ردّ ردعي إيراني له تداعياته

إذا كان العدو الصهيوني قد حقّق مكاسب تكتيكية طالت القوى العربية، فإنّ إيران بهذه القدرة على استيعاب العدوان والانتقال السريع لهجوم واسع، تكون قد استعادت القوة والحضور في قلب المحور نفسه.

0:00
  • العدوان الصهيوني – الأميركي أبعد ما يكون عن المناخات المعروفة المتداولة حول الملف النووي.
    العدوان الصهيوني – الأميركي أبعد ما يكون عن المناخات المعروفة المتداولة حول الملف النووي.

أياً تكن فترة الاشتباك المتوقّعة التي تلي الردّ الردعي الإيراني على العدوان الصهيوني الأميركي، فالآفاق تذهب إلى نهايات هذه الجولة لصالح إيران: 

أولاً؛ بدلالة فشل العدوان المذكور في تحقيق أيّ هدف من أهدافه الاستراتيجية.

ثانياً؛ بثبات الدولة الإيرانية ومكانتها وموقعها ومواقفها من الملف النووي وصناعة الصواريخ البالستية ومن مختلف القضايا السياسية الأخرى، ناهيك عن الخسائر الفادحة التي ألحقتها بالعدوان حتى الآن. 

إلى ذلك، أظهرت المعطيات الأولى للعدوان الصهيوني الأميركي على إيران، أنّ المسألة تعدّت الملف النووي والمقاربات الصهيونية الخاصة إلى ما هو أوسع من ذلك، ويتعلّق بسيناريو يحضّر إيران لمسرح انقلاب سياسي كبير لوقف صعودها على رقعة اللاعبين الإقليميين وانتقالها إلى رقعة اللاعبين الدوليين، بل يسعى إلى تحطيم الرقعة الإقليمية نفسها وتحويلها إلى شظايا وشراذم كيانات طائفية جهوية وفقاً لمشاريع التقسيم المتداولة والتي تشمل إيران أيضاً. 

لم تعلن إيران الكثير عن تفاصيل المسرح الداخلي المتزامن مع العدوان الصهيوني الأميركي والمنسجم مع مشاريع التقسيم المذكورة، ولكن ثمّة مؤشّرات على تحضيرات تجمع بين شبكات التجسّس وبين حالات وظواهر سياسية مرتبطة بأقلام الاستخبارات الأطلسية والصهيونية، وهي الحالات التي ظلّت طهران تتعاطى معها بمزيج من الرقابة والهضم البطيء وتفكيك حلقاتها الخطرة في كلّ مرة. 

وهذه الحالات مفهومة في دولة مثل إيران عابرة للقوميات وتفكّر بعقل إمبراطوري يسمح لها فعلاً باستثمار أيّ نجاحات إقليمية لها وبناء استراتيجية لوجستية تتعدّى الصراع على فلسفة الأسواق واقتصادها، ومن ثمّ الاقتراب من الدائرة الأساسية للاعبين الدوليين، وقد شهد العالم كلّه كيف أن إيران زوّدت روسيا بأشكال متطوّرة من أسلحة الحرب الجوية، ناهيك عن موقعها التاريخي في قائمة الغاز العالمية التي تؤدّي اليوم دوراً أساسياً في مصير العالم.

فإذا أضفنا إلى تلك المعطيات الخاصة بالصراع على الشرق الأوسط كـ "هارت لاند" جنوبي يشبك طريق الحرير ومنابع الغاز بالخط الأوراسي، يكون العدوان الصهيوني جزءاً من استراتيجية كونية فاصلة.

من المؤكّد أنّ إيران لو لم تستوعب الضربة الأولى وأهدافها السياسية الاستراتيجية لكانت قد خرجت من التاريخ وأخرجت معها شعوب وأمم الشرق الأوسط برمّته. 

ومن المؤكّد أنّ صمود إيران في اللحظات الأولى من العدوان وانتقالها اللوجستي السريع الشجاع إلى الهجوم لم يثبت إيران كقوة إقليمية ويعيد التوازن الردعي السابق، وحسب، بل نقل إيران والمنطقة العربية معها والقوس الآسيوي الغربي إلى مكان آخر تماماً لم تحسب واشنطن و"تل أبيب" ولندن حسابه أبداً.

كان يراد من العدوان، حالة حزيرانية ثالثة بعد أن درج العدو على اختيار شهر حزيران توقيتاً شيطانياً لكلّ اعتداءاته واستهدافات الأطلسي معه، فمن حزيران 1967 الذي فاجأ العرب وحطّم طائراتهم قبل أن تقلع وأجبرهم على الاعتراف بالعدو وفق القرار (242)، إلى عدوان حزيران 1982 على المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان والذي انتهى بخروج القيادة الفلسطينية من ذلك البلد، وها هي الحالة الحزيرانية الصهيونية ضدّ العرب تفشل على حدود أخرى وترتدّ على العدو نفسه. 

