"Responsible Statecraft": قريباً.. الجيش الأميركي بطل العالم في التلوث

إن ميزانية تريليون دولار من شأنها أن تضع انبعاثات الكربون لهذا العملاق الصناعي على قدم المساواة مع انبعاثات دول بأكملها.

0:00
  • الإنفاق العسكري الأميركي والأوروبي يشهد تصاعداً كبيراً
    الإنفاق العسكري الأميركي والأوروبي يشهد تصاعداً كبيراً

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر تقريراً يتناول العلاقة المتصاعدة بين الإنفاق العسكري الأميركي (خصوصاً البنتاغون) ودول الناتو وأزمة المناخ العالمية، ويعرض مجموعة من النتائج والانتقادات في ضوء تقرير صادر عن معهد المناخ والمجتمع (CCI).

ويقول تقرير المجلّة إنّ الإنفاق العسكري الأميركي والأوروبي يشهد تصاعداً كبيراً، ويُبرر أمنياً، لكن يتم تجاهل تكلفته المناخية الهائلة.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

وفقاً لتحليل جديد أجراه معهد المناخ والمجتمع (CCI)، فإن الزيادات الأخيرة في إنفاق البنتاغون وحدها ستُنتج 26 ميغاطناً إضافية من الغازات المُسببة لارتفاع درجة حرارة الكوكب، وهو ما يُعادل انبعاثات الكربون السنوية المُكافئة (CO2e) المُولّدة من 68 محطة طاقة تعمل بالغاز أو دولة كرواتيا بأكملها.

مع ارتفاع ميزانية البنتاغون لعام 2026 إلى تريليون دولار (بزيادة قدرها 17% أو 150 مليار دولار عن عام 2023)، سيرتفع إجمالي انبعاثاته من غازات الاحتباس الحراري إلى 178 ميغاطناً مُكافئاً من ثاني أكسيد الكربون. هذا سيجعل الجيش الأميركي وأجهزته الصناعية في المرتبة 38 من حيث أكبر مُصدر للانبعاثات في العالم، لو كانت دولة مستقلة. كما سيُسفر عن أضرار اقتصادية تُقدر بنحو 47 مليار دولار عالمياً، بما في ذلك الآثار على الزراعة وصحة الإنسان والممتلكات نتيجةً للطقس القاسي، وفقاً لحاسبة التكلفة الاجتماعية للكربون الصادرة عن وكالة حماية البيئة.

ومع ذلك، من شبه المؤكد أنّ التأثير المناخي الحقيقي للبنتاغون سيكون أسوأ بكثير مما توقعه مؤشر "CCI"، إذ لا يشمل الحساب الانبعاثات الناتجة من التمويل العسكري الأميركي التكميلي المنفصل، مثل نقل الأسلحة إلى "إسرائيل" وأوكرانيا في السنوات الأخيرة. كما أنه لا يشمل الانبعاثات الناجمة عن النزاعات المسلحة، والتي تكون كبيرة عند حدوثها.

