جورج عبد الله حرّاً طليقاً بعد 41 عاماً في الزّنازين الفرنسيّة

البطل جورج إبراهيم عبد الله اللبناني المسيحي الماروني الشّهم، قدّم درساً مجانيّاً ، بليغاً في المعنى والدّلالات العظيمة، في معاني الكرامة، والعزّة والشّرف تجاه أنبل قضيّة إنسانيّة في تاريخنا المعاصر.

  • جورج عبد الله حرّاً.
    جورج عبد الله حرّاً.

للمناضلين والمجاهدين الأبطال من حول العالم، تسجّل لهم سرديّات تكاد تكون خالدة خلود الدّهر. ويستمر ترديد أسمائهم، وذكرياتهم، ومآثرهم، وبطولاتهم في كل الحقب والعصور والأزمان، ولا تنسى الشعوب هؤلاء الأفراد أو الأشخاص، وتبقى رمزيّتهم وذكرياتهم محفورة بحروف من نور في ذاكرة الزّمان والأجيال، مهما تعاقبت الأجيال والأزمنة وحتى الحضارات المتعاقبة.

وهناك رمزيّة ثابتة لعنوان تلك الشّخصيات والأفراد والجماعات التي تتحوّل إلى أساطير وحكايات وسرديّات خالدة ، لأنّها ربطت جل أعمالها وتجربتها، وذكرياتها بقيم ودروس وعبر عالية القيمة والمحتوى، تعتبرها الأمم والشعوب قيمة ، ومضامين هي عالية وطبيعة حياتها ونشاطها وقيمة سلوكها وتصرفاتها التي تتباهى بها بين أقرانها من الأمم والشعوب، ذات المنهج الحضاري المتقدم في هذ ه الحياة.

فقيمة الحريّة لا تضاهيها قيمة ومعنى سامٍ في هذه الحياة ، ومعاني مجابهة ومقاومة الظلم والاحتلال والاستعباد والقهر والاستعمار جميعها مفردات تتشابه، إن لم نقل تتطابق مع تعميم الظل والاستغلال، لذلك فالأحرار في الغالب هم من

يتقدّم الصفوف، ويقود المسيرات ويحمل مشعل التنوير للجماهير، ولجموع الأحرار في منطقته وشعبه وقوميّته ودينه، وحتى طائفته الدينيّة والمذهبيّة، يقودهم؛ لمحاربة ذلك المحتل لبلده وشعبه في أي بقعة من هذا العالم الفسيح.

ولهذا قاومت الشعوب الحرّة في جميع أنحاء العالم مراحل وقوى الاحتلال والاستعباد في كل من الشّعب الفيتنامي ضد المحتل الأميركي ، وكوريا ضد الاحتلال الأميركي ، وفرنسا في زمن النّازيّة ضد النّازيين الألمان، والشّعب الجزائري في مقاومة الاحتلال الفرنسي، والشعب الأفغاني في مقاومة الإمبراطوريتين الروسيّة والأميركية، والشّعب اليمني ضد الاحتلال البريطاني، والشّعب العراقي ضد الاحتلال الأميركي ، والمقاومة الفلسطينيّة الممتدّة لأزيد من 100 عام ضد الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني، والمقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة ضد الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني.

وبالمناسبة، للعلم فحسب، فإن الأحرار في جميع أرجاء العالم ينحدرون من جميع الأديان والطوائف، والمذاهب والأعراق والألوان، والملل.

وفي هذ ه الأيام العظيمة، ونحن ما زلنا نعيش آخر فصول معركة طوفان الأقصى المبارك، التي تقودها المقاومة العربيّة الإسلاميّة في المحيط العربي ، وتحديداً في أرض فلسطين الطاهرة، هذه المقاومة التي يقودها اليوم اليمن العظيم، ومعه فصائل المقاومة الفلسطينيّة الإسلاميّة، والوطنيّة، وكذلك المقاومة اللبنانيّة الإسلاميّة، والعراقيّة، ومعه جمهوريّة إيران الإسلاميّة حكومة، وشعباً، وقيادة روحيّة، هذه المقاومة التي تكالبت عليها الصهيونية العالميّة بقيادة أميركا USA المتوحشة، والكيان الإسرائيلي الصهيوني العدواني، والتي تقود عدواناً على قطاع غزّة منذ 8/ أكتوبر/ 2023 م، وحتى لحظة كتابة مقالتنا هذه، ومع حليفها وشريكها حلف شمال الأطلسي الصهيوني والحكّام العر ب والمسلمين الصّهاينة... هذا التّحالف غير المقدّس شن عدوانه الوحشي على قطاع غزّة والضّفة الفلسطينيّة الغربيّة، وعلى لبنان، واليمن، وعلى جمهوريّة إيران الإسلاميّة.

