عامٌ على اتفاق وقف النار في لبنان: خروقات إسرائيلية متواصلة تهدّد الاتفاق الهش وتنذر بالتصعيد
بعد عام على اتفاق وقف النار، تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان بآلاف الخروقات وارتقاء أكثر من 330 شهيداً، فيما يمتنع الاحتلال عن الانسحاب من الجنوب ويقوّض الاتفاق ويتنصّل منه.
-
جنود من الجيش اللبناني يقفون إلى جانب المدنيين وسط ركام غارة إسرائيلية استهدفت قرية طورة في جنوب لبنان، في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 (أ ف ب)
بعد عام كامل على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، يتواصل مسلسل الخروقات الإسرائيلية بلا انقطاع، تحت غطاء أميركي واضح، فيما بقيت بنود الاتفاق منذ اليوم الأول حبراً على ورق من جانب الاحتلال الذي لم يلتزم بأيّ من تعهّداته، مستمراً في اعتداءاته ومتمادياً في نسف الأسس التي قامت عليها التهدئة.
فمنذ الأيام الأولى للتهدئة، لم يتوقّف الاحتلال عن تنفيذ غارات وعمليات اغتيال في القرى المتاخمة للحدود وفي مختلف مناطق جنوب لبنان والبقاع شرقاً، مستهدفاً أيضاً مخيمات اللجوء الفلسطيني من دون أيّ إنذار مُسبق.
وامتدّت الاعتداءات لتشمل الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، حيث نفّذ الاحتلال هجماتٍ متكررة أدّت إلى استشهاد عدد من اللبنانيين وإصابة آخرين، كما أنّ مواقع الجيش اللبناني وقوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" لم تسلم من الاعتداءات في مؤشرٍ واضح على أنّ خروقات التهدئة باتت جزءاً من سياسة عسكرية مستمرة تتجاوز حدود الجنوب إلى عمق البلاد.
استشهاد أكثر من 330 شخصاً خلال عام
وتُظهر الأرقام الرسمية الأخيرة الصادرة عن وزارة الصحة اللبنانية أنّ حصيلة العدوان الإسرائيلي منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي – تاريخ بدء تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية – وحتى 25 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، تجاوزت 330 شهيداً وأكثر من 900 جريح، في ظلّ استمرار الغارات والاستهدافات العسكرية على الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.
وفي السياق نفسه، كان المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، موريس تيدبول بنز، قد شدّد في تصريح سابق على أنّ الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على المدنيين والبُنى المدنية في لبنان ترقى إلى "جرائم حرب"، وتشكّل "انتهاكاً خطيراً لميثاق الأمم المتحدة ولقرار مجلس الأمن 1701، وللسيادة اللبنانية".
بهذا، يعيد التقرير الأممي تسليط الضوء على اتساع الهوّة بين النصوص الدولية التي يفترض أن تنظّم وقف الأعمال العدائية، والواقع الميداني الذي يشهد تصعيداً مستمراً من جانب الاحتلال الإسرائيلي.
النائب علي عمار: الاحتلال واصل هجماته رغم التزام لبنان الكامل ببنود القرار 1701
بدوره، أكّد النائب في البرلمان اللبناني وعضو كتلة الوفاء للمقاومة، علي عمار أنّ مسار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان لم يتوقّف منذ سنوات، مشدّداً على أنّ العدوان نُفّذ برعاية أميركية واضحة.
"مسار الاعتداءات الإسرائيلية مستمر منذ أعوام "
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) November 27, 2025
عضو كتلة الوفاء للمقاومة علي عمار لــ #الميادين #لبنان @mayarizkrizk pic.twitter.com/ia66vHgWho
وقال في تصريحات للميادين إنّ الاحتلال واصل هجماته منذ عام وحتى اليوم، على الرغم من التزام لبنان الكامل ببنود القرار 1701، ما يعكس "نهجاً إجرامياً ثابتاً" من قبل "إسرائيل"، مشدّداً على أنّ "السلاح باقٍ ما دام هناك احتلال للأراضي اللبنانية".
"إسرائيل" لا تريد سلاحا معاندا لها ونكرر اليوم أن السلاح باق ما دام هناك احتلالا للأراضي اللبنانية"
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) November 27, 2025
عضو كتلة الوفاء للمقاومة علي عمار لــ #الميادين #لبنان@mayarizkrizk pic.twitter.com/Gg5z28twAo
وأشار عمار إلى أنّ المقاومة تمارس ما وصفه بـ"الصبر الاستراتيجي"، انطلاقاً من تقديرها للتحوّلات الدولية والإقليمية وللوضع الداخلي اللبناني، مؤكّداً أنها منحت الدولة اللبنانية، حكومة ورئاسة ومسؤولين، الوقت اللازم للقيام بواجباتها. وأضاف أنّ "قرار الحرب والسلم هو بيد الدولة اللبنانية درءاً للعدو وتحريراً للأرض".
ولفت النائب إلى أنّ المقاومة متمسّكة بثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" كمعادلة حماية وطنية، مشدّداً على أنّ "إسرائيل لا تريد السلام، بل تريد من لبنان الاستسلام"، مؤكداً في الوقت ذاته أنّ المقاومة لن تخضع لـ"أي ظرف أو ضغط".
