"الغارديان": ما الروابط العميقة بين "تويتر" والسعودية؟
استثمار السعودية الكبير في منصة "تويتر" زاد نفوذها في وادي السيليكون، بينما استخدم في الداخل لمراقبة المحتوى.
-
"الغارديان": ما الروابط العميقة بين "تويتر" والسعودية؟
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً مطولاً يتناول العلاقة بين منصة "تويتر" (ثم "إكس") والحكومة السعودية، ودور إيلون ماسك في استمرار هذا النفوذ بعد استحواذه على الشركة، من خلال تتبع مسار هذه العلاقة من بدايتها إلى تداعياتها السياسية والأمنية.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
لم يكن علي الأحمد يعتقد أن إيلون ماسك هو المسؤول عن تراجع منصة "تويتر"وسقوطها، إذ كان من وجهة نظره أحد الوجوه الممثلة للنظام القديم، بخطاياه التي بدأت قبل وقتٍ طويل من دخوله المفاجئ إلى مقر "تويتر" في تشرين الأول/أكتوبر 2022، حاملاً حوضاً من الخزف في محاولة فكاهية. فقد نشر ماسك حينها مقطع فيديو لنفسه وهو يصل إلى مكاتب "تويتر" حاملاً حوض مغسلة مع تعليقٍ قال فيه: "دخول مقر تويتر، دعه يغرق".
علي الأحمد صحفي ومحلل سعودي يعيش في واشنطن العاصمة، وهو أحد مؤسسي "معهد شؤون الخليج" المعروف سابقاً باسم "المعهد السعودي"، وهو مركز أبحاث يركّز على الشأن السعودي وناشط في تغطية قضايا حقوق الإنسان. وكان من الخبراء الشغوفين المتمسكين بالمبادئ، الذين يحرصون دائماً على التواصل، ما يجعل الصحفيين سعداء بإضافته إلى سجلاتهم الرقمية.
ويرى الأحمد، الذي سُجن العديد من أفراد عائلته على مر السنين على يد العائلة المالكة السعودية، أنّ الجهود لأجل حقوق الإنسان مهمة جليلة. يقول: "تويتر لا يختلف عن بوينغ أو عن تلك الشركات العسكرية المهتمة بكسب المال. وتويتر وفيسبوك ليسا مناصرين لحقوق الإنسان أو قدوة لها، هؤلاء الناس ليسوا سوى جشعين".
ويُذكر أنّ "تويتر" أغلق حساب الأحمد باللغة العربية، الذي كان يضم نحو 36 ألف متابع، لكنه سمح له بالاحتفاظ بحسابه باللغة الإنكليزية. وكنتُ قد تحدثتُ مع الأحمد لأول مرة عام 2021 أثناء تغطيتي لاستخدام الحكومة السعودية لمنصة "تويتر" لكشف واعتقال الأشخاص الذين ينشرون انتقادات للنظام.
بالنسبة إلى السلطات السعودية، كان "تويتر" رصيداً ثميناً بكل معنى الكلمة. فقد كان رجل الأعمال السعودي الملياردير الأمير الوليد بن طلال أكبر مساهم خارجي في "تويتر"، ما جعل المنصة أداة رئيسية في جهاز المراقبة والسيطرة الحكومي.
وكان الأحمد يعتقد أنّ حسابه على "تويتر" قد تعرض للاختراق، وكان يخشى أن يتمكن الجواسيس من الوصول إليه، ما قد يعرّض المعارضين السعوديين الذين كان يتبادل معهم الرسائل الخاصة للخطر. لم يكن هذا قلقاً عابراً؛ فقد كان أحد معارفه، عبد الرحمن السدحان، عامل الإغاثة الذي اختطفته قوات الأمن السعودية عام 2018 لإدارته حساباً يسخر من أعضاء الحكومة على "تويتر"، قد حُكم عليه، وكان في السابعة والثلاثين من عمره آنذاك، بالسجن لمدة 20 عاماً.
