قصص وحقائق.. ما لا نعرفه عن أنطوان كرباج

عجّت المواقع والصفحات بإعلان نبأ وفاة الفنان أنطوان كرباج، وغرّد الكثيرون، في مرثيةٍ لن تخبو في القريب المنظور، والميادين نت في هذا التقرير يغبّ من معين سيّدة المسرح نضال الأشقر حوله، ويتصل بابن خالته في كندا الإعلامي أسامة المهتار.

0:00
  • أنطوان كرباج هامة من لبنان.
    أنطوان كرباج هامة من لبنان.(غرافيك: حوراء علي)

وترجّل الفارس.. ممتشقاً سيف الحق لقضيته ومحاطاً بدرع الحب لوطنه وأمته، رائع أن تقضي كفنان، لكن الأروع والأسمى أن ترقى إلى مصاف "البوصلة" الوطنية والقومية في زمن القحل والقشور الفنية.

رحلت الهامة، إلى جوار بارئها، بعضهم أسبغ عليه بجدارة لقب "الأيقونة"، والأكيد المؤكد أنه الفنان برتبة أنطوان كرباج، الاسم الذي كانت تضجُّ به صالات المسرح وشاشات التلفاز في العصر الذهبي للفن في لبنان خاصة مع المرحلة الذهبية للرحابنة..

"بربر آغا" و"فاتك المتسلّط" و"سليم الديك" و"الشخص" و"باتريكوس" و"مدلج" و"مولانا الوالي"، كثيرون كتبوا عن الراحل الكبير المولود عام 1935، الذي لم تعطهِ الدولة اللبنانية على امتداد الزمن حقّه.

كما العادة، تحدّثوا عن انطلاقته، عدّدوا أعماله الفنية بين الشاشة والخشبة والسينما وغيرها، وفي حياته كرّمه رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون بوسام "الأرز الوطني" تقديراً لعطاءاته، ونعاه الرئيس الحالي جوزاف عون أمس الثلاثاء.

  • الراحل كرباج مع سفيرة لبنان إلى النجوم السيّدة فيروز
    الراحل كرباج مع سفيرة لبنان إلى النجوم السيّدة فيروز

يستحقّ "مارد" الفن اللبناني أكثر.. ألم نسمع صدى صوته الرخيم الصدّاح في وجه الباطل، مثل الكليب الخاص بالاعتداءت الإسرائيلية على لبنان بعد عدوان تموز 2006، ألم نعهده دوماً داعياً للوحدة بين مكونات اللبنانيين والنقابات الفنية، عندما كان نقيباً للممثّلين في لبنان من عام 2005 إلى عام 2009.

نضال الأشقر للميادين نت: إنسان المبادئ والقيم

عجّت المواقع والصفحات بإعلان نبأ وفاة الفنان المخضرم، وغرّد السياسيون والفنانون اللبنانيون والعرب، في مرثيةٍ لن تخبو في القريب المنظور، والميادين نت في هذا التقرير يغبّ من معين "سيّدة المسرح" الفنانة الممثلة والمخرجة نضال الأشقر حوله فتقول لنا:" أنطوان كرباج كان على رأس الحالة الذهبية للمسرح اللبناني، في الستينيات والسبعينيات حتى مرضه، وما يميّزه أنه مثابر ومستمر في فنه، وهذا ما يميّزه عن الرعيل الذي عاش معه".

وأضافت "أنطوان صديق وعزيز ورفيق، وصحيح أن عملي معه كان من خلال مسرحيتين ومسلسل فقط، لكننا كنا مواكبين ومتابعين دوماً لما ننجزه، وهو أمسى من أهم ممثلي المسرح بعد مسرحياته مع منير أبو دبس في البداية ثم يعقوب الشدراوي وعصام محفوظ".

وإذ لفتت إلى أن كرباج قدمّ أعمالاً مسرحية سياسية مهمة جداً انطبعت بأذهان الناس، وترك بصماته في التلفزيون، لكنّه بالنسبة لي إنسان ذو قيم، ومبادئ وإخلاص، وهذا أمر مهم بالنسبة لي، وكان هو وزوجته لور غريّب التي ساهمت في نجاحه، أصدقاء حتى وفاتها ومرضه".

  • نضال الأشقر:
    نضال الأشقر للميادين نت: :كرباج قدمّ أعمالاً مسرحية سياسية مهمة جداً انطبعت بأذهان الناس

وقالت إنه رغم تألّقه في جميع أدواره من النواحي كافة، لكنه اشتهر بصداقته المتميّزة للأصدقاء، التي تبقى للعمر كلّه، وبحشرجة وغصة تقول "صحيح أنه كان يعاني في الفترة الأخيرة من مرض النسيان، وهذا أمر رهيب يصيب الفنان، لكننا لن ننساه أبداً، والمجتمع اللبناني والعربي لن ينسوا هذه الشخصة المتميّزة".

أهم ما تذكره "سيدة المسرح"، هو دورها معه في مسرحية "أبو علي الأسمراني" عام 1973، والتي عرضت لمدة 3 أشهر وشكّل ذلك سابقة حينها، كما شاركت معه في المسلسل الأخير لي "رماد وملح"، ولم نكن نلتقي فيه، وأذكر أن أنطوان كان  يقول للكاتب جوزيف حرب "هل يعقل أن لا ألتقي مع نضال في المسلسل نفسه ونحن أبطاله".

