خالد الهبر للميادين: الأغنية الملتزمة تؤدّي دوراً نضالياً فاعلاً

فنان ملتزم وصاحب تجربة ممتدة لأكثر من 50 عاماً. ماذا قال خالد الهبر لبرنامج "على محمل الجدّ" على الميادين؟

  • خالد الهبر
    خالد الهبر

صاحب تجربة ممتدة لأكثر من 50 عاماً. إنه الفنان اللبناني، خالد الهبر، الذي اختار الأغنية السياسية والملتزمة التي كانت وباتت تؤدّي اليوم دوراً نضالياً فاعلاً. في مقابلة مع بيار أبي صعب ضمن برنامج "على محمل الجدّ" على الميادين، تحدّث الهبر عن تجربته مع الأغنية السياسية، وسبب تبنّيه لها، وصولاً إلى بروز أصوات شابة تنحو المنحى الفني نفسه، ودور مواقع التواصل الاجتماعي في انتشار هذا اللون الفني بعيداً من الرقابة الرسمية. هنا نصّ الحوار مع خالد الهبر. 

**

بيار أبي صعب: أستاذ خالد، أنت من روّاد الأغنية السياسية، وتجربتك تمتدّ لأكثر من 50 عاماً، وكان لك تأثير واسع في الجمهور. أين أصبحت هذه التجربة اليوم؟

خالد الهبر: هذه التجربة التي امتدت لخمسين عاماً كانت تجربة طليعية للغاية، ويمكن القول إنها سبقت زمنها. وللأسف، أو ربما لحسن الحظ، هناك أغانٍ لم تُفهَم في وقتها، لكنها بدأت الآن، بعد خمسين عاماً، تجد جمهوراً وتتوسّع شعبيتها. من العوامل التي ساعدت على هذا الانتشار اليوم وجود وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم تكن متاحة لنا في السابق.

وكما تعلم، لم نكن نُعرض على القنوات الرسمية أو شبه الرسمية. وبرأيي، في كلّ فترة يظهر جيل جديد يتبنّى الأغنية السياسية كشعارات له، وهذا أمر إيجابي جداً. في الحفلات التي نقيمها نلاحظ أنّ هناك دائماً جمهوراً جديداً، أناساً لا أعرفهم من قبل، ما يدلّ على أنّ الأغنية السياسية أصبحت أكثر انتشاراً الآن مما كانت عليه في بداياتها.

ولا تنسَ أنه في البداية، حوربت هذه الأغنية ـــــ حتى بنيّات صادقة وحسنة ـــــ من بعض الناس الذين رأوا أنها لا تشبهنا، واعتبروها أغنية غربية لمجرّد أنّ من يغنيها يعزف على الغيتار، فظنّوا أنه من الأفضل له أن يغني في كاليفورنيا! في حين أنّ الأغنية التي قدّمناها كانت عربية 100%، الفرق الوحيد أنها عُزفت على غيتار بدلاً من العود، لكنّ النغمات عربية، ومخارج الحروف تُراعى فيها بدقة. هذا هو حال الأغنية اليوم.

بيار أبي صعب: ما الذي دفعك إلى تبنّي الفنّ الملتزم؟

خالد الهبر: أنا ابن عائلة شيوعية. ومنذ طفولتي كنت أقرأ الصحف، وأصغي إلى أحاديث أهلي، رغم أنهم لم يحاولوا يوماً أن يفرضوا علينا ـــــ أنا وأخي. كنت أستعير كتباً من مكتبة والدي وأقرؤها.

حين بدأتُ تعلّم العزف على الغيتار، وبدأت أشعر بأنّ لدي موهبة في التلحين وكتابة الأغاني، وجدتُ نفسي بشكل طبيعي أميل نحو الأغنية السياسية. كنت أرغب في أن تكون للأغنية التي أكتبها رسالة، لا أن تكون مجرّد أغنية عاطفية عادية.