تقول أريج السدحان، شقيقة عبد الرحمن، والتي كانت تعيش في الولايات المتحدة عندما تحدثنا عام 2021: "تمارس المملكة العربية السعودية قمعاً أكثر من أي وقتٍ مضى". وفي السنوات الثلاث الأولى بعد اعتقال شقيقها، لم تتلقَّ عائلتها منه سوى مكالمتين هاتفيتين قصيرتين. فوليّ العهد محمد بن سلمان لا يتسامح مطلقاً مع المعارضة أو السخرية. ولم تسمع أريج عن شقيقها منذ سنوات، وفي دعوى قضائية عام 2023 قالت إنّها غير متأكدة ممّا إذا كان شقيقها على قيد الحياة.
وقد استخدم الأمير محمد احتياطيات بلاده اللامحدودة من النفط ورأس المال لإغراق وادي السيليكون، والقطاعات السياسية، والدوريات الرياضية، ومراكز القوة الأخرى، بالأموال والنفوذ. ولقد كانت شركة رأس المال الاستثماري "أندريسن هورويتز" و"صندوق المؤسسين" التابع لبيتر ثيل من أبرز المتلقين للأموال السعودية، لكنهما لم يكونا سوى جهتين من بين مئات.
وفي عام 2016، تلقت "أوبر" مبلغاً كبيراً قدره 3.5 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وحصل صندوق البنية التحتية التابع لشركة "بلاكستون" على 20 مليار دولار. وبحلول خريف 2018، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنّ السعودية أصبحت "أكبر مصدر تمويل منفرد للشركات الناشئة الأميركية"، بينما مثّلت العلاقة بين السعودية ووادي السيليكون تلاقياً للمصالح المشتركة.
والسعودية، سعت إلى تنويع استثماراتها، وتعميق نفوذها لدى أقوى حلفائها، وتوسيع نطاق قوتها الناعمة، ومواجهة صورتها كدولة قمعية مسؤولة عن حرب مدمرة في اليمن. وقد وفّر وادي السيليكون كل ذلك، إلى جانب إمكانية الوصول إلى أحدث التقنيات، ونخبة من رجال الأعمال البارزين.
يقول نادر هاشمي، أستاذ سياسات الشرق الأوسط والإسلام في جامعة جورج تاون: "إنّها دول مراقبة بوليسية، وتسعى لاستخدام أحدث التقنيات للبقاء في السلطة ومراقبة شعوبهم. ولذلك، لديهم مصلحة أخرى في محاولة الاستفادة من التطورات التكنولوجية المتقدمة، على أمل أن يساعدهم ذلك داخلياً في حكمهم السياسي".
فلقد كانت للحكومة السعودية أصول ضخمة مسجلة بأسماء كبار أفراد العائلة المالكة، ومن خلال شركته "المملكة القابضة" كان للأمير الوليد مصالح في شركات مثل "ليفت" و"سناب شات"، وإلى حين ظهور إيلون ماسك كان أكبر مساهم خارجي في "تويتر". ومع تحوّل المملكة العربية السعودية إلى المصدر الأبرز لرأس مال وادي السيليكون، برز الوليد كأبرز قطب في البلاد، حيث تولّى دور المساهم الرئيسي في شركة روبرت مردوخ "نيوز كورب". وبحلول عام 2015، امتلك الأمير ما يُقدَّر بنحو 5.2% من "تويتر".
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2017، أُلقي القبض على الوليد واحتُجز في فندق "ريتز كارلتون" بالرياض، كجزء من حملة تطهير شاملة "لمكافحة الفساد" أجبرت العديد من السعوديين الأثرياء وأفراد العائلة المالكة على التنازل عن أصولهم للأمير محمد بن سلمان. وربّما شمل ذلك أسهم الوليد في "تويتر". ومنذ أواخر عام 2017، بدأ الأمير محمد السيطرة على أسهم "تويتر" أكثر ممّا يملكه مؤسس "تويتر"، ووفقاً لشكوى مدنية رفعها عمر عبد العزيز، وهو مخرج سينمائي سعودي منفي، ضد "تويتر" وشركة "ماكينزي" الاستشارية، بسبب مساهمتهما في إبرازه كمعارض سعودي على الإنترنت، ما أدى إلى اختراق حسابه على المنصة.
وفي عام 2020، حذّرت السلطات الكندية عبد العزيز من أنّه كان هدفاً لفريق قتل سعودي. ووفقاً لشكوى عبد العزيز الأصلية، "نظراً للثروة الهائلة التي تمتلكها الشخصيات الرئيسية في السعودية، فقد مكّنت الشركات الكبرى وتعاونت معها وغضّت الطرف عن جهودها لقمع وتعذيب وسجن وإرهاب وقتل المعارضين ظلماً داخل السعودية وحول العالم"، ولقد منح "تويتر" الحكومة السعودية نفوذاً يتجاوز حدودها بكثير.
