"فايننشال تايمز": عودة ترامب تهدد بسباق تسلح نووي جديد
صحيفة "فايننشال تايمز" تتحدث عن المخاوف من سباق تسلح نووي جديد مع التحوّلات التي شهدتها السياسة الأميركية تحت حكم ترامب.
-
الرئيس الأميركي دونالد ترامب "أرشيف"
تحدثت صحيفة "فايننشال تايمز" عن المخاوف من سباق تسلح نووي عالمي جديد، وأوضحت أنه في ظل التحولات الجيوسياسية التي شهدها العالم مؤخراً، خصوصاً مع صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تزايدت المخاوف من انهيار معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي تم توقيعها في الستينيات خلال فترة الحرب الباردة. و كان الاتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي يركز على أن الانتشار النووي يعدّ تهديداً للجميع، ومن هنا كانت فكرة الرئيس الأميركي جون كينيدي بشأن إجراء محادثات حول معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
وفي تلك الفترة، قام الرئيس الأميركي بتوسيع المظلة النووية لطمأنة الحلفاء بعدم حاجتهم إلى الحصول على الأسلحة النووية، إذ كان الهدف الرئيس هو ضمان أمن الدول الحليفة.
ومع وصول ترامب إلى السلطة، تغيرت الأمور بشكلٍ جذري، إذ دفع تحوّله نحو موسكو وتجاهله حلف شمال الأطلسي حلفاء الولايات المتحدة القدامى إلى مواجهة تهديدات جديدة، وخاصةً في ما يتعلق بالاستعداد لانسحاب محتمل من "الدرع النووي" الأميركي.
التحولات التي شهدتها السياسة الأميركية تحت حكم ترامب أدت إلى إضعاف الضمانات النووية، وهو ما دفع حلفاء الولايات المتحدة إلى التفكير في امتلاك الأسلحة النووية كحل بديل لضمان أمنهم.
وفي هذا السياق، أشار أنكيت باندا، من مؤسسة "كارنيغي" للأبحاث ومؤلف كتاب " العصر النووي الجديد"، إلى أن "الإجماع المتآكل بشأن منع انتشار الأسلحة النووية أمر واقع"، وأضاف أن الدول الحليفة بدأت تراجع خياراتها بسبب انعدام الموثوقية الأميركية.
كما أشار لورانس فريدمان، خبير الاستراتيجية النووية، إلى أن المعضلة التي يواجهها الحلفاء هي معضلة قديمة، وأن الأزمة الحالية تتسم بالشدة التي قد تجعل الحلفاء غير قادرين على تجاوز تبعاتها، وهو ما يطرح تساؤلات بحسب "فايننشال تايمز" حول مدى استقرار النظام النووي العالمي الذي كان يتسم بالحد من انتشار الأسلحة النووية، فيما يزداد القلق من انتشار الأسلحة النووية إلى دول إضافية ما يزيد من مخاطر اندلاع حرب نووية مدمرة.
ومع تصاعد المخاوف، يرى محللون أن تهديدات ترامب قد تؤدي إلى زيادة الدول النووية من 5 دول فقط إلى 15 أو حتى 25 التي توقعها كينيدي، ما سيغير تماماً معادلة التوازن النووي ويزيد من احتمالات وقوع نزاع نووي كارثي.
ألمانيا واحتمالية امتلاك الأسلحة النووية
وفي خطوة غير مسبوقة، أثار فريدريش ميرز، المستشار المنتظر لألمانيا، شهر شباط/فبراير الماضي، تساؤلات حول إمكانية أن تستكشف أكبر دولة في أوروبا "تقاسم الطاقة النووية أو الأمن النووي مع المملكة المتحدة وفرنسا". هذه الدعوة التي تعد تاريخية فتحت نقاشاً عاماً حول ما إذا كانت ألمانيا، التي لطالما ارتبطت صورتها بعد الحرب العالمية الثانية بالسلام الأوروبي والعالمي، يجب أن تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية.
وأشارت الصحيفة إلى أن ألمانيا تستضيف حالياً الأسلحة النووية الأميركية منذ عام 1983، مع وجود نحو 20 قنبلة نووية من طراز B61 في قاعدة بوشل الجوية. وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين الألمان أن الولايات المتحدة لم تُبدِ أي إشارة إلى سحب هذا الدرع النووي، فإن النقاش حول احتمال امتلاك ألمانيا الأسلحة النووية الخاصة بها بدأ يثير قلقاً في الأوساط السياسية.
ويرى بعض الخبراء، مثل ثورستن بينر، رئيس معهد السياسات العامة العالمية في برلين، أنه من الضروري أن تستثمر ألمانيا في "الحفاظ على الكمون النووي"، أي إعداد البنية التحتية اللازمة لإنشاء سلاح نووي إذا دعت الحاجة، دون أن تقوم ببنائه بشكلٍ فوري.
وأوضح أن هذا النقاش انطلق من القلق بشأن تطور السياسة في المملكة المتحدة وفرنسا، لا سيما في حال فوز مارين لوبان في الانتخابات الفرنسية لعام 2027، وما قد يترتب على ذلك من تهديدات للأمن النووي المشترك في أوروبا.
وفي الوقت نفسه، كان وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، قد وصف النقاش بأنه "تصعيد لا نحتاجه"، مشيراً إلى معاهدات دولية تحظر امتلاك الأسلحة النووية، إلا أن التساؤلات تزداد بشأن الموثوقية المستقبلة للتحالفات النووية في ظل التغيرات السياسية العالمية.
