"طهران تايمز": مقبرة "بهشت الزهراء".. كيف صاغت الحرب وعي جيل الشباب الإيراني؟

لقد واجهت هذه الحرب، بكل مآسيها، جيل الشباب الإيراني، بحقائق عميقة غيّرت نظرتهم إلى الوطن، والمقاومة، وبالطبع الشهادة.

0:00
  • مقبرة
    مقبرة "بهشت الزهراء" في طهران

صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية تنشر مقالاً يتناول زيارة إلى مقبرة "بهشت الزهراء" في طهران، أكبر مقابر إيران، حيث يوثق الكاتب مشاهداته وانطباعاته عن المكان، ويستعرض أهميته التاريخية منذ تأسيسه عام 1963، مروراً بخطاب الإمام الخميني عام 1979، وصولاً إلى دورها في دفن شهداء الحرب الإسرائيلية- الأميركية الأخيرة على إيران.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

أنا في مقبرة "بهشت الزهراء"، أكبر مقبرة في طهران ومثوى أجيال. أُنشئت عام 1963 ميلادي (1342 بالتقويم الفارسي)، وأصبحت منذ ذلك الحين معلماً بارزاً في تاريخ العاصمة.

في هذا المكان، عام 1979، ألقى مؤسس الثورة الإسلامية الإمام الخميني خطابه الأول بعد عودته إلى الوطن، في تجمع تاريخي تميز بترحيب شعبي حاشد غير مسبوق.

لم تحظَ المقبرة باهتمام كبير لسنوات بعد إنشائها، لكن مع توسع طهران أصبحت موقع الدفن الرئيسي. لا تزال هناك مقابر وأضرحة محلية أصغر حجماً في مناطق مختلفة من العاصمة، حيث تؤثر العوامل الاجتماعية والاقتصادية على خيارات الدفن. ومع ذلك، تبقى "بهشت الزهراء" أكبر مقبرة في إيران، وتضم قبور أشخاص من مختلف شرائح المجتمع.

صباح السابع من آب/أغسطس، هبت نسمة باردة. استقللتُ سيارة أجرة، وكان سائقها موظفاً في منظمة "بهشت الزهراء"، يعمل كسائق لسيارات نقل الجنازات. سألته عن أيام الحرب وكيف نُقل الشهداء والضحايا إلى هنا. قال إنه بعد أيام قليلة من الهجمات والاستشهاد، بدأت عمليات الدفن، وتحدث عن "مثوى الشهداء". مع ذلك، لم تُستخدم سيارته لنقلهم، لكن مصطلح "مثوى الشهداء" ظل يلفت انتباهي.

في المكاتب الإدارية لـ"بهشت الزهراء"، أخبرني أحد المديرين أنّ نحو 250 شهيداً من طهران مدفونون في القسم 42. العدد الحقيقي أعلى من ذلك، لكن تم نقل بعضهم إلى مدنهم الأصلية لدفنهم هناك.

القسم 42 منطقة مربعة الشكل، تقع بجوار قسم شهداء حرب السنوات الثماني مع النظام البعثي في العراق. ويوضح المدير أنه لتسهيل وتسريع عملية دفن الشهداء جُمِع ممثلون عن جميع الجهات المعنية في وحدة واحدة تُسمى "قيادة الحرب". عمل هذا المقر جنباً إلى جنب مع لجنة الدفن، ووزارة الدفاع، ومؤسسة الشهداء، وهيئة السجل المدني، وأنشأ مشرحة خاصة، كل ذلك لتكريم الشهداء وتوديعهم.

ويضيف أنّ ظروف طهران في تلك الأيام، وصدمة الضربات الصاروخية، لم تمنع من إقامة مراسم وداع مهيبة. وقد بذلت الهيئة وهيئة الشهداء قصارى جهدهما لضمان وداع كريم قدر الإمكان.

الساعة تقترب من الثامنة صباحاً. يتوافد عدد كبير من الزوار لتقديم واجب العزاء للشهداء. على لافتة كتب: "هذا هو القسم 42، وهو العام نفسه الذي وصف فيه الإمام الخميني الأطفال في مهودهم بأنهم جنود المستقبل في النضال". وكأن هذا "المهد" لا يزال يربي الأطفال ليصبحوا جنوداً في الدفاع والمقاومة.