يقول علي الأحمد: في البداية، انطلق "تويتر كوسيلة مهمة للمساواة"، خاصة في ظل غياب الإعلام المستقل في السعودية، وحظر معظم أشكال التعبير السياسي، بدت المنصة وغيرها من تطبيقات التواصل الاجتماعي كمكانٍ للناس للتحدث بصراحة أكبر، خاصة عندما يكون من الممكن استخدام أسماء مستعارة، "لكن ذلك لم يدم طويلاً".
وبحلول إدارة أوباما الثانية، أصبح "تويتر" السعودي منصة يستخدمها حكام المملكة للترويج ومراقبة الأفكار المعارضة، وتحديد هوية ضحايا فريق الأمير محمد الخاص. وقد كان الكثير من السعوديين يدركون خطورة النشر على "تويتر" بأسمائهم الحقيقية، لكن الحكومة السعودية استطاعت كشف هوية الحسابات المستعارة وتتبع أصحابها، الذين اعتُقلوا بعد ذلك.
ولطالما تساءل المعارضون السعوديون عن كيفية كشف قوات الأمن الحكومية لهويات أصدقائهم وأفراد عائلاتهم، وما إذا كانت هناك أي إجراءات مضادة يمكنهم اتخاذها، وافترضوا أنّ حكومة بلادهم لديها إمكانية الوصول إلى أفضل شركات الأمن الغربية وبرامج التجسس المتطورة، ولم يدركوا آنذاك أنّ الأمير محمد وحاشيته لديهم ما هو أفضل، وهي شبكة تجسس داخل "تويتر" نفسه.
في حزيران/يونيو 2014، قام مسؤول سعودي يُدعى بدر العساكر بجولة في مقر "تويتر" في سان فرانسيسكو. ولقد كان العساكر الأمين العام لمؤسسة "مسك الخيرية" الخاصة بولي العهد ورئيس مكتبه الخاص. ومن بين الأشخاص الذين رتّبوا الجولة موظف في "تويتر" يُدعى أحمد أبو عمو. ووفقاً للمدّعين العامين الأميركيين، كان العساكر يجهّز أبو عمو، الذي عمل على شراكات إعلامية في الشرق الأوسط، للتجسس لصالحه. وفي الأشهر التالية، تلقّى أبو عمو أكثر من 100 ألف دولار نقداً وهدايا مقابل جمعه معلومات، بما في ذلك عناوين البريد الإلكتروني وأرقام الهواتف والرسائل الخاصة التي تتعلق بالمعارضين السعوديين والصحفيين وحسابات أخرى مهمة.
بعد ذلك، حصل أبو عمو على وظيفة جديدة في "أمازون" في العام التالي، لكن النظام السعودي وجد بديلاً مناسباً في علي الزبارة، مهندس "تويتر" الذي أتاحت له وظيفته ومهاراته التقنية الوصول إلى بيانات مستخدمين أكثر من أبو عمو. وسرعان ما أصبح الزبارة جاسوساً أكثر فعالية للعساكر والنظام السعودي، حيث كان يتتبع المعارضين عبر الحدود ويوفر عناوينهم على الشبكة التي تكشف مواقع الأشخاص المكانية.
في كانون الأول/ديسمبر 2015، زار عميل من مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" مقر "تويتر" في سان فرانسيسكو لإبلاغهم بوجود مشكلة تجسس سعودية. طلب المكتب من المنصة الامتناع عن اتخاذ إجراء فوري، ولكن بناءً على تقارير تفيد بشكوكه في نوايا أجهزة الأمن الحكومية، المعروفة بضغطها على شركات التكنولوجيا للحصول على معلومات المستخدمين الخاصة، قرر "تويتر" تعليق حساب الزبارة.
