الأمنية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي تمثل تحدياً كبيراً
    المخاوف الأمنية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي تمثل تحدياً كبيراً

في عالم سريع التغيّر والتطور التكنولوجي، يُعدّ الذكاء الاصطناعي (AI) واحداً من أبرز العوامل التي تعيد تشكيل المستقبل. منطقة الشرق الأوسط ليست استثناءً من هذا التحوّل الكبير، فعلى الرغم من الفرص الكبيرة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن المخاوف الأمنية تظل أحد التحديات الجوهرية التي تقف في وجه استغلال هذه التقنيات بشكل كامل في المنطقة.

فقد أدى التقدم التكنولوجي السريع في مجالات الذكاء الاصطناعي إلى دخول دول الشرق الأوسط في سباق حثيث لتطوير هذا المجال، باعتباره إحدى الأدوات الرئيسية لتعزيز اقتصادياتها وتنمية قطاعاتها الحيوية مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والنقل، وحتى الأمن.

ومن أبرز هذه الدول، الإمارات التي كانت من أولى الدول في المنطقة التي تبنت الذكاء الاصطناعي بشكل منهجي. ففي عام 2017، تم تعيين "وزير للذكاء الاصطناعي"، وأصبح استخدام الذكاء الاصطناعي جزءاً من خطط تطوير المدن الذكية، حيث تم إدخال هذه التكنولوجيا في مراقبة حركة المرور وتحسين الكفاءة في خدمات الحكومة الرقمية.

أما السعودية فقد أطلقت "رؤية 2030" التي تعتمد بشكل كبير على الابتكار التكنولوجي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. وتسعى السعودية إلى أن تصبح مركزاً عالمياً في التكنولوجيا المتقدمة، حيث تُستثمر مئات الملايين من الدولارات في الأبحاث والابتكارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

وفي مصر، بدأ الاهتمام بتقنيات الذكاء الاصطناعي يتزايد، مع بدء الجامعات والمراكز البحثية في التعاون مع شركات عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. وقد أظهرت الحكومة المصرية رغبتها في تعزيز دور الذكاء الاصطناعي في تطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.

وفي الآونة الأخيرة، استحدث لبنان وزارة لشؤون تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، وتركز هذه الوزارة الجديدة على تعزيز التحول الرقمي في لبنان، ووضع استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي لتعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل للشباب اللبناني. هذا التعيين يُعدّ خطوة مهمة نحو تحديث القطاع التكنولوجي في لبنان.

لكن، على الرغم من الابتكار الكبير في هذه المنطقة، فإن هناك قلقاً متزايداً بشأن المخاطر الأمنية التي قد تطرأ بسبب استخدام الذكاء الاصطناعي. من أبرز المخاوف التي تثيرها هذه التقنية هو استخدامها في الأنشطة الحربية، إذ يمكن أن تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في صنع أسلحة ذكية وآليات قتالية غير مأهولة قد تكون صعبة التحكم. هذا يثير تساؤلات حول إمكانية اندلاع الحروب التكنولوجية في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى المزيد من التصعيد في النزاعات الإقليمية.

من جانب آخر، تعد الخصوصية وحماية البيانات إحدى القضايا التي تثير قلقاً بالغاً في منطقة الشرق الأوسط. إذ تعتمد العديد من الدول على الذكاء الاصطناعي لجمع وتحليل بيانات ضخمة عن مواطنيها. هذا يمكن أن يعرض الأفراد لانتهاك خصوصياتهم، خاصة في ظل غياب إطار قانوني شامل لحماية البيانات في العديد من الدول. ومع تزايد الانتهاكات الأمنية التي قد تستهدف البيانات الشخصية، تزداد المخاوف من احتمالية استغلال هذه التقنيات لأغراض غير مشروعة، سواء من قبل الدول أو من قبل جماعات غير حكومية.

هناك جانب آخر من المخاوف يتعلق بالتهديدات السيبرانية التي قد تنشأ نتيجة للاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي، إذ  يمكن للقراصنة أو الجماعات الإرهابية استخدام هذه التقنيات لاختراق الأنظمة الحساسة مثل شبكات الطاقة، والاتصالات، والقطاع المالي. قد يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين قدرة المهاجمين على تنفيذ هجمات معقدة وذكية، الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً للأنظمة الأمنية في المنطقة.

الذكاء الاصطناعي يُستخدم أيضاً في مجال الأمن القومي في منطقة الشرق الأوسط. العديد من دول المنطقة تستخدم الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة مراقبة الحدود، وكذلك في تحليل المعلومات الاستخبارية. كما يُستخدم في تقنيات التنبؤ والتصدي للهجمات الإرهابية، بالإضافة إلى تحسين الأمن في المطارات والموانئ.

لكن، على الرغم من هذه الفوائد، فإن هناك تحديات كبيرة في ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وآمن. في حال تم استخدام هذه التقنيات بشكل غير دقيق أو تم اختراقها من قبل جهات معادية، قد يتحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة لتعزيز الأمن إلى تهديد حقيقي.

مع استمرار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تصبح هذه التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من جميع جوانب الحياة في منطقة الشرق الأوسط. لكن هناك حاجة ماسة لضمان استخدام هذه التقنيات بشكل آمن ومراقب. يجب على الحكومات في المنطقة أن تتخذ خطوات فعالة نحو تطوير قوانين ولوائح تنظّم استخدام الذكاء الاصطناعي، بما يضمن حماية الخصوصية والأمن القومي.

إحدى الخطوات المهمة هي تعزيز التعاون الإقليمي والدولي بين دول المنطقة لخلق بيئة تشريعية وتنظيمية متكاملة تضمن حماية البيانات، وتضع حدوداً لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الأغراض العسكرية. يمكن أن يكون التعاون في هذا المجال خطوة حاسمة نحو تقليل المخاوف الأمنية وتعظيم فوائد هذه التقنيات.

بينما يشكل الذكاء الاصطناعي مصدراً رئيسياً للابتكار في منطقة الشرق الأوسط، فإن المخاوف الأمنية المرتبطة باستخدامه تمثل تحدياً كبيراً. يتعين على دول المنطقة الموازنة بين الاستفادة من الإمكانيات التي توفرها هذه التقنية الحديثة وبين الحاجة إلى ضمان الأمن الشخصي والقومي. مع اتخاذ الخطوات التنظيمية اللازمة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح عاملًا رئيسياً في دفع عجلة التنمية في المنطقة، بشرط أن يتم استخدامه بحذر وتحت رقابة صارمة.

اخترنا لك