"Responsible Statecraft": ترامب يعود إلى نهج فاشل في أفريقيا
زيادة المساعدات العسكرية الأميركية للمجالس العسكرية في منطقة الساحل لن توقف العنف المتطرف، بل قد تزيده سوءاً.
-
"Responsible Statecraft": ترامب يعود إلى نهج فاشل في أفريقيا
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول سياسة إدارة ترامب تجاه منطقة الساحل الأفريقي، وخصوصاً ما يتعلق بتكثيف التعاون الاستخباري والعسكري مع الأنظمة العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
أفادت تقارير بأنّ إدارة ترامب كثّفت تبادل المعلومات الاستخبارية والدعم العسكري مع الأنظمة العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، في إطار تعاقدي يهدف إلى تعزيز وصول الولايات المتحدة إلى المعادن الحيوية، ومواجهة النفوذين الروسي والصيني في أفريقيا. وقد يلقى هذا النهج صدىً في باماكو وواغادوغو ونيامي، وكذلك لدى التيار المتشدد داخل جهاز الأمن القومي في واشنطن. ومع ذلك، من غير المرجح أن يُحدث هذا الدعم فرقاً ملموساً في مواجهة التمرد المسلح في منطقة الساحل المضطربة.
تشهد دول الساحل الأوسط نشاطاً جهادياً منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث منح تمرد شمال مالي عام 2012 الجماعات الجهادية دوراً أكبر في المنطقة. ورغم أن العمليات الفرنسية المكثفة بين عامي 2013 و2022 أضعفت نفوذ هذه الجماعات في البداية، إلا أنه ابتداءً من عام 2015 امتد التمرد من شمال مالي إلى وسطها، ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر، قبل أن يصل لاحقاً إلى بنين وتوغو وساحل العاج، رغم نجاح محدود حققته الأخيرة في كبح تقدّم الجهاديين على أراضيها.
مع تفاقم انعدام الأمن في المنطقة، بدا القادة المدنيون في منطقة الساحل في حيرة من أمرهم، بينما ردّت الجيوش الوطنية بعمليات قاسية وغير متسقة أجّجت التعبئة الجهادية بدلاً من تقويضها. وقد أدّى تفاقم انعدام الأمن وخيبة أمل المواطنين الواسعة بقادتهم المدنيين إلى سلسلة من الانقلابات من عام 2020 إلى عام 2023.
أكدت الأنظمة العسكرية التي تولّت السلطة رسالة "السيادة الوطنية والتمكين"، والتي شملت طرد القوات الفرنسية، وتحدي شروط استخراج الموارد من قبل الشركات متعددة الجنسيات، وتصعيد الحملات العسكرية ضد الجهاديين. وقد أثارت رسالة "السيادة" حماسة العديد من المواطنين في منطقة الساحل وخارجها، مانحةً الأنظمة العسكرية شعبية واسعة. إلا أنّ تطبيقها في مكافحة التمرد كان كارثياً: إذ تصاعد العنف وفقدت مالي وبوركينا فاسو، على وجه الخصوص، السيطرة تدريجياً على أراضيهما. وقد أبرزت سلسلة من الهجمات المنسقة في غرب مالي في 1 تموز/يوليو اتساع وتكثيف العنف الجهادي في معظم أنحاء البلاد.
يُلقي بعض المعلقين باللوم على ما يُسمّى "الفراغ الأمني" في تفاقم حالة عدم الاستقرار تحت أنظار المجالس العسكرية. ومع ذلك، فإن رحيل القوات الفرنسية، وتعليق أشكال مختلفة من التعاون مع واشنطن، مثل قرار المجلس العسكري في النيجر طرد القوات الأميركية، ليس سوى عامل واحد من بين عدة عوامل تُفسّر تصاعد العنف. فلم تنجح العمليات الفرنسية ولا المساعدات الأميركية في وقف تمدد التمردات الجهادية منذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بل إن الآثار المتعاقبة والمشوّهة للمساعدات الأمنية الغربية أسهمت في تهيئة الظروف التي قادت إلى الانقلابات، وإلى النبرة المعادية للغرب لدى المجالس العسكرية.
