كيف تُهدّد السياسة الخارجية الأميركية العالم؟

يعتبر كتاب "أسطورة المثالية الأميركية: كيف تُهدّد السياسة الخارجية الأميركية العالم" ملخّصاً ممتازاً ـــــ وإدانة في آن معاً ـــــ لكيفيّة تشكيل الولايات المتحدة للعالم.

  • كتاب: أسطورة المثالية الأميركية: كيف تُهدّد السياسة الخارجية الأميركية العالم
    كتاب: أسطورة المثالية الأميركية: كيف تُهدّد السياسة الخارجية الأميركية العالم

يشكّل كتاب "أسطورة المثالية الأميركية: كيف تُهدّد السياسة الخارجية الأميركية العالم" لنعوم تشومسكي، مدخلاً مُمتازاً لفهم السياسة الخارجية الأميركية ومعرفة فكر تشومسكي.

يقول محرّر مجلة "New Statesman" البريطانية: لو سُئلتُ عمّا إذا كان الطالب سيتعلّم المزيد عن السياسة الخارجية الأميركية بقراءة هذا الكتاب أو بقراءة مجموعة من المقالات التي يكتبها المسؤولون الأميركيون الحاليون والسابقون أحياناً في مجلات مثل "Foreign Affairs" أو "The Atlantic"، لفاز تشومسكي وروبنسون بلا منازع.

ولعلّ أهمية هذا الكتاب لتشومسكي تكمن فيما تعتبره مجلة "The Nation" الأميركية بأنه "أشهر ناقد للإمبراطورية الأميركية في العالم. لا يُضاهيه أيّ مثقّف حيّ. حتى الدكتور "جون ميرشايمر"، مُنظّر العلاقات الدولية المعروف بنقده للعلاقات الخارجية الأميركية، لا يُضاهيه. ويكشف بحث سريع على غوغل عن عدد المرات التي يظهر فيها اسم تشومسكي في النصوص الإنكليزية أكثر من اسم "ميرشايمر".

يعتبر كتاب "أسطورة المثالية الأميركية: كيف تُهدّد السياسة الخارجية الأميركية العالم" ملخّصاً ممتازاً ـــــ وإدانة في آن معاً ـــــ لكيفيّة تشكيل الولايات المتحدة للعالم منذ أن أصبحت قوة عظمى عالمية بعد الحرب العالمية الثانية.

هذا الكتاب كان آخر كتاب صدر للمفكّر الأميركي الراحل نعوم تشومسكي، شارك في تأليفه ناثان ج. روبنسون، المحرّر في مجلة "Current Affairs" "الشؤون الجارية" اليسارية.

إقرأ ايضاً: السياسة الأميركيّة بين الثابت والمُتغيّر

وكما كتب المؤلف المشارك ناثان ج. روبنسون في المقدّمة، فإنّ كتاب "أسطورة المثالية الأميركية" كُتب "لاستخلاص رؤى من مجمل أعمال تشومسكي في مجلّد واحد يُمكن أن يُعرّف الناس على انتقاداته الرئيسية للسياسة الخارجية الأميركية". وهو يُنجز هذه المهمّة على أكمل وجه.

يروي روبنسون أنّ هذا الكتاب هو مشروع عمل عليه "منذ 9 سنوات" مع تشومسكي من خلال إجراء مقابلتين نتج عنهما مشروع الكتاب هذا.

يعبّر روبنسون عن سعادته بمشاركة تشومسكي بتأليف هذا الكتاب بقوله: إنّ العمل على كتاب "أسطورة المثالية الأميركية" مع البروفيسور تشومسكي من أبرز محطات حياتي ككاتب. لمدة عام، تبادلنا الرسائل حول المسوّدات، سعياً للحصول على نصّ يعبّر بقوة عن آرائه ويعيد صياغة حججه بأدلة محدّثة. للأسف، في نهاية العملية، أصيب البروفيسور تشومسكي بجلطة دماغية حادة، واضطررتُ لإكمال تحرير المخطوطة بمفردي. كان ذلك عبئاً ثقيلاً، لأنني أردتُ التأكّد من أنّ الكتاب النهائي يُنصف أفكار البروفيسور تشومسكي. لحسن الحظ، كنتُ أعمل مع محرّرة تشومسكي المخضرمة، سارة بيرشتل من دار نشر "بنغوين راندوم هاوس"، وتمكّنا معاً من ضمان أن يكون الكتاب النهائي مصقولاً بدقة، وموثّقاً بمصادر جيدة، وواضحاً.\

إقرأ أيضاً: "سيد اللعبة" يكشف انحياز كيسنجر إلى "إسرائيل"

يوضح روبنسون بقوله "أنّ الكتاب يُلخّص بعض الأفكار الجوهرية حول قوة الولايات المتحدة التي طرحها تشومسكي لأكثر من 50 عاماً. ويُحدّث الكتاب هذه الأفكار لعام 2024، ويُدين السياسة الخارجية الأميركية بشدة، مُجادلاً بأنه ما لم نتعلّم أن ننظر إلى تصرّفات حكومتنا كما ينظر إلينا الآخرون حول العالم، فإنّ الولايات المتحدة ستظلّ تُشكّل تهديداً خطيراً للسلام والاستقرار في العالم أجمع.