ووفقاً للائحة اتهام فيدرالية ضد الزبارة، فإن المهندس الذي تحوّل إلى جاسوس سعودي ساعد، بالتعاون مع القنصل العام السعودي في لوس أنجلوس، في تهريب الزبارة إلى السعودية. وبعد أن وجد الزبارة ملجأ هناك، عُيّن رئيساً تنفيذياً لمؤسسة "مسك". وبعد قرابة عقد من الزمان، ما يزال حساب الزبارة على منصة "إكس" مغلقاً وعلى قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
وقد أُلقي القبض على أبو عمو في عام 2019، ووجّهت إليه لائحة اتهام، وتمت إدانته من هيئة محلفين بست تهم جنائية تتعلق بالتجسس. وفي كانون الأول/ديسمبر 2022، حُكم عليه بالسجن الفيدرالي لمدة ثلاث سنوات ونصف. ولم يسبق لشركة "تويتر" – أو "إكس" حالياً بعد استحواذ ماسك عليها – أن أعلنت جهراً عن شبكة التجسس السعودية، ولم تناقش أيضاً كيف تخطط لإبعاد العملاء الأجانب عن قائمة موظفيها.
وإذا كانت لدى الطبقة الحاكمة السعودية شكوك بشأن استحواذ ماسك على "تويتر"، فقد تلاشت هذه الشكوك الآن. فبعد انتقاده ماسك الجريء في البداية، دعم الأمير الوليد، الذي تحرّر الآن من قيود الخمس نجوم، مساعيه للاستحواذ، معلناً أنه سيحوّل أسهمه البالغة قيمتها 1.89 مليار دولار، والتي يُفترض أن الأمير محمد يسيطر عليها، إلى المشروع الجديد، بينما واصل العساكر استخدام الموقع للترويج لأفكاره بين متابعيه الذين يزيد عددهم على 2.3 مليون.
وعلى الرغم من أنّ ماسك اقتحم المقر الرئيسي لشركة "تويتر" حاملاً وعداً بتحرير المستخدمين من قيود خبراء التكنولوجيا في وادي السيليكون، إلا أنّ تجربة المستخدم أصبحت أسوأ. وبينما بدا ماسك صريحاً في تعاملاته مع الحكومات الأجنبية، بدت المبادئ العالمية التي يدّعي اعتناقها ثانوية في الواقع، مقارنةً بشؤونه التجارية وأهوائه الشخصية، ولم يتطرّق هذا المدافع عن حرية التعبير إلى إساءة استخدام السعودية لمنصته، ربّما ببساطة كان غافلاً.
الشركة التي كانت تسمي نفسها سابقاً "جناح حرية التعبير في حزب حرية التعبير" تسعى الآن إلى تحقيق النجاح من خلال جمع البيانات الشخصية وإعلانات المراقبة. لم تحمِ مستخدميها من اختراقات البيانات، وعقدت صفقات شيطانية مع الحكومات الأجنبية. وكما قال علي الأحمد، كانت شركة أميركية نموذجية، إلا أنّ هذه الشركة قد زعمت أنّها تحمل هدفاً أسمى، وبدخولها أسواقاً أجنبية في ظل حكومات استبدادية، حيث كان منتجها يدعو السكان المحليين إلى انتهاك القانون، فقد أوقعت مستخدميها في مشاكل.
بالنسبة إلى أحمد، كانت إدانة الجاسوس السعودي أبو عمو من دون أي محاسبة بمنزلة توسعة لدور المملكة السعودية في "تويتر" ووادي السيليكون. ولأنّه ربّما الضحية الوحيدة المعروفة لشبكة التجسس التي تعيش في الولايات المتحدة، عرض أحمد الإدلاء بشهادته في محاكمة أبو عمو. وبعد محادثة فيديو مع ممثلي وزارة العدل، لم يتلقَّ أي رد حسب ما يقول: "لقد كان من الواضح جداً أنّهم يحاولون فقط إغلاق هذه القضية. تخيّل لو كان هذا الرجل يفعل ذلك لصالح الإيرانيين، يا إلهي، لكان سيُحكم عليه بالسجن 20 عاماً".
وأكد أنّ إدارة بايدن اعترفت، في دعوى قضائية تتعلق بمقتل جمال خاشقجي، بحصانة الأمير محمد السيادية. كما تدخلت الحكومة الأميركية في دعوى قضائية رفعها ضد ولي العهد السعودي سعد الجبري، رئيس المخابرات السعودية السابق الذي انشق وفرّ إلى الولايات المتحدة. "أعتقد حقاً أنّ ما حدث كان خيانة للعدالة، وجزءاً من النفوذ الأجنبي والفساد المستشري الآن في النظام القضائي".
