بيروت لم تمنحنا هواء الحرية فحسب، بل ألهمتنا سرّ القصيدة وسحرها الذي يختلط فيه الجمال بالألم. ترقص أحياناً كالطير المذبوح، وأحياناً أخرى كحورية خرجت لتوّها من قاع البحر.

رغم أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تتيح للأفراد التواصل مع الآخرين، إلا أنها يمكن أن تؤدّي إلى النقيض تماماً، إلى الشعور بالوحدة والعزلة. 

بغداد التي كانت منارة للعلم حين كانت أوروبا تغط في ظلمات الجهل، تشعل اليوم شمعة في ظلام الإعلام العربي، لتذكرنا أن النهضة تبدأ بكلمة، وأن التحرر يبدأ بفكرة، وأن تعدد الآراء والأفكار مصدر غنى، ونعمة لا نقمة.

ثقافة الاستهلاك حوّلت القارئ إلى مستهلك، والمبدع إلى موظف في خط إنتاج ثقافي. أصبحنا نرى أعمالاً أدبية تُكتب وفق معادلات تسويقية، تغيب عنها الروح ويغيب عنها الجوهر الإنساني.

تنسج تهاني سليم نصّها بين حكاية فرح الشخصية وكلمات محمود درويش الخالدة في "عابرون في كلام عابر". كلمات درويش هنا ليست زينة أدبية، بل هي الجذور التي تثبّت الروح في الأرض.

بين مطرقة الأنا المتضخمة التي تبحث عن التكريس، وسندان الجيوش الإلكترونية والمنصات التي تكرس الطاعة، يذوي الحس النقدي. يصبح العقل كالنبات الذي حرم من الشمس والماء، فيذبل ثم يموت.

هل يعقل منح جائزة سلام لماتشادو المؤيدة لجريمة الإبادة في غزة، فيما شعوب العالم كله تنتفض رفضاً لهذه الجريمة؟

صمت بعض المشاهير العرب، فلا يمكن تفسيره إلّا في إطار ثقافة الخوف والخنوع وغياب المحاسبة الأخلاقية. لكنّ التاريخ لا يرحم، وسيذكر للأجيال القادمة من وقف مع الحقّ ومن وقف مع المصالح.

غزة لم تمت، بل صارت ضمير العالم الحي. وإن كان ثمة أمل، فهو في تلك القوى الشعبية التي تثور ضد جريمة الإبادة، وتلك الجماعات الإنسانية التي ترفض أن تموت القيم.

لم يعد النقد السلبي كافياً، فالمطلوب اليوم هو الإصرار على إنتاج محتوى جوهري يخاطب العقل قبل العاطفة، وتشجيع المبادرات التي تروّج للفكر النقدي، وتقدير المتخصصين والخبراء في مجالاتهم.