ومما له دلالة هامّة على هذا الصعيد، أنّ الجبهة الشرقية مع إيران مقابل الجبهة الغربية مع العدو الصهيوني كسرت هذه المرة الاتجاه المبرمج في العقل الصهيوني الأطلسي، فبدل أن تكون جبهة بديلة كما حدث طيلة الحرب العراقية الإيرانية، ها هي طهران تعيدها إلى ساحة للصراع مع العدو على الجبهة الغربية.

ومن المؤسف بالتأكيد أنّ أوسع وأهمّ اشتباك مع العدو الصهيوني منذ تأسيسه، اشتباك جرى ويجري بين العدو الصهيوني ودولة غير عربية، هي إيران، ومن المحزن أكثر أنه بالإضافة إلى غياب العرب عن أهمّ لحظة اشتباك تاريخية مع العدو الصهيوني، ثمة عرب في صفه من موقع التبعية له، ولا داعي للتذكير بأنّ قضية فلسطين هي قضية العرب المركزية وأنّ الاشتباك مع العدو الصهيوني هو مهمتنا كعرب بالدرجة الأولى ويفترض أن يكون أيّ إسناد آخر إسناداً لجهد عربي أساساً.

إلى ذلك، إذا كان من السابق لأوانه الحديث عن تداعيات دراماتيكية فيما يخص العدو وتحالفاته، إلا أنّ الوقائع وحيثياتها ومعطياتها ومآلاتها الموضوعية تؤشّر على الآفاق الآتية: 

على صعيد العدو

- تعثّر آخر للإبراهيمية السياسية بمعناها الصهيوني (مركز إسرائيلي ومحيط عربي تابع).

- الإخفاق الكبير في إعادة الاعتبار لدوره الإقليمي العدواني.

- مزيد من التصدّع الداخلي.

-  مزيد من موجات الهجرة اليهودية ومغادرة الكيان وخاصة من الأشكناز.

- هزّة كبيرة حول ميناء حيفا وموقعه اللوجستي والاقتصادي ولا سيما فيما يخصّ (طريق الهند الجديد).

على الصعيد العربي

- إعادة الاعتبار لخط القتال وثقافة المقاومة والاشتباك وإسناد حزب الله موضوعياً في مواجهة الضغوط المشبوهة المعروفة، والأمر نفسه ينطبق على فصائل المقاومة العراقية، وتعزيز الموقف الوطني الشجاع لأنصار الله في اليمن.

- رغم أنّ إيران قاتلت (بالوكالة) عن العرب فيما يخصّ التهديد الصهيوني لسيادتهم ووجودهم، إلّا أنّ كلّ مقاومة وممانعة وهزيمة للعدو الصهيوني تحدّ من ابتزازاته السياسية بما في ذلك فرض تسويات صهيونية ذليلة على المنطقة. 

- خلق مناخات وبيئة إقليمية تغذّي أيّ مشاريع وأدوار عربية تسعى لحضور مستقل بهذه الدرجة أو تلك، بانتظار صعود قوة عربية من النمط الناصري.

على الصعيد الإيراني

- إذا كان العدو الصهيوني وتحالفاته الدولية والإقليمية قد حقّق مكاسب تكتيكية طالت القوى العربية، الرسمية وغير الرسمية من المحور، فإنّ إيران بهذه القدرة على استيعاب العدوان والانتقال السريع لهجوم واسع، تكون قد استعادت القوة والحضور في قلب المحور نفسه كما تمثّله طهران.

- ثبات بل وتطوّر الموقف الإيراني من الملف النووي والحديث بنبرة قوية حول أيّ طاولة مفاوضات يعاد إحياؤها.

- تكريس إيران في مقدّمة القوى الإقليمية، وقاب قوسين أو أدنى من الانضمام إلى نادي الكبار في العالم، متسلّحة بردع أكبر للذراع الضاربة للإمبريالية وحامية قوى التبعيّة في المنطقة، إضافة إلى بنيتها اللوجستية ومركزها في قائمة الغاز العالمية.

- تمتين الوحدة الوطنية الداخلية في بلد يتمتع بسمات إمبراطورية عابرة للقوميات، فكما أنّ ثقافة التكيّف والتبرير والاستسلام تمزّق البلدان المهزومة، فإنّ الشجاعة والصرامة والقوة وثقافة الكرامة والمجد توحّد وترسّخ وتحوّل التنوّع إلى قوة.