"الغارديان": انخفاض معدلات التطعيم يهدد أطفال السودان
يواجه أطفال السودان خطراً متزايداً من الأمراض المعدية المميتة مع انخفاض معدلات التطعيم إلى النصف.
-
"الغارديان": انخفاض معدلات التطعيم يهدّد أطفال السودان
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يسلّط الضوء على تدهور معدلات التطعيم الروتيني للأطفال في السودان، البلد الذي تعصف به حرب أهلية منذ عامين، إذ تراجعت تغطية اللقاحات من أكثر من 90% عام 2022 إلى 48% حالياً.
ويبيّن التقرير أنّ الحرب أنهكت المنظومة الصحية، وزاد عدد "الأطفال صفري الجرعات"، وخطر تفشّي الأمراض المميتة، خصوصاً في ظل تعطّل جهود الإغاثة.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ البلاد، التي تعاني من ويلات الحرب، لديها أدنى معدلات تطعيم في العالم، في ظل تعثّر حملة التطعيم العالمية.
الأطفال في السودان، العالقون فيما وصفته منظمات الإغاثة بأكبر أزمة إنسانية في العالم، والمهدّدون بارتفاع مستويات العنف، معرّضون بشكل متزايد للأمراض المعدية المميتة مع انخفاض حادّ في معدلات التطعيم في البلاد.
في عام 2022، تلقّى أكثر من 90% من الأطفال الصغار في السودان لقاحاتهم الروتينية. لكنّ هذا الرقم انخفض إلى النصف تقريباً ليصل إلى 48%، وهو أدنى معدل في العالم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
أفادت منظمة الصحة العالمية يوم الثلاثاء أنّ أكثر من 14 مليون رضيع عالمياً لا يزالون غير ملقحين، وأنّ العالم ليس على المسار الصحيح لتحقيق أهداف خفض عدد هؤلاء الأطفال الذين لم يتلقوا أي جرعة من اللقاح إلى النصف بحلول عام 2030 مقارنةً بمستويات عام 2019.
في حين أنّ المعلومات المضللة والتردّد في تلقّي اللقاحات قد أدى إلى انخفاض معدلات التطعيم في بعض البلدان، إلّا أنّ الدكتورة تيدبابي ديجيفي هايليجبريل، رئيسة قسم الصحة في "اليونيسف" بالسودان، قالت: "لم تكن هذه هي المشكلة هنا. هذا الانخفاض الحاد في التغطية ناجم بالكامل عن الحرب".
اندلعت الحرب الأهلية في البلاد قبل عامين، وأودت بحياة عشرات الآلاف وشرّدت الملايين، فيما وصفته لجنة الإنقاذ الدولية بأنه "أكبر أزمة إنسانية مسجّلة على الإطلاق".
كان هناك 838 ألف طفل في السودان العام الماضي لم يتلقّوا جرعة واحدة من اللقاح، وهو ثالث أعلى رقم في العالم، بعد نيجيريا (2.1 مليون) والهند (909 آلاف).
تُعتبر نسبة الأطفال الذين تلقّوا لقاح "DTP-1 - الجرعة الأولى" من لقاح الخناق والكزاز والسعال الديكي، مؤشراً رئيسياً على إمكانية الحصول على الرعاية الصحية الأساسية. وقالت هايليجبريل إنّ عدم تلقّيهم اللقاح يعني أنّ "الطفل، وعلى الأرجح والداه أيضاً، لن يكون لديهم أي اتصال يُذكر بالنظام الصحي".
وأضافت أنّ الحرب قد ألحقت ضرراً بالغاً بالخدمات الصحية في السودان، حيث شرّدت الناس ودمّرت المرافق الصحية وخطوط الإمداد وأنظمة المعلومات "التي تُمكّن الخدمات الصحية من العمل".
وأضافت: "لم يتقاضَ العاملون الصحيون؛ الأطباء والممرضون والقابلات ومتطوّعو المجتمع، رواتبهم منذ شهور. والبنية التحتية الأساسية فقط كالمياه النظيفة المتاحة للمرافق الصحية، وتوفّر الكهرباء للمرافق الصحيةـ مُدمّرة بالكامل".
تؤثّر تفشيات الأمراض في السودان عادةً على الأشخاص الذين "فقدوا ملاذهم الآمن، ومنازلهم، وحمايتهم، مهما كانت متواضعة"، ويجدون أنفسهم في مخيمات أو مساكن مؤقتة. وأضافت: "عندما يقترن ذلك بطفل ضعيف أصلاً وغير مُطعّم، يتفاقم هذا الضعف".
وأشارت هايليجبريل إلى أنّ الأمراض التي يُمكن الوقاية منها بالتطعيم، بما في ذلك الحصبة، لا تقتل فحسب، بل قد تُسبّب مضاعفات طويلة الأمد للناجين منها، مضيفةً أن هؤلاء "أطفال يُحرمون من مستقبلهم".
قالت منظمة الصحة العالمية إنّ الحروب والصراعات حول العالم تُشكّل تهديداً كبيراً لتقدّم التطعيم، حيث إنّ الأطفال الذين يعيشون في إحدى الدول الـ 26 "المتأثّرة بالهشاشة أو الصراعات أو حالات الطوارئ الإنسانية" أكثر عرضة بثلاث مرات لعدم تلقّيهم التطعيم مقارنةً بنظرائهم في الدول المستقرة.
ومع ذلك، أشارت الدكتورة كيت أوبراين، مديرة إدارة التطعيم واللقاحات والبيولوجيا في منظمة الصحة العالمية، إلى وجود "مؤشرات ناشئة على تباطؤ" أو توقّف التقدّم في أجزاء كثيرة من العالم.
وأضافت: "حتى أصغر انخفاض في تغطية التطعيم، كما هو مُقاس على مستوى الدولة، يُمكن أن تكون له عواقب وخيمة. فهو يفتح الباب أمام تفشّي الأمراض الفتّاكة ويزيد الضغط على النظم الصحية المُرهقة أصلاً".
ومع أنّ الحصول على التطعيم لا يزال يُمثّل القضية الرئيسية في جميع أنحاء العالم، "فإننا نشعر بقلق بالغ إزاء المعلومات المُضلَّلة والمُضلِّلة نظراً لخطر تفاقم الوضع".
قالت أوبراين إنها تتوقّع أن تؤثّر تخفيضات تمويل المساعدات على تغطية التطعيم في السنوات المقبلة، في ظل معاناة الدول من جمع التمويل المحلي.
وأضافت هايليجبريل أنّ الجهود الإنسانية نجحت في رفع معدلات التطعيم في النصف الأول من هذا العام في السودان، إلّا أنّ نداء اليونيسف للبلاد ظلّ من دون تمويل.
أرسلت المؤسسة الخيرية حاويات لإعادة بناء "سلسلة التبريد" في البلاد، وهي ضرورية لحفظ اللقاحات والأدوية الأساسية الأخرى في درجة الحرارة المناسبة لضمان فعّاليتها خلال رحلتها من المصنع إلى المريض. ولكن عندما يندلع الصراع، يجب أن تتوقّف هذه الجهود.
وقالت: "في المناطق التي شهدت قتالاً محتدماً ونزاعاً محتدماً، لن نتمكّن بالطبع من إيصال المساعدات". "ولكن عندما يتغيّر الوضع، عندها نتحرّك".
وأضافت: "الدمار لا يوصف. البنية التحتية بأكملها تتضرّر، والأدوية تُنهب. لذا، كلما ذهبت إلى تلك المناطق الجديدة، فإنك تعيد بناءها مرة أخرى لضمان عدم انهيار النظام الصحي المتهالك أصلاً".
وقالت: "لم يحظَ وضع السودان بالاهتمام العالمي الذي يستحقه". "نأمل أن يتغيّر هذا، وأن تتوقّف هذه الأعمال العدائية حتى يحصل الأطفال على البيئة الهادئة التي يحتاجونها للعيش والازدهار".
قال عبد الله إدريس أبو قردة، رئيس رابطة شتات دارفور في المملكة المتحدة، إنّ الوضع في إقليم دارفور يزداد صعوبة، ولا سيما في مدينة الفاشر المحاصرة.
وأضاف أبو قردة أنّ هذا يعني أنّ معظم العائلات التي تحدّث إليها في السودان لديها مخاوف أكثر إلحاحاً من التطعيم. وأضاف: "ليس التطعيم أولوية بالنسبة لهم - فهم يريدون توصيل الطعام، وأدوية الملاريا، وأدوية الحمى للأطفال".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.