في فترة المراهقة، تعرّفنا إلى عدد كبير من المغنيين الفرنسيين مثل جاك بريل، وجون فيرا، وليو فيري، وجورج موستاكي، وجيلبير بيكو، تعرّفنا إليهم وتأثّرنا بهم، بكلماتهم وشعرهم. وكذلك استمعنا إلى البيتلز، بينك فلويد، ورولينغ ستونز، وأغاني أميركا اللاتينية مثل أعمال جيلبرتو جيل. وطبعاً، تأثّرنا كثيراً بالمدرسة الرحبانية، التي لم تكن فقط موسيقية، بل حملت أيضاً مضموناً سياسياً عميقاً. كذلك ترك الشيخ إمام أثراً كبيراً علينا.

كلّ هذه التأثيرات كوّنت هويّتنا الفنية، ومنها خرجت أغنيتنا التي تشبه جميع هذه المصادر، لكنها في الوقت نفسه لا تُشبه أيّاً منها بالكامل.

ولا يمكن أن نفصل الفنّ عن الظروف السياسية التي كنّا نعيشها. نحن جيل ما بعد النكبة وما قبل النكسة. وعندما بدأ وعينا يتكوّن، كنّا نرى الخروقات الإسرائيلية المتكررة في جنوب لبنان. أول أغنية كتبتها كانت بعنوان "كفركلا"، عام 1974، في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، رغم غياب المقاومة آنذاك ـــــ لم يكن هناك لا حزب الله ولا فصائل فلسطينية ناشطة بعد ـــــ لكنّ الطمع الإسرائيلي بالأرض اللبنانية كان واضحاً، وكنّا نشعر بوحشيتهم منذ تلك الأيام. حاولنا أن نترجم كلّ هذا الغضب والألم إلى أغانٍ.

بيار أبي صعب: بالأمس قلت إنك لم تعِش أو تشهد المجازر السابقة بنفسك، لأنك وُلدت بعد النكبة. لكنك اليوم، بعد كلّ ما حدث، رأيت الوحشية بأمّ عينك. 

خالد الهبر: اليوم رأينا الوحشية الإسرائيلية بشكل متلفز. في السابق، كنا نسمع فقط عمّا جرى في النكبة، ونسمع عن مجازر مثل دير ياسين وغيرها، لكننا لم نكن نشاهدها بأعيننا. أما اليوم، فالمشهد صار واضحاً وموثّقاً بالصوت والصورة؛ الجميع شاهده على شاشات التلفاز.

والأمر الأكثر استفزازاً هو أنّ بعض الجهات، مثل الولايات المتحدة، تقول: (ليست هناك حرب إبادة). كيف يمكن إنكار ذلك، في حين أنّ العالم كلّه شاهده؟ هذا هو الواقع الذي نعيشه اليوم.

بيار أبي صعب: هل ما زال للفنّ الملتزم تأثير في عالم اليوم؟

خالد الهبر: نعم، بالتأكيد ما زال الفنّ الملتزم مؤثّراً، لكن يجب أن نُفرّق. تأثيره يبرز بشكل خاص لدى الأشخاص الذين يمتلكون انتماءً سياسياً أو حسّاً إنسانياً. فالقضية، مثل قضية فلسطين، ليست فقط قضية عربية أو إسلامية، بل في جوهرها قضية إنسانية.

واليوم نرى أشخاصاً ليس لهم أيّ علاقة مباشرة بالسياسة، ومع ذلك تجدهم ينشرون على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات عن غزة. فالإنسان عندما يرى مشاهد بهذا القدر من الوحشية، لا بدّ أن يتحرّك فيه شيء.

بيار أبي صعب: هل يخدم الفنّ الملتزم القضية؟

خالد الهبر: الفنّ الملتزم يخدم القضية، خصوصاً في هذا الوقت الذي تشهد فيه الأحزاب العلمانية تراجعاً ـــــ لا نتحدّث هنا عن الأحزاب الطائفية. ومع تراجع هذه الأحزاب، تقدّمت الأغنية الملتزمة، وبرأيي، تقدّمت لتحجز لنفسها مكاناً معتبراً في مسار النضال، من دون مبالغة، لكنها أصبحت تؤدّي دوراً فعّالاً في النضال اليومي الذي نخوضه ضدّ الاحتلال، وضدّ حرب الإبادة الجماعية الجارية في غزة وفلسطين؟

بيار أبي صعب: ما الفرق بين الأغنية السياسية والأغنية الوطنية؟

خالد الهبر: الأغنية الوطنية والأغنية السياسية يُطلق عليهما هذا التوصيف تجاوزاً. الأغنية الوطنية هي أغنية تتحدّث عن الوطن بشكل عامّ، وغالباً ما تكون مبنية على قصيدة معروفة، تُلحَّن وتُقدَّم كما هي. وفي الحقيقة، ليس لهذه الأغنية أيّ جميل، لأنّ القصيدة في حدّ ذاتها مكتملة العناصر، وقد تُلقى القصيدة من دون لحن، ومع ذلك تلقى تفاعلاً كبيراً من الجمهور.