القبور بيضاء، وأعلام خضراء وحمراء ترفرف في الريح، إلى جانب اللون الأبيض الذي يذكّر بعلم الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

بعد قراءة الفاتحة على القبور وتلقّي الشكر الحار من أمهات الشهداء وذويهم، بدأت بالحديث معهم ومع الزوار الآخرين.

تقول لي والدة الشهيد القائد جواد بور رجبي، وهو من قدامى المحاربين المعوّقين في فرقة الجوفضائية التابعة لحرس الثورة الإسلامي: "عندما ودّعت ابني، قلت لله شيئاً واحداً فقط: يا الله، تقبل هذه الهدية منا". وتروي شقيقة جواد كيف اختفت جثته، وكيف حلمت بلوحة تشير إلى مكان العثور عليه، ثم وُجدت رفاته في ذلك المكان نفسه.

يعكس القسم 42 تنوع الشعب الإيراني. مزيج من المهن والخلفيات وحتى المعتقدات الدينية. بين شواهد القبور أطباء، وممرضون، ومهندسون، وموظفون حكوميون، وسائقون، وطلاب، جميعهم ضحايا حرب مفروضة وظالمة شنّها معتدٍ ادّعى أنه "ليس في حرب مع الشعب".

من ريان ذي الشهرين، الذي يرقد بين أحضان أمه في نوم عميق، إلى الشهيدين الأب والابن رضا وأمير علي أميني، المدفونين معاً في مثواهما الأخير، يروي كل قبر قصة. يمتلئ القسم تدريجياً بمزيد من الزوار، وتنضم العائلات والمواطنون باستمرار، يقدمون التعازي، ويصلون، ويتبادلون أطراف الحديث، ويواسون بعضهم بعضاً. لكلٍّ طريقته في إظهار اللطف: يقدم المرطبات، أو الأشربة والتمر، أو يتحدث عن الشهداء، أو يعانق عائلاتهم بدموع وأصوات مرتعشة. هنا، كلمة "شهيد" وسام شرف.

بين الزوار، أرى شابات يرتدين أزياءً متنوعة، حتى أن بعضهن بملابس غير دينية. في المدينة، قد لا تتخيل أنهن سيأتين لزيارة قبور الشهداء. لكنهن يمشين باحترام، ويجلسن عند القبور، ويتهامسن في هدوء. لقد واجهت هذه الحرب، بكل مآسيها، جيل الشباب الإيراني بحقائق عميقة غيّرت نظرتهم إلى الوطن، والمقاومة، وبالطبع الشهادة.

يخبرني والد الشهيد حسين تقي كاكو: "كتب ابني في وصيته مراراً ألا أسمح أبداً بنقش أي شيء سوى كلمة "شهيد" و"جندي القائد" على شاهد قبره. لقد أحب القائد حباً عميقاً، وقال إنه لا يوجد لقب أعظم من لقب "شهيد" بالنسبة لي".

يصدح صوت المراثي عبر مكبرات الصوت، مفعماً بالعاطفة والأسى. ألتقي بعائلات شهداء حرب نظام صدام، الذين يدركون أكثر من غيرهم معاناة شهداء العدوان الإسرائيلي الأخير، ومعنى الصمود والصبر والمقاومة.

في أقصى القسم 42، نُصب كشك ضيافة. سألتُ شاباً يُقدّم العصير عن الجهة المسؤولة عنه، فأجاب: "مسؤول؟ لا أحد". وأضاف: "نحن هنا منذ الأيام الأولى للدفن. كان من المفترض أن نبقى حتى اليوم الأربعين، لكن توافد الناس لزيارة الشهداء جعلنا نبقى، وها قد مرّ أكثر من خمسين يوماً وما زلنا هنا".

قبل مغادرتي، زرتُ قبور عدد من الشهداء، وأخبرتُ أمهاتهم أنني، وإن جئتُ للعمل، فقد أتيتُ أيضاً لأُعرب عن امتناني. هؤلاء الأمهات، الواقفات بشموخ، صامدات وفخورات، رددن بلطف وابتسامة، وإن شابها الحزن.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.