علاقة "تويتر" بالحكومة السعودية كشفت كيف كانت الشركة تعمل بالفعل. ولم يكن هذا التطبيق مجرد مكان للخطاب الإعلامي اللاذع، أو لملياردير مهووس بالاهتمام بتربية مقلديه ومعجبيه، بل ساحة معركة معلوماتية ومحطة حيوية في النظام الإعلامي الأوسع، وشكلت المنصة نسيجاً يربط بين وادي السيليكون والديكتاتوريات الخليجية.
كذلك كشفت السياسة الداخلية للشركة عن كونها مليئة بالنوع نفسه من الشعبوية الزائفة والانتهازية السياسية التي اعتنقها ماسك وترامب وراديكالي حركة "ماغا". كما أنّ استعداد "تويتر" لتجاهل سلوك مروع من قبل مستثمر رئيسي لم يكن فريدا، وهذا هو أمر افتراضي تحذوه معظم الشركات الكبرى، مثل عمالقة النفط الغربي الذين يدفعون رشى للعمل في بلد أجنبي.
مع ذلك، لطالما كانت صناعة التكنولوجيا تصور نفسها كحاملة للتقدم، حيث كانت الابتكارات التكنولوجية مرادفة للازدهار البشري، لكنّ فضيحة "تويتر" في السعودية أظهرت أنّ هذا لم يكن صحيحاً على الإطلاق.
من المحتمل أن يكون هناك جواسيس آخرون يعملون في "تويتر"، تماماً كما كان هناك عملاء أجانب يعملون في جميع أنحاء وادي السيليكون. التجسس الاقتصادي قصة قديمة، لكن استخدام نموذج أعمال شركات التكنولوجيا القائم على المراقبة لقمع المعارضة في داخل الدول وممارسة القمع العابر للحدود كان ظاهرة جديدة قاتمة.
فلقد كان من الشائع أن تواجه شركات التكنولوجيا العاملة في الأسواق الأجنبية بعدد قليل من الموظفين المحليين ضغوطاً سياسية. وفي كثير من الحالات، كانت النتيجة أن شركات التكنولوجيا المثالية سابقاً كانت تقدم تنازلات بشأن الرقابة إذا كان ذلك يعني الوصول إلى عشرات الملايين من المستخدمين في تركيا أو مصر أو باكستان أو الهند أو الصين.
اختصاصي الأمن السيبراني المعروف بلقب ميدج، الذي قدم استشارات لتويتر، شهد أمام الكونغرس بأنّ الهند والصين كان لديهما وكلاء يعملون داخل تويتر ولديهم وصول واسع إلى بيانات المستخدمين. وبعد شهر من شهادته، أكمل إيلون ماسك استحواذه المتسرع على "تويتر" بسعر بلغ 44 مليار دولار، ما فرض عليه تحمل الكثير من الديون وطلب الدعم من الأصدقاء والحلفاء من هاواي إلى سان فرانسيسكو إلى الرياض.
ومن خلال شراء "تويتر"، ورث ماسك فضيحة التجسس السعودية والدعاوى القضائية التي لم تحل بعد المرتبطة بها، وورث مساهماً رئيسياً تجسس على أصوله الخاصة. ومع ذلك، كان لا يزال هناك الكثير مما لم نكن نعرفه عن "تويتر" والسعودية وماسك.
لقد أردت أن أعرف المزيد عمن ساعد ماسك في تحويل "تويتر" إلى شركة خاصة باسم "إكس"، ومن هم شركاء هذا الملياردير القوي والمتقلب، والذي يحتمل أن يكون مديناً له. بالطبع ماسك لا يريد الحديث عن هذا الأمر، بينما ألغت شركة "إكس" قسم العلاقات العامة.
في مخيلة الجمهور ماسك بمنزلة شركة "إكس" هو مالكها، وأشهر مستخدميها، ومن يضع سياساتها، ويتدخل شخصياً عندما يواجه أحد الحسابات المفضلة لديه مشاكل. ولم يكن مديناً بشيء للإعلام، بل كان يستمتع بلحظات احتضارها. فعندما استحوذ ماسك على "تويتر"، طرد آلاف الموظفين، وتجاهل بالمطلق مبادئ قانون العمل، وأثار العديد من الدعاوى القضائية.