أما الأغنية السياسية، فهي شيء مختلف تماماً. إنها عمل متكامل: كلمات كُتبت خصيصاً كأغنية، ولحن يتناغم معها، وغالباً ما يولدان معاً بشكل متكامل. يضاف إليهما التوزيع الموسيقي، وأداء المغني، وهو عنصر أساسي. في الأغنية السياسية، ليس بالضرورة أن يكون المؤدّي مطرباً بالمعنى التقليدي، بل الأهم أن يؤدّيها بشكل صادق وقادر على إيصال الرسالة بوضوح إلى الجمهور.

بيار أبي صعب: ما ردّك على أولئك الذين يشكّكون في قيمة الأغنية السياسية كعمل فنّي؟

خالد الهبر: لقد عملنا على الأغنية السياسية لأننا نعلم أنّ للأغنية العادية إمكانيات ضخمة. ولذلك، حاولنا أن تكون الأغنية السياسية ممتعة، سواء من حيث المضمون أو الشكل. اخترنا ألحاناً تحترم ذوق الجمهور، ليست الألحان السهلة التي تُقدّم بلا تفكير، بل كانت ألحاناً من "السهل الممتنع"، كما اهتممنا بتوزيع موسيقي مرتّب يساهم في أن تكون الأغنية ممتعة للجمهور وفي الوقت ذاته محترمة لذوقه.

بيار أبي صعب: أين أنت الآن في ظلّ ما يحدث في لبنان وفلسطين؟

خالد الهبر: أنا ما زلت في مكاني، لم أذهب إلى مكان آخر ولم أغيّر أو أبدّل شيئاً، وما زلت مستمراً. والسبب في استمراري هو مساعدة بعض الأشخاص من حولي الذين كانوا دائماً يقفون إلى جانبي، ففي كلّ مرة كنت أتعرّض للإحباط، كانوا يساعدونني على النهوض مجدّداً. ما زلت مستمراً بالطريقة نفسها.

بيار أبي صعب: هل تعتقد أنّ هناك جيلاً جديداً سيواصل هذه التجربة؟

خالد الهبر: هذا العام، تعرّفت إلى مجموعة من المغنين كي لا أقول مطربين. على السوشيل ميديا، شاهدت شاباً، اسمه سان لوفان، يُغني بالعربية والفرنسية، وهو موهوب جداً. كما شاهدت فتاة تُدعى دانا حايك، قدّمت أغنية معروفة "From the river to the sea" بصوت جميل جداً، وكان الكليب الذي صُوّر لها رائعاً. هناك أيضاً العديد من الأشخاص الذين يغنون الراب بأسلوب مميّز، وهم يجلبون أدواتهم الموسيقية الحديثة.

هذه الأغاني قد لا تشبه الأغاني التي نُنتجها نحن، لكنها قد تصبح أغاني موازية لما نعمل عليه، وربما تكون أفضل أيضاً. الأهمّ هو أن تبقى الفكرة مستمرة، فكرة الأغنية. ليس المهم الشكل الذي توصل به الأغنية إلى الناس، بل يجب أن تبقى الفكرة حيّة وتتطوّر دائماً.

بيار أبي صعب: ووسائل التوصل الاجتماعي برأيك ساعدت؟

خالد الهبر: وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت كثيراً، ويجب أن نشكر الأميركيين على هذا الاختراع. لقد ساعد كثيراً لأننا جميعاً كان مفروضاً علينا رقابة من التلفزيونات الرسمية وشبه الرسمية، لكن عبر وسائل التواصل الاجتماعي تمكّنا من الوصول إلى الكثير من الناس. 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك