"Responsible Statecraft": بريطانيا في ذروة الضعف أمام "إسرائيل"
وراء البيان المشترك الضعيف مع فرنسا وكندا، هناك نمط طويل من التهرّب السياسي، والتحوّط القانوني، والتهرّب الأخلاقي.
-
رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتحدّث عن ما أسماه نفاق وتراخي السياسة البريطانية (ومعها الكندية والفرنسية) تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة، مركّزاً على بيان مشترك صدر في الـ19 من الشهر الجاري من زعماء الدول الثلاث، وعلى الأداء البرلماني والحكومي البريطاني في التعامل مع الأزمة الإنسانية والانتهاكات القانونية المنسوبة لـ "إسرائيل".
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في الـ19 من الشهر الجاري أصدر رئيسا حكومتي بريطانيا وكندا مع الرئيس الفرنسي، بياناً مشتركاً ضدّ تصرّفات "إسرائيل" في غزّة. وبعيداً عن الإيماءات الكبرى، كانت صيغة البيان ضعيفة، كما لن يكون له أيّ تأثير، وهو أمر لا يبتعد عن سياسة الحكومة البريطانية المتساهلة مع أفعال "إسرائيل" منذ العام 2023، ويكشف عن ضعف المساءلة البرلمانية البريطانية للسلطة التنفيذية.
وكان البيان المذكور قد عارض "توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية"، لكنّه أيّد حقّها بما يسمّى "الدفاع عن النفس". وأشار إلى أنّ حرمان "إسرائيل" للفلسطينيين من المساعدات الإنسانية الأساسية، "يخاطر بانتهاك القانون الإنساني الدولي"، مع أنّ التجويع المتعمّد للمدنيين كتكتيك عسكري هو جريمة حرب تستوجب الملاحقة القضائية. كما أنّ سياسة التجويع الإسرائيلية أساس مذكّرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحقّ بنيامين نتنياهو في 21 تشرين الثاني/نوفمبر في العام الماضي.
كذلك هدّد البيان البريطاني الكندي الفرنسي المشترك، باتّخاذ مزيد من الإجراءات الملموسة، ولكن، أفضل ما فعلته حكومة المملكة المتحدة الحالية في هذا الإطار، هو عكس اعتراض حكومة المحافظين السابقة على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في مقاضاة الإسرائيليين. كما، لم تفرض بريطانيا حتّى الآن عقوبات على أيّ عضو، ولو واحد على حكومة نتنياهو بسبب أفعالها في غزّة، واكتفت بفرض قيود ضئيلة على مبيعات الأسلحة لـ"إسرائيل".
وتواجه الحكومة البريطانية الآن طعناً أمام المحكمة العليا بشأن استمرارها في بيع قطع غيار طائرات "أف 35" إلى "الجيش" الإسرائيلي. وبعد سؤال برلماني في كانون الأول/ديسمبر الماضي عن هذه المسألة، ردّت الحكومة بأنّه "من غير الممكن حالياً للمملكة المتحدة تعليق ترخيص مكوّنات أف 35 لاستخدامها من قبل إسرائيل من دون المساس بالبرنامج العالمي للطائرة بأكمله، من ضمنها دورها الاستراتيجي الأوسع في حلف الناتو والدعم الغربي لأوكرانيا". بتعبير آخر تقول بريطانيا إذا توقّفت عن إرسال قطع الغيار لـ"إسرائيل"، فإنّ حلفاء أميركا الـ 19 الذين يشترون طائرات "أف 35" قد لا يرغبون في شرائها بعد الآن.
في داخل المملكة المتحدة عزّز البيان الموقف القاصر الذي اتّخذته كلّ من حكومتي "المحافظين" و"حزب العمال"، تجاه الفظائع الإسرائيلية في غزّة. ولسوء الحظّ، يتمتّع مجلس العموم البريطاني بسجلّ سيّئ في محاسبة الحكومة. وإذا بحث أحدهم في موقع البرلمان البريطاني، فسيجد أنّه منذ تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، قدّم البرلمانيون 2,243 سؤالاً مكتوباً لوزير الخارجية البريطاني حول كلّ جوانب الحملة الإسرائيلية على غزّة، حيث جاءت الإجابات غامضة ومراوغة من دون استثناء.
الأسئلة البرلمانية الجدّية الأولى طرحت بعد 10 أيّام فقط من هجوم 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، عندما تساءل النائبان مارشا دي كوردوفا وريتشارد بورغون إن كانت الحكومة قد سعت لتلقّي مشورة قانونية بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزّة، حيث جاءت الإجابة لكليهما بالردّ النمطي الغامض الذي كان سطحيّاً وبلا معنى. ويذكر، أنّه من المعتاد أن يتلقّى وزير الخارجية وفريقه المشورة القانونية في جميع المسائل المتعلّقة بالسياسة الخارجية، من ضمنها طبعاً الوضع المتطوّر في "إسرائيل" وغزّة.
إنّ ردّ الحكومة النموذجي على أسئلة أعضاء مجلس العموم البريطاني، هو صيغة من عدد لا يحصى من الردود المكتوبة والشفوية من وزراء الحكومة على الأسئلة البرلمانية، التي تجهد في كلّ حين لتقديم أقلّ قدر ممكن من المعلومات المفيدة، خاصّة بما يتعلّق بالشأن الإنساني. ومن ذاك الوقت التزم كلّ ردّ حكومي على سؤال برلماني حول حرب غزّة، بالوفاء لهذا النهج.
ويقف خلف موقف الحكومة البريطانية اعتقاد راسخ لديها، بحقّ "إسرائيل" في "الدفاع عن النفس"، وبهذه الطريقة. وفي 7 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي سأل النائب ستيفن مورغان عن الخطوات الأخيرة التي اتّخذتها الحكومة للمساعدة على حماية البنية التحتية الطبّية في غزّة. وأكّد ردّ الحكومة أنّ "الدول جميعها من ضمنها إسرائيل من حقّها المشروع الدفاع عن النفس".
وفي اليوم التالي سأل الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية النائب كريسبين بلانت، عمّا إذا كانت الحكومة تعتزم "إجراء تقييم لمدى كفاية امتثال إسرائيل لاتّفاقية جنيف خلال عملياتها في غزّة". وردّت الحكومة بأنّ "لإسرائيل الحقّ في الدفاع عن نفسها بشكل متناسب، ويجب أن تتمّ عملياتها العسكرية وفقا للقانون الإنساني الدولي".
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2023، سأل النائب أندرو ويسترن عمّا إذا كانت الحكومة قد ناقشت مع نظيرتها الإسرائيلية الاحتجاز العسكري للأطفال الفلسطينيين. أجابت الحكومة بأنّ "تركيزنا الآن منصبّ على إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزّة".
كما سألت النائبة ديبي أبراهامز في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عن تقدير الحكومة البريطانية لعدد القتلى المدنيين الفلسطينيين، فجاءها الردّ "ليست لدينا وسيلة للتحقّق بشكل مستقلّ من أعداد الضحايا بدقّة، كما يصعب على منظّمات مثل الأمم المتحدة التحقّق من الأعداد كذلك".
ولكنّ الأمور تنقلب بسرعة حين يكون الحديث أو الأسئلة حول حركة "حماس"، حيث يكون ردّ الحكومة أكثر صخباً وسخطاً. مثلاً، عندما سأل النائب نيل كويل عن الخطوات التي اتّخذتها الحكومة للتحقّق من عدد عملاء الأونروا المتورّطين في هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث ردّت الحكومة البريطانية بإسهاب: "ندين بأشدّ العبارات الممكنة الهجمات الإرهابية الوحشية التي شنّتها حركة حماس، وشعرنا بالفزع من مزاعم حكومة إسرائيل بأنّ موظّفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) متورّطون فيها".
ومنذ هجوم حركة "حماس" في 2023، التزمت الحكومة البريطانية بمساعدات تافهة بقيمة 364 مليون جنيه إسترليني لسكّان قطاع غزّة، توزّعت على الشكل الآتي، 111.5 مليوناً في نيسان/أبريل 2023، و123 في أيار/مايو 2024، و129 خلال هذه السنة المالية، بينما قدّمت الحكومة في نيسان/أبريل الماضي وحده، 450 مليون جنيه إسترليني إضافية كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، والتي تضمّنت أنظمة الرادار والألغام المضادّة للدبّابات ومئات الآلاف من الطائرات من دون طيّار. وبحلول نهاية هذه السنة المالية، ستكون بريطانيا قد ضخّت 17.3 مليار جنيه إسترليني كمساعدات لأوكرانيا منذ بدء الحرب في العام 2022.
ويمكن مقارنة ذلك بردّ الحكومة على سؤال برلماني في كانون الأوّل/ديسمبر 2024، حول تقديم المساعدات للأطفال الذين أخرجوا من غزّة لأسباب طبّية، حيث قالت الحكومة إنّها خصّصت "مليون جنيه إسترليني لوزارة الصحّة والسكان المصرية، لدعم الفلسطينيين المرضى الذين أُجلوا من غزّة". كما كان الردّ على سؤال اللورد روبرتس في الـ23 من الشهر الماضي، عن سؤاله عن الخطوات المتّخذة لمساعدة الأطفال في غزّة في عام 2025، وخاصّة أولئك الذين يحتاجون إلى مساعدة طبّية، حيث قالت الحكومة: "في السنة المالية الماضية، أعلنا عن مساهمتنا بـ 6 ملايين جنيه إسترليني لمنظّمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) لدعم الأسر الضعيفة في غزّة".
الحقيقة هي أنّ الحكومة البريطانية كانت متردّدة في أحسن الأحوال وغير مبالية في أسوأها تجاه معاناة المدنيين الفلسطينيين الذين يرزحون تحت وطأة هجوم "الجيش" الإسرائيلي. ولا شيء يجسّد عقلية "دعوهم يموتون جوعاً" التي يتبنّاها البرلمان البريطاني أفضل من سؤال اللورد بلينكاثرا في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، حكومة جلالته إن كانت "تنوي الوقف الفوري لجميع المساعدات الخارجية الإضافية إلى غزّة، إلى أن تتأكّد من أنّ حركة حماس لن تستولي على أيّ منها أو تستخدمها".
لن يكون للبيان المشترك للمملكة المتحدة وكندا وفرنسا هذا الأسبوع سوى استخدامه كذريعة لردود الحكومات المستقبلية على أسئلة البرلمانيين، وهو بمثابة إشارة إلى العدد المتزايد من البريطانيين الغاضبين من صمت الحكومة وعدم تحرّكها، بينما يقتل الأطفال والمدنيون يجوعون حتّى الموت.
أخشى أن يكون البيان المذكور تمريناً مخزياً وساخراً في مدح "إسرائيل" من خلال إدانتها الخافتة. إذ يبدو البيان كأنّه ينتقدها، بينما في الواقع يتغاضى عن أساس أفعالها، ويرفض اتّخاذ أيّ إجراء لإنهاء مذبحة الأبرياء الفلسطينيين الشائنة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.