في خضم العدوان، والمؤامرة الأميركيّة الإسرائيليّة الصهيونيّة ضد شعوبنا العربيّة والإسلاميّة يحل يوم الفرج على المجاهد الفدائي الأسير في سجون فرنسا المتصهينة المناضل/ جورج إبراهيم عبدالله، ذلك المناضل الصلب اللبناني المسيحي الماروني الذي أمضى واحداً وأربعين عاماً في سجون ومعتقلات جمهوريّة فرنسا الصهيونيّة ، ذلك الشّاب المسيحي الماروني المنتسب

إلى عضوية الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين، والذي قاتل ببسالة مع الثوار المقاومين الفدائيين الفلسطينيين.

ذلك الشّاب اللبناني المسيحي الماروني الوسيم الذي أدخل عنوة في زنازين الطغاة الفرنسيين والأميركيين الصّهاينة في العام 1984 م، والذين ادّعوا أن المناضل الفدائي جورج عبد الله ساعد وأسهم في اغتيال الملحق العسكري الأميركي/ تشارلز راي، والدبلوماسي الإسرائيلي الصهيوني/ ياكو ف باريسمانتوف، وجرى إيداعه خلف القضبان لـ 41 عاماً بالوفاء والتّمام، وكان البطل العربي المقاوم الذي أمضى كل هذه الفترة الزّمنيّة خلف قضبان فرنسا المتواطئة مع الكيان الصهيوني الإسرائيلي.

ما  هي الدروس والعبر من هذا الصمود الأسطوري للمناضل المقاوم الذي ثبت على موقفه أمام المحقق الفرنسي، وأمضى كل تلك العقود الأربعة بثبات الرجال وشموخ الجبال، وبمعنويّة فولاذيّة مقاومة:

أوّلاً:

كانت وما تزال القضيّة الفلسطينيّة - بجميع أبعادها العربيّة والإسلاميّة والإنسانيّة، والدينيّة والأخلاقيّة - هي العنوان الأبرز في القرن العشرين، ومطلع القرن الحادي والعشرين، لما مثلته من ظلم تاريخي ، وإنساني للإنسان الفلسطيني الذي هجر، وأبعد وشرد، وطرد إلى جميع أصقاع العالم، وكانت بمنزلة المظلوميّة العالميّة التي تلهم جميع الأحرار من عرب وعجم، ومن جميع أنواع البشر في هذا العالم، ومثّلت فلسطين وحدها بوصلة نضال وجهاد، ومقاومة الأحرار في العالم، وليس هناك قضيّة تشبهها،

 ولن تكون إلا فلسطين العظيمة، هي البوصلة الصحيّة، والوحيدة لجميع الأحرار من جميع القوميّات، والملل.

ثانياً:

جرت زراعة هذا الجسم  الصهيوني الغريب، والطّارئ في أرض ليست بأرضه، وفي محيط اجتماعي ليس بمحيطه، وفي بيئة ثقافيّة ليست بثقافته، وفي بيئة دينيّة ليست من دينه، زُرع من قبل الغرب الأوروبي الأميركي الصهيوني في هذه الجغرافيا المقدّسة لجميع العرب والمسلمين، والمسيحيين، هذه حقيقة لا يدركها سوى الأحرا ر العرب من جميع الديانات.

ثالثاً:

لقد قدّم الأحرار العرب والمسلمون المقاومون للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة قوافل من الشهدا ء تجاه القضيّة الفلسطينيّة ، وللأسف لم يقدم الحكّام العرب من المحيط إلى الخليج أي تضحية تُذكر تجاه القضيّة الفلسطينيّة سوى نفر بعدد

أصابع اليد الواحدة فحسب، وفي مقدمتهم الزّعيم/ جمال عبد النّاصر، والزّعيم العروبي / هواري بومدين الذي ما ت شهيداً مسموماً ؛ بسب بموقفه، والرّئيس / ياسر عرفات "أبو عمّار" الذي مات مسموماً من قبل الموساد الصهيوني، والزّعيم العروبي/ حافظ الأسد الذي مات، والعدو الإسرائيلي الصهيوني يتمنّى منه أن يوقع على وثيقة التّطبيع والتّنازل عن فلسطين العظيمة، كبقيّة الخونة من القادة العرب الذين طبّعوا، وباعوا القضيّة الفلسطينيّة برمّتها، والرّئيس السور ي/ بشّار الأسد الذي لم يساوم على القضيّة الفلسطينيّة ورفض إملاءات الأميركيين بالتوجه لتوقيع وثيقة التّطبيع مع الكيان الصهيوني، وفضّ المقاومة إلى آخر يوم من حكمه وسلطته، والذي تكالبت عليه القوى الصهيونية الأميركيّة والتركيّة والعربيّة، والرئيس اليمني/ علي ناصر محمّد الذي رفض التّطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

هؤلاء القادة العرب هم رمز المقاومة الحرّة التي أبت أن تتعامل مع الكيان، وأبت التّطبيع على عكس الحكام العرب الصّهاينة الآخرين الذين سيُلعنون على مدار التاريخ .