بولندا وتقاسم الأسلحة النووية مع فرنسا
شهدت بولندا تحركاً سريعاً في النقاش حول الأسلحة النووية، بعد أن طرح رئيس الوزراء دونالد توسك فكرة السعي إلى امتلاك أسلحة نووية أو على الأقل التوصل إلى اتفاقية مع فرنسا لتقاسم الأسلحة النووية. وتُعد هذه الخطوة الأولى من نوعها في بولندا، حيث اعتبر توسك أن تطوير قدرة نووية بولندية سيعزز من قوة الردع ضد روسيا.
وفي رد فعل مباشر، اعترض منافسه السياسي، الرئيس أندريه دودا، قائلاً إنه "سيكون من الأفضل نقل الرؤوس الحربية الأميركية إلى بولندا"، وهو اقتراح قُوبل بمعارضة قوية من موسكو ورفضته واشنطن لفترة طويلة. ويعكس هذا الاقتراح التصاعد الكبير في القلق البولندي بشأن تهديدات روسيا.
وأشار مارسين إيدزيك، مدير شركة "بي جي زد" البولندية للمعدات الدفاعية، إلى أن النقاشات الأخيرة تظهر بوضوح أن بولندا تؤمن بأن "الردع النووي هو أداة أساسية لمواجهة روسيا".
وتطرقت الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن بولندا استضافت رؤوساً نووية خلال فترة الحرب الباردة لصالح موسكو، فإنها لم تمتلك محطة نووية مدنية، وهي في حاجة ماسة للبنية التحتية والخبرة لتطوير برنامج نووي محلي.
ويرى دودا أن بولندا تحتاج إلى عقود لتطوير أسلحة نووية خاصة بها، وهو الرأي الذي يوافق عليه العديد من المحللين والمسؤولين التنفيذيين، مؤكدين أن الأمر يتطلب الكثير من الوقت والموارد، في وقت تتزايد الانقسامات السياسية الداخلية حول هذه القضية الحيوية.
كوريا الجنوبية والقدرة على صنع الأسلحة النووية في غضون أشهر
وأدى تقدم كوريا الشمالية المستمر في تطوير برنامجها النووي وتوثيق علاقتها مع موسكو إلى تصاعد القلق في كوريا الجنوبية، ما دفع إلى زيادة الدعوات داخلياً لامتلاك أسلحة نووية. ويشير الباحث في معهد كوريا للتوحيد الوطني، سانغسين لي، إلى أن "الدعم لكوريا الجنوبية للحصول على أسلحتها النووية يتسع، وهو يتصلب" في وقت تتزايد التهديدات في المنطقة.
ورغم أن الحزبين الرئيسيين في كوريا الجنوبية لم يدعما بعد هذه الخطوة بشكلٍ علني، فإن القادة من الجانبين يشيرون إلى أهمية السعي نحو "الكمون النووي" لضمان قدرة سيؤول على بناء أو الحصول على الأسلحة النووية بسرعة في حالة الطوارئ.
وفي هذا السياق، دعا أوه سي هون، عمدة سيؤول المرشح الرئاسي المحتمل، الولايات المتحدة إلى السماح لكوريا الجنوبية بالحصول على مخزون من المواد النووية مشابه لما تمتلكه اليابان، مما يعطي سيؤول وضع "العتبة النووية".
هذه التصريحات جاءت بعد بيان وزير الخارجية الكوري الجنوبي، تشو تاي يول، الذي قال للبرلمان إن امتلاك الأسلحة النووية "ليس مستبعداً"، مؤكداً ضرورة الاستعداد لجميع السيناريوهات المحتملة. ويذكر أن كوريا الجنوبية تمتلك بالفعل أعلى كثافة من المفاعلات النووية المدنية في العالم، ومع التكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها، يمكنها إنتاج أسلحة نووية بدائية في غضون 3 أشهر.
هل تصبح الأسلحة النووية حلاً لليابان في مواجهة التهديدات المتزايدة؟
وبعد مرور عقود من الحرب العالمية الثانية، لا تزال اليابان، الدولة الوحيدة التي تعرضت لدمار القنابل النووية، وتعدّ امتلاك الأسلحة النووية أحد أكبر المحرمات السياسية. لكن مع تصاعد التهديدات من كوريا الشمالية، وزيادة حزم الصين العسكري، وتزايد الشكوك بشأن موثوقية المظلة النووية الأميركية، بدأ النقاش حول إمكانية حصول اليابان على أسلحة نووية يأخذ منحنى جديداً.
ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن مسؤول ياباني بارز أنه على الرغم من أن هذه المناقشات كانت في السابق حكراً على مجموعة صغيرة من السياسيين المتشددين، فإن هناك دلائل على اتساع دائرة المشاركين في هذا النقاش. وأشار إلى أن هذه القضية باتت محط اهتمام أكبر في الآونة الأخيرة، ما يعكس تحولاً في العقلية السياسية في اليابان.
تاريخياً، كانت اليابان من أولى الدول التي وقعت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ولكن استخدامها السلمي للطاقة النووية، وامتلاكها مصانع للتخصيب في التسعينيات، منحها مخزوناً كبيراً من المواد التي يمكن أن تستخدمها في تصنيع أسلحة نووية. ويقول الخبراء العسكريون الأميركيون إن اليابان قادرة على بناء سلاح نووي في غضون أشهر فقط، بفضل قدرتها الصناعية المتطورة.
وتحتفظ اليابان حالياً بنحو 8.6 طن من البلوتونيوم، وهو ما يكفي نظرياً لإنتاج آلاف القنابل النووية. ولم تغب هذه الحقيقة عن الصين، التي استخدمت سابقاً وسائل الإعلام الرسمية للتشكيك في امتلاك اليابان لهذه الكمية الهائلة من المواد.