وبحلول عام 2024، كانت هذه الدعاوى التي رفعها موظفون سابقون زعموا أنّهم لم يحصلوا على مكافأة نهاية الخدمة، أو أجبروا على الاستقالة، أو شجعوا على مخالفة القانون تنفيذاً لمراسيم ماسك تشق طريقها عبر المحاكم. وفي بعض الدعاوى، طلب المدعون من شركة ""إكس" تقديم قائمة بأسماء مساهميها، فمن هم شركاء ماسك، ومن قد يتأثر مادياً بدعوى قضائية ضد "إكس"، هل يمتلك القاضي أسهماً في شركة "تيسلا" أو شركة أخرى تابعة لماسك.
كل هذا كان مصدر قلق مشروع. وفي عام 2023، أصدرت منظمة "ميديا ماترز"، وهي منظمة ليبرالية معنية بمراقبة وسائل الإعلام، تقريراً اتهمت فيه تطبيق "إكس" بالسماح بنشر منشورات معادية للسامية بجانب الإعلانات، فرفع ماسك دعوى قضائية ضدها بتهمة التلاعب بالبيانات ومحاولة "تدمير" المنصة. وكانت الدعوى قد رفعت في محكمة بمقاطعة شمال تكساس، حيث تبين أنّ أحد القضاة مساهم في شركة "تيسلا"، وهو قاضي المقاطعة الأميركي ريد أوكونور الذي يمتلك ما يصل إلى 50 ألف دولار من أسهم شركة السيارات، حين تولى قضية ماسك ضد "ميديا ماترز"، حيث أصدر أوكونور سلسلة من الأحكام لصالح ماسك، وأدت الرسوم القانونية المتراكمة في القضية إلى تسريح "ميديا ماترز" لموظفيها.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر في العام الماضي، أضافت "إكس" بنداً إلى شروط خدمتها ينص على أنّ جميع النزاعات القانونية ستسوى في المقاطعة الشمالية لتكساس التي يرأسها القاضي أوكونور، الذي نفى أن تكون أسهمه في "تيسلا ذات صلة بالقضية"، لكنّه تنحى عن قضية "إكس" ضد الاتحاد العالمي للمعلنين.
هذا النوع من طلبات وثائق المساهمين شائع، وقد يطلب المدعى عليه من الشركة تقديم المعلومات سرية، ما يجعلها غير متاحة للعامة، وربما حتى للمدعين. وفي إحدى القضايا التي تابعتها، هي قضية "أنوك" ضد "تويتر"، وهي إحدى الدعاوى المدنية العديدة الناتجة عن استحواذ ماسك الفوضوي على الشركة وطرده الجماعي للموظفين، حيث اضطرت "إكس" أن تقدم قائمة بأسماء المساهمين سرية.
ورغبة مني في تقديم طلب لكشف القائمة، تواصلت مع لجنة المراسلين من أجل حرية الصحافة، وهي منظمة تعنى بالتعديل الأول للدستور الأميركي، وتقدم خدمات مجانية للصحفيين.
ووجدنا معاً بعض الحالات التي قد يكون من الممكن فيها الكشف عن قائمة مساهمي "إكس". وقد تباينت تفاصيل هذه الحالات، وبدا بعضها واعداً أكثر من غيره. لكن ادعاء المصلحة العامة كان واضحاً. فقد قدم محامو لجنة المراسلين حججاً حافلة بالسوابق القضائية حول "إكس" كساحة عامة، وملكية وسائل الإعلام، والنفوذ الأجنبي، ومخاوف الأمن القومي. واتصلوا بالعديد من المحامين رفيعي المستوى الذين وظفهم "إكس" للدفاع عن هذه القضايا لإبلاغهم رسمياً بأنّنا سنقدم طلبات للكشف عن قائمة مساهمي "إكس". وبحلول تموز/ يوليو العام الفائت، اكتملت الملفات اللازمة، وقدمنا رسمياً طلباً في المنطقة الشمالية من كاليفورنيا نطلب فيه من قاض فيدرالي الكشف عن قائمة مساهمي "إكس" في قضية "أنوك" ضد "تويتر"، وبعد ذلك انتظرت.