يسعى كتاب "أسطورة المثالية الأميركية" إلى دحض ما يعتبرانه الأسطورة التي تحمل الاسم نفسه: إن الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. يجادل المؤلفان بأن هذه الحقيقة البديهية تتعارض مع حقائق السياسة الخارجية الأميركية. بدلاً من ذلك، يؤكّدان أنّ "الولايات المتحدة تصرّفت عادةً بتجاهل شبه كامل للمبادئ الأخلاقية وسيادة القانون، إلا بقدر ما تلتزم بالمبادئ والقانون اللذين يخدمان مصالح النخب الأميركية". في مواجهة عقيدة سائدة تُرجع هذا الضرر إلى أخطاء مُضلّلة، يُشكّكان في جدوى هذا الإحسان المزعوم ووجوده، وذلك من خلال سرد الضرر الملموس الذي ألحقته الولايات المتحدة بمعظم أنحاء العالم منذ تولّيها الهيمنة العالمية الفعليّة بعد الحرب العالمية الثانية.

يكتب تشومسكي وروبنسون: "لم تُفكّر أيّ قوة حاكمة قطّ في نفسها على أنها شريرة. إنهم يعتقدون أنهم خيّرون، وأنّ خصومهم هم الأشرار. يجب أن نتأكّد من أننا لا نقع في فخّ الاعتقاد بأننا على حقّ لمجرّد أننا أُمرنا بذلك".

يبحث كتاب "أسطورة المثالية الأميركية"، السياسة الخارجية الأميركية بحسب ما يؤكّد روبنسون الذي يدعو إلى ضرورة أن نتوقّف عن "اعتبار أفعال بلادنا في الخارج أخلاقيةً بحتة، لأننا أيضاً مسؤولون عن أعمال عنف شنيعة". ويلفت روبنسون إلى "أنه عندما نتحدّث عن أفعال "الولايات المتحدة"، فإننا لا نوجّه الاتهامات إلى أميركا بأكملها بالدرجة نفسها. فمعظم سكان البلاد يجهلون ما تفعله حكومتهم في الخارج، وسيصابون بالرعب لو علموا. نحن نتحدّث عن أفعال ارتكبها أصحاب السلطة".

يتناول الكتاب، "فهم نظام القوة"، بإيجاز الأصول الداخلية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، والطرق التي يُساهم بها صنّاع الرأي النخبويّون في الترويج للمغامرة الأميركية لدى الجمهور، إما عن طريق تحريفها، أو، وهو الأكثر شيوعاً، عدم مناقشتها على الإطلاق. كما هو الحال في معظم أجزاء الكتاب.

إقرأ ايضاً: هل انتخاب ترامب يؤدي إلى سقوط "القلعة"الأميركية

يجادل تشومسكي وروبنسون بأنّ "دور الجمهور في صنع القرار محدود" وأنّ "السياسة الخارجية تُصمّم وتُنفّذ من قِبل مجموعات صغيرة تستمد قوتها من مصادر محلية". من وجهة نظرهما، فإنّ السياسة الخارجية الأميركية في معظمها خادمة لمصالح الشركات ـــــ المجمع الصناعي العسكري، وشركات الطاقة، و"الشركات الكبرى، والبنوك، وشركات الاستثمار... والمثقفين ذوي التوجّهات السياسية الذين ينفّذون أوامر أولئك الذين يمتلكون ويديرون الإمبراطوريات الخاصة التي تحكم معظم جوانب حياتنا".

يقدّم كتاب "أسطورة المثالية الأميركية: "تسلسلاً زمنياً مرعباً حول تدخّل أميركا في العالم: "تدخُّلنا في اليونان عام 1947 لقمع انتفاضة شيوعية شعبية؛ وتخريبنا لانتخابات إيطاليا عام 1948؛ وقمعنا للجماعات الديمقراطية واليسارية في اليابان وكوريا الجنوبية بعد الحرب؛ ومشاركتنا في الإطاحة بمحمد مصدق في إيران عام 1953، والإطاحة بجاكوبو أربينز في غواتيمالا عام 1954، واغتيال باتريس لومومبا في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 1961؛ ومحاولاتنا الفاشلة العديدة لقتل أو الإطاحة بفيدل كاسترو في كوبا؛ ومشاركتنا في إبادة الشيوعيين الإندونيسيين ورفاقهم؛ وتدميرنا لفيتنام الشمالية والجنوبية وكمبوديا ولاوس. تورّطنا في الإطاحة بسلفادور أليندي في تشيلي عام 1973؛ وتقديمنا المساعدة لغواتيمالا بينما كانت حكومتها تُحاكم مرتكبي إبادة جماعية؛ وهكذا دواليك، حتى يومنا هذا".

نشير إلى أن كتاب "أسطورة المثالية الأمريكية: كيف تُهدد السياسة الخارجية الأمريكية العالم" هو أحدث كتب تشومسكي، وآخرها حيث انتهى من تأليفه قبيل رحيله في 18 حزيران/ يونيو 2024.

اخترنا لك