في الوقت نفسه، وبينما شجبت باريس وواشنطن (في عهد بايدن) تقبّل المجالس العسكرية في منطقة الساحل، ولا سيما النظام المالي، للمساعدات الروسية، فإن عمليات الانتشار الروسية لمكافحة الإرهاب لم تسفر سوى عن نهاية وحشية لمنطق "الحرب على الإرهاب"، إذ أرهبت الدوريات الروسية والمالية المدنيين باسم "استعادة الأمن". وجميع الجهات الخارجية المحتملة المزوّدة للأمن في الساحل قدّمت الوعد نفسه تقريباً: امتلاك "الوصفة الأنجع" لقتل الجهاديين. لكنها جميعاً فشلت. وحتى إدارة ترامب يمكنها أن تحاكي روسيا من خلال الوعد بالدعم الأمني من دون الخطاب الوعظي حول حقوق الإنسان والتنمية و"الحكم الرشيد" الذي استخدمته إدارة بايدن، وتبنّاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. غير أن "التخلي عن الحزم"، كما أثبتت التجربة الروسية، لم يؤدِّ إلا إلى تفاقم معاناة المدنيين، وإلى فشل مشابه لما أفرزته النسختان الفرنسية والأميركية من "الحرب على الإرهاب" في الساحل.
ويشير سجل الفشل المتكرر للقوى الخارجية في المنطقة إلى أن عروض إدارة ترامب بتقديم المساعدة الاستخبارية والأمنية لا تحمل الكثير من القيمة أيضاً.
قد يُسهم تبادل المعلومات الاستخبارية في تحديد مواقع كبار القادة الجهاديين، لكن التجربة أظهرت محدوديته: فقد قتل الفرنسيون عشرات القادة من دون أن ينجحوا في تفكيك التمرد، بينما روّج المجلس العسكري المالي مراراً لعمليات قتل وأسر قادة جهاديين من دون نتائج حاسمة. فالمشكلة أعمق من ذلك؛ إذ لا يمكن للاستخبارات أن تُعالج جذور تمرد قائم على قاعدة جماهيرية من المقاتلين الشباب، القادمين من المجتمعات الحضرية والريفية على حد سواء، والقادرين على شلّ طرق النقل الرئيسية، وضرب المواقع العسكرية، وفرض حصار اقتصادي على مدن كبرى، ونصب الكمائن للجيوش الوطنية و"المدرّبين" الأجانب في مواقع نائية (مثل تينزاوتين في مالي عام 2024، أو تونغو-تونغو في النيجر عام 2017).
ليست أزمة الأمن في الساحل مسألة عتاد أو تدريب أو تمويل فحسب؛ بل إن التمردات لها جذور اجتماعية عميقة، وجيوش المنطقة تعاني أزمات داخلية، فيما دول الساحل الهشة عاجزة عن استعادة حوكمة فعّالة، سواء أكان المسؤولون مدنيين أم عسكريين.
وقد تفشل أيضاً الصفقة التي تفكر فيها إدارة ترامب. فبينما يبدو تأمين المعادن أمراً مباشراً، إلا أنه يتعارض مع التوجهات السيادية السائدة في المنطقة، حيث تسعى الأنظمة ومعها قطاعات واسعة من المواطنين إلى فرض سيطرة أكبر على الاستخراج والأرباح، لا إلى تقليصها. كما تُظهر تجربة شركات مثل "باريك" الكندية في مالي أنّ المجالس العسكرية خصوم شرسون، مستعدون لاحتجاز الموظفين، أو استقطاب كبارهم، أو فرض ضرائب إضافية.
وفي حين قد يأمل مسؤولو ترامب فتح فرص جديدة للشركات الأميركية، فإن أي اندفاع نحو هذه البيئة المتقلبة قد يبدو متهوراً، خاصة مع تشابك سياسات استخراج الموارد مع التنافسات داخل المجالس العسكرية، حيث لا يخدم أي وعد يقطعه وزير أو مسؤول حكومي سوى إرضاء الحاكم العسكري في نهاية المطاف.
اللافت أنّ التفكير الأميركي بشأن الأمن في أفريقيا لم يتغير كثيراً. فإذا كانت إدارة ترامب أقل اكتراثاً بحقوق الإنسان مقارنة بإدارتي بايدن وأوباما، فإن الديناميكيات الأساسية لا تزال على حالها، خصوصاً الفرضية القائلة بأن المساعدات الاستخبارية والأمنية أدوات قادرة على إحداث تحولات على الأرض أو تحقيق أهداف سياسية أخرى، من النفوذ الجيوسياسي إلى تأمين المعادن الحيوية.
حتى مع أسلوب ترامب الشخصي والمرتجل في صنع السياسات، فإن تجدد التواصل مع منطقة الساحل يُرجّح أن يُعدّ خبراً جيداً لبيروقراطيات مثل القيادة الأميركية في أفريقيا، التي كانت مهددة بالتهميش أو التقليص في عهده السابق. لكن من دون مراجعة إخفاقات الماضي، فإن استئناف التعاون الأمني قد يعني ببساطة العودة إلى الأنماط القديمة نفسها، التي تلبّي مصالح الحكومات لا حاجات الناس العاديين.
نقله إلى العربية: الميادين نت.