لقد بلغت تكلفة استحواذ إيلون ماسك على "تويتر" نحو 46.5 مليار دولار. وقد جمعت الأموال من أصول ماسك البالغة 20 مليار دولار، وقروض بقيمة 13 مليار دولار من مصارف كبرى، وقروض بقيمة 6 مليارات دولار منحت لماسك شخصياً، وأكثر من 7 مليارات دولار من التزامات المستثمرين الذين سيصبحون مساهمين في المشروع الخاص الجديد.
وفي بيان مالي قدم إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في أيار/ مايو 2022، أدرج ماسك عدداً من المستثمرين المشاركين في "تويتر" وحصصهم في الأسهم، ممّا مكّننا من معرفة من يساعده على شراء الشركة. ولقد كان الأمير السعودي الوليد بن طلال، أكبر مساهم خارجي في "تويتر" قد انتقد علناً في البداية عرض ماسك، ثم لأسباب غير واضحة أعلن دعمه له، وأنّه سيحول أسهمه بكل سرور إلى الكيان الجديد، بينما ساعدت تقارير أخرى في توضيح بعض مصادر التمويل.
لكن ظلت هناك ثغرات. فبعد أن أصبحت شركة "تويتر" شركة خاصة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وشرع ماسك في تقليص أقسام الشركة التي تزعجه لم تكن هناك قائمة رسمية بمساهميها، أو الأسماء القانونية للصناديق الائتمانية والصناديق وشركات المسؤولية المحدودة وغيرها من الكيانات المؤسسية التي تملك أسهمها. ووصف ماسك نفسه بأنّه "مطلق حرية التعبير"، لكن تعاملاته التجارية كانت غالباً ما تفلت من خلال ستار السرية المؤسسية المعتاد، والتهديدات القانونية، واتفاقيات عدم الإفصاح، والمحادثات المشفرة، وأسطول المحامين ذوي النفوذ الذين يحمون أصحاب المليارات.
ولطالما ندّد ماسك بـالحرب القانونية والاستخدام العدواني للدعاوى القضائية لمعاقبة الأعداء، مع أنه مارسها على نطاق واسع. وقد منع الكثير من الصحفيين من استخدام موقع "إكس" عندما أغضبوه، وأمر بإعادة حسابات النازيين، والمتعصبين البيض، ومؤثر مقرب من حركة "كيو أنون" يدعى دوم لوكري، والذي نشر ذات مرة لقطة شاشة من فيديو لطفل يتعرض لاعتداء جنسي، ثم زعم أنّه كان يلفت الانتباه إلى قضية إساءة معاملة الأطفال.
في 20 آب/ أغسطس 2024، حكمت القاضية سوزان إيلستون من المنطقة الشمالية من كاليفورنيا لصالح حركتنا في قضية "أنوك" ضد "تويتر". وبعد ساعات من صدور الحكم، ظهر الملف الذي يتضمن قائمة مساهمي شركة "إكس" على جدول المحكمة الإلكتروني، وكان متاحاً لأي شخص مسجل الدخول إلى نظام المحكمة العامة. وما زلت غير متأكد مما حدث بالضبط، ولكن يبدو أن الأمر يتعلق بموظف يستطيع تغيير الأذونات على ملف محدود الوصول، لذا من المحتمل أن يكون أحد ما في المحكمة قد نشر القائمة قبل أوانها. وهذا الخطأ، إن وجد، سرعان ما لاحظه مراسلو صحيفة "واشنطن بوست"، الذين كتبوا مقالاً عن محتويات القائمة.
وبعد فترة، انتشرت القائمة في مئات وسائل الإعلام، وأصبحت مادة للنقاش، بدل المعلومات المضللة، وكما كنت آمل منحت الباحثين والمنظمين، والصحفيين الذين يبحثون في شركة التكنولوجيا القوية عن شيء سيئ. وقد حددت القائمة أسماء نحو 95 كياناً تمتلك كل واحدة منها جزءاً من "إكس"، ولكن ليس بحجم حصصهم، لكنّها رسمت صورة على من يعتمد عليهم ماسك للحصول على الأموال والشبكات التي يتحرك فيها، وهي نافذة على تشكيل سياسي واقتصادي يزداد تأثيره على عالمنا.