ابن خالته" ذكريات من الطفولة مع أنطوان 

الإعلامي اللبناني أسامة المهتار ابن خالة الراحل سرد للميادين نت أولى ذكرياته عن أنطوان، "لعلني كنت في السابعة من عمري، وخلال التدريبات الصوتية التي كان يقوم بها في بيتهم الصيفي في بلدته زبّوغا (جبل لبنان)، مسقط رأسه، فقد كان ينام على ظهره، ويطلب من الموجودين وضع المساند الثقيلة المصنوعة من القش على صدره، ويبدأ بقراءة كتاب "هنيبعل" للكاتب جورج مصروعة بأعلى صوته، بحيث كان يسمعه أبناء "الضيعة" في القاطع الآخر!

وأضاف أن "سبب التدريبات كان التحاقه بفرقة "المسرح الحديث" ومديرها المبدع منير أبو دبس الذي كثيراً ما كان يزور أنطوان في زبوغا، كان يتدرّب لوقت طويل، ولعلّ الصوت الجهوري الذي امتلكه يعود إلى تلك التدريبات".

"قبضاي" يحب الإتقان 

"منذ البدايات، كان أنطوان يحب الإتقان في عمله وهذا ما أوصله إلى النجاح الكبير الذي بلغه، كان أنطوان متين الجسم قوي العضل، وقد حافظ على ذلك حتى النهاية". قالها المهتار ليروي قصة "كان الشباب يلهون برفع المحادل والأجران الحجرية والمِخْل المعدني. لم يكن هناك من يقدر على رفع "القَيمَة"، المحدلة البيضاء الكبيرة، التي كان أنطوان ينترها ويرفعها فوق رأسه. مع قوته العضلية، وصوته الجهوري.

  • كرباج
    ابن خالته للميادين نت: كان أنطوان من أكثر الأشخاص تواضعاً

وأردف قائلاً "وبالرغم من الشخصيات القاسية أو الإجرامية التي أدّاها على المسرح، كان أنطوان من أكثر الأشخاص تواضعاً، وأحنّهم علينا، نحن الصغار من أبناء خالاته وأخواله. هذه الصفات رافقته طيلة حياته".

ليالي معصرة الضيعة في مسرحياته

"ومن الذكريات الأخرى والتي لا شكّ أنها ساهمت في تكوين شخصيته المتواضعة، ليالي المعصرة و"شيل الكشك" وتحويش الزعتر ثم تنشيفه ودقه و"سطح" التين، وصنع المربيات في الهواء الطلق، التي كنا نتشارك بها كباراً وصغاراً، فقد كان لبيت خالتي معصرة عنب، وكنا نذهب في شهر أيلول/ سبتمبر "لدعس" العنب الذي نقطفه من كرم "ضهر الشيارة" تمهيداً لتحويله إلى دبس".

ويرى أنّ "بعض ما تسرّب إلى نصوص مسرحياته، مثل اسم "حفيظة" و"بو ميزان" و"دير شمرا"، هي من إرث تلك الأيام. بعض مشاهد مسرحياته مقتبس من حكايات سمعناها من جدنا المغامر بو عسّاف".

كان يحب "الفالس" 

وفي حين لا يذكر الزميل أسامة الذي يدير اليوم مجلة "فينيق" في كندا، فرقته المسرحية التي ألّفها من أقربائه وأصدقائه في زبوغا والتي تحدّث عنها في أكثر من لقاء، ولعلها كانت قبل ولادته، ولكنه يذكر كم كان يحب رقص الفالس، و"الباسادوبلي" الإسبانية، وكيف كان يراقص أخته الوحيدة وأخواتي حين كنا نزورهم في بيتهم المتواضع في عين الرمّانة.

  • كرباج
    المهتار: مشاهد من مسرحياته مقتبسة من حكايات سمعناها من جدنا المغامر "بو عسّاف"

ولن أتكلّم عن قيمته الفنية، فهذا ما سيكتب عنه كثيرون. أريد لهذه الكلمات القليلة أن تلقي الضوء على تلك النواحي الحميمة من حياته. 

كومبارس متظاهرين!

في "مسرحية أبو علي الأسمراني، والتي كانت من أكثر المسرحيات نجاحاً في تاريخ لبنان، كان أنطوان بحاجة إلى كومبارس. اتصل بي أخوه الصغير عسّاف، والذي شاركه في أكثر من عمل، قبل أن يتوفى وهو في عزّ الشباب، وسألني إذا كنت أرغب بالمشاركة في المسرحية، وإذا كان بإمكاني جمع بعض الأشخاص من منطقة رأس بيروت ليؤدّوا دور المتظاهرين.

وافقت على الفور واتصلت ببعض الأصدقاء، وأصبحنا فرقة الصخب على المسرح. ولكن ليست هنا العبرة. المميّز هو في أن تكون على المسرح في 8 حفلات أسبوعياً ولمدة 6 أشهر مع كبار مسرحيّي ذلك الزمن، مع أنطوان ونضال الأشقر وفيليب عقيقي، وسامي مقصود، وليلى كرم، ورفعت طربيه، والمخرج الكبير بيرج فازليان، وسواهم الكثير ممن لم أعد أذكر أسماءهم.

أمّا عن ذكريات تلك الأيام، والدروس التي تعلّمتها، فهي لا تنسى. طبعاً، كان أنطوان عماد المسرحية، فهو منتجها والأب الروحي للفرقة. كان أول من يحضر من الممثّلين، وآخر من يغادر، وكان التواضع سمته.


فيض الذكريات هذا يعود بي إلى أيام بسيطة، قبل أن تدخل الكهرباء ومياه الشفة قريتنا الوادعة "زبّوغة". كنا نضيء بالسراج والقنديل قبل أن يدخل "اللوكس" إلى القرية، فقد كانت السهرات جميلة تغمرها المحبة. أيام مضت ولن تعود. أيام لم يبقَ منها سوى ذكرى أحبة نفتقدهم، أحبة سبقونا إلى ذلك المجهول". ختم المهتار بحنين.