"لا نطلب المستحيل من الدولة ونأخذ بعين الاعتبار اعتبارات الجيش وكان لنا ثلاثية الشعب الجيش والمــــــ..قاومة"
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) November 27, 2025
عضو كتلة الوفاء للمـــــ...قاومة علي عمار لــ #الميادين#لبنان@mayarizkrizk pic.twitter.com/ynEZqxVEn4
وأوضح عمار أنّ المقاومة تمهل الدولة الوقت الذي تحتاج إليه لمتابعة المسار الدبلوماسي، مشيراً إلى أنها "حاضرة في كل ساح".
وختم عمار بالإشارة إلى أنّ المرحلة الراهنة تتطلّب رفع مستوى الجاهزية في مواجهة العدوانية الإسرائيلية، معتبراً أنّ الخرائط التي رفعها بنيامين نتنياهو حول مشروع (إسرائيل الكبرى) تشكل "مؤشراً واضحاً على نوايا عدوانية وممارسات فعلية على الأرض".
"الخرائط التي رفعها نتنياهو حول مشروع "إسرائيل الكبرى" مؤشر واضح وممارسة عدوانية فعلية من قبل "إسرائيل""
— الميادين لبنان (@mayadeenlebanon) November 27, 2025
النائب علي عمار لـ #الميادين #لبنان #الميادين_لبنان pic.twitter.com/qMhnkyJ9tC
7500 انتهاك جوي إسرائيلي
شدّد اتفاق وقف إطلاق النار بوضوح على امتناع "إسرائيل" عن استهداف الأراضي اللبنانية برّاً وبحراً وجوّاً، مقابل توقف حزب الله عن عملياته والتزام الطرفين بالقرار 1701 وحماية قوات "اليونيفيل"، كما منح الجيش اللبناني صلاحيات واسعة لضبط السلاح جنوب الليطاني وتفكيك البنى العسكرية غير المصرّح بها.
وتضمّن الاتفاق خطةً لنشر 10 آلاف جندي في الجنوب وانسحاباً تدريجياً لقوات الاحتلال إلى ما بعد الخط الأزرق خلال 60 يوماً، لكنّ الوقائع الميدانية التي تلت دخول الاتفاق حيّز التنفيذ جاءت مناقضة بالكامل لروحه، مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتوسّع رقعتها على نحو يقوّض أسس التهدئة.
بعد انقضاء مهلة الستين يوماً المنصوص عليها في الاتفاق، والتي مُدِّدت حتى 18 شباط/فبراير من جانب الاحتلال من دون موافقة الاحتلال ومن دون أن تُنفَّذ، امتنعت "إسرائيل" عن الانسحاب من المواقع التي تحتلّها جنوباً. فالوقائع الميدانية تظهر أنّ قوات الاحتلال لا تزال متمركزة حتى اليوم في أكثر من 5 تلال أساسية: الحمامص مقابل بلدة الخيام، الدواوير مقابل مركبا، جبل الباط مقابل عيترون، اللبونة مقابل الناقورة، وجبل بلاط مقابل مروحين، مع توسيع انتشارها في محيط هذه النقاط، الأمر الذي يعكس بوضوح عدم نيّة الاحتلال بالانسحاب في المدى القريب.
وفي أعقاب سريان الاتفاق، شُكّلت لجنة خماسية برئاسة الولايات المتحدة، تضمّ ممثّلين عن فرنسا ولبنان و"اليونيفيل" و"إسرائيل"، لتتولّى الإشراف على وقف الأعمال العدائية. اللجنة، التي تُعرف باسم "الميكانيزم"، عقدت حتى الآن 13 اجتماعاً في رأس الناقورة، لكنّ اجتماعاتها انطلقت بوتيرة متباطئة أثارت امتعاضاً لبنانياً من آلية عملها.
وخلال مهلة تنفيذ الاتفاق وما تلاها، شهد الجنوب تصاعداً ملحوظاً في الخروقات الإسرائيلية التي وضعت الاتفاق برمّته تحت التهديد، مع استمرار الغارات والتحليق المسيّر واتساع رقعة الاعتداءات. وقد طالت الاعتداءات الإسرائيلية هذا العام مواقع للجيش اللبناني، ما أدّى إلى سقوط شهداء وجرحى، كما استهدفت قوّة "اليونيفيل" وتسبّبت بإصابات في صفوف عناصرها مباشرة أو بصورة غير مباشرة.
ومع تزايد المخاوف من توسيع "إسرائيل" عملياتها، تكثّفت الاجتماعات خلال الشهرين الأخيرين، وسط إصرار لبناني على أن تؤدّي اللجنة دوراً فعّالاً في مسار إنهاء الاحتلال، المطلب الذي لم يلقَ أيّ تجاوب من الجانب الإسرائيلي حتى الآن.
ومع مرور الوقت، أصبح واضحاً أنّ لبنان يتعرّض لسلسلة استهدافات شبه يومية، من غارات جوية إلى تدمير أراضٍ زراعية، فضلاً عن طائرات استطلاع لا تغادر الأجواء اللبنانية. وتُظهر بيانات قوات "اليونيفيل" حجم الخروق المستمرة، مسجّلة منذ توقيع الاتفاق أكثر من 7500 انتهاك جوي إسرائيلي، و2500 بري شمال "الخط الأزرق".