كل شيء بدأ، بالطبع، مع إيلون ماسك. فلقد كان هو المالك الرئيسي لـشركة "إكس" من خلال صندوق ائتماني كان يتحكم فيه. تلاه جاك دورسي، الرئيس التنفيذي السابق لمنصة "تويتر" وأحد المساهمين الرئيسيين الذي ساعد في تسليم الشركة إلى ماسك. ثم كان هناك مجموعة من الشخصيات الأخرى في مجال التكنولوجيا والمال، من ضمنهم العديد من المستثمرين المغامرين، وأصدقاء ماسك الذين كانوا مستثمرين دائمين في مشاريعه المختلفة.
وبعض هذه الشركات كانت لها علاقات وثيقة مع الحكومات الاستبدادية، مثل السعودية وقطر، اللتين كانتا مستثمرتين مباشرتين في منصة "إكس". كذلك تلقت شركة "أندريسن هورويتز" مئات الملايين من الدولارات من السعودية للاستثمار نيابة عنها في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الأميركية، كما كانت تجري محادثات مع الرياض بشأن إنشاء صندوق استثمار بقيمة 40 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي.
ولقد كانت شركات رأس المال الاستثماري بمنزلة مغاسل لطبقة من اللصوص والأمراء وغيرهم من النخب العالمية، الذين استطاعوا ضخ ثرواتهم في إحدى أشهر الصناعات الأميركية. وغالباً ما كان أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية في وادي السيليكون والمستثمرون الأجانب يتشاركون تجاهلاً عاماً للحكم الديمقراطي. وهم يرون في ولي العهد السعودي، نظيراً يظهر الأسلوب الاستبدادي نفسه الذي طبقوه في حياتهم العملية، ولكن على نطاق أوسع، وبسلطة لا تضاهى.
ولطالما نشر أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية بيانات ثرثارة حول تطلعاتهم التكنولوجية، بينما عرض الأمير محمد بن سلمان خطته الخاصة للتنمية الاقتصادية، التي وافق عليها مستشاروه، والمعروفة باسم "رؤية 2030"، وبهذا المعنى كان لدى الجانبين الكثير من القواسم المشتركة.
قال بن هورويتز من شركة "أندريسن هورويتز" في مؤتمر تقني عام 2023 يضم ممثلين عن الحكومة السعودية: "لدى السعودية مؤسس، وفي أسطورة التكنولوجيا، يتمتع "المؤسس بمكانة نخبوية، ولا نسميه مؤسساً، بل صاحب السمو الملكي". مع ذلك، لم يكن الملك السعودي المريض وولي العهد الطموح "مؤسسين" لدولة دشّنت في شكلها الحالي في عام 1932. لكنّ الخطاب لم يكن مجرد تملق. ولاقى صدى في الأوساط التكنولوجية حيث كان عدد متزايد من الناس يعتقدون أنّ الولايات المتحدة ستكون أفضل حالاً تحت قيادة شخصية تنفيذية استبدادية، وليس رئيساً منتخباً، وحين أُعيد انتخاب ترامب، كان لدى ماسك القدرة على أن يصبح ذلك النوع من الشخصيات.
حين استحوذ ماسك على تويتر، كانت هناك تكهنات بأنّ لَجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، قد تحقق في الصفقة. "أدعو لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة إلى إجراء مراجعة فورية للتغييرات الأخيرة في ملكية وتوجيه "تويتر"، كتب السيناتور كريس مورفي إلى وزيرة الخزانة جانيت يلين، وأضاف "من الضروري لأمننا القومي أن يتمكن المسؤولون العموميون والمواطنون على حد سواء من الاستمرار في الاعتماد على هذه المنصة لتكون منصة محايدة، خالية من التأثير الأجنبي
كذلك أشار مورفي بشكل خاص إلى المخاوف بشأن استخدام الحكومة السعودية لاستثمارها "لإسكات منتقدي الحكومة وناشطي حقوق الإنسان، أو لتعزيز حملات التضليل التي ترعاها الدولة"، ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، لم يجر التحقيق قط، كما لم يستجب موقع "إكس" لطلب التعليق.
وكان قد صرح متحدث باسم تويتر عام 2021، بأنّ الشركة تصرفت بسرعة عام 2015، عندما علمت بوجود جهات خبيثة تصل إلى بيانات مستخدمي المنصة. كما أكدت الشركة التزامها "بحماية الحوار العام" من إساءة استخدام الجهات الحكومية.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.