رابعاً:

قدّمت المقاومة الإسلاميّة في عالمنا الإسلامي قوافل من الشهداء على درب تحرير فلسطين، وهم الآن قد تحوّلوا إلى رموز، ومصابيح مضيئة لكل الأحرار في العالم، أمثال قائد الثورة الإيرانيّة الفقيد/ آية الله الخميني، رحمة الله عليه الذي ما إن نجحت الثورة الإيرانيّة في العام 1979 م حتّى قطع العلاقات الدبلوماسيّة والسياسية والتجاريّة والثقافيّة مع الكيان الإسرائيلي الصهيوني ، وحوّل مباشرة سفارة الكيان إلى سفارة لمنظمة التّحرير الفلسطينيّة، وكذلك واصل من بعده القائد الإسلامي الإيراني الكبير/

علي خامنئي، قائد الثورة الإيرانيّة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وكذلك الشّهيد/ الحاج/ قاسم سليماني، والشّهيد/ أبو

مهدي المهندس، والشّهيد/ القائد/ حسن نصرالله، والشّهيد/ هاشم صفي الدين ، والشّهيد أحمد ياسين، والشّهيد/ عبد العزيز

الرّنتيسي، والشّهيد/ الفقيد/ جورج حبش، والشّهيد/ أبو علي مصطفى، والشّهيد/ إسماعيل هنيّة،

والشّهيد/ صالح العاروري، والشّهيد/ يحيى السنوار، والشّهيد/ صلاح خلف، والشّهيد/ علي حسن سلامة، والشّهيد/ يحيى عيّاش، والشّهيد/ سعيد صيام، والشّهيد/ محمود المبحوح، والشّهيد/ نزار ريّان، والشهيد/ يوسف السوركجي، والشّهيد/ غسان كنفاني، والشّهيد / كمال عدوان، والشّهيد/ كمال ناصر، والشّهيد/ زهير محسن، والشّهيد/ خالد نزال، والشّهيد/ ماجد أبو شرار، والشّهيد/خليل الوزير "أبو جهاد"، والشّهيد/ عبّاس الموسوي، والشّهيد/ وديع حدّاد، والشّهيد/ فتحي الشّقاقي، والشّهيد/ مبارك الحسنات،

والشّهيد/ عماد مغنية، والشّهيد/ سمير القنطار، وهناك كوكبة طويلة من الشهداء المسلمين، والعرب يصعب حصرهم في مقالة واحدة للتدليل على عظمة القضيّة الفلسطينيّة الّتي جاهدت، واستشهد من أجلها هؤلاء القناديل المضيئة المشعّة في سماء حريّة فلسطين كل فلسطين.

خامساً:

حينما تكو ن المظلوميّة واضحة وبيّنة، ولا لبس فيها، كقضيّة فلسطين، تكون عبارة عن نبراس مشع للأحرار فحسب، أمّا خونة القضيّة الفلسطينيّة، فهؤلاء الذين يبيعون الحق بالباطل، وينصرون الظالم على المظلوم، 

وبين الانحطاط الأخلاقي والفكري والإنساني ، من هنا صمد المجاهد البطل/ جورج إبراهيم عبدالله لأكثر من أربعين عاماً، وهو ثابت ثبوت الجبال على الحق الفلسطيني العادل.

سادساً:

القضيّة الفلسطينيّة العادلة وقف معها الأحرار في العالم من فنزويلا، وكوبا، والبرازيل غرباً، وجنوب أفريقيا، والعديد من البلدان الأفريقيّة جنوباً، وجميع الأحرار المواطنين في قارّة أوروبا، وأميركا، وعدد من البلدان الآسيويّة، جميعهم خرجوا، ويخرجون بمئات الآلاف، وصولاً إلى الملايين، يخرجون، ويتظاهرون، ويحتجون ضد حكوماتهم، وأجهزة البوليس تقمعهم، ومع ذلك لا يتوقّفون عن الدّعم والإسناد، وصولاً إلى جمع التبرعا ت؛ لسد رمق العيش التي أوصلها الكيان الصهيوني إلى أهلنا في قطاع غزّة المحاصرة من الماء والدّواء، والرّغيف، وحليب الأطفال، والرأي العام العالمي يراقب تظاهرات واحتجاجات طلاب

وطالبات الجامعات العالميّة، جميعهم يخرج تضامناً ودعماً للقضيّة الفلسطينيّة، ويدينون حرب التجويع والتعطيش، والإبادة الجماعيّة للإنسان الفلسطيني في قطاع غزّة.

الخلاصة:

المجاهد البطل المقاوم/ جورج إبراهيم عبد الله اللبناني المسيحي الماروني الشّهم، قدّم درساً مجانيّاً ، بليغاً في المعنى والدّلالات العظيمة، في معاني الكرامة، والعزّة والشّرف تجاه أنبل قضيّة إنسانيّة في تاريخنا المعاصر، هي القضيّة الفلسطينيّة العادلة، قدّم هذا الدرس المجاني للحكّام العرب المسلمين، وهم الجبناء المتخاذلون الخونة تجاه القضيّة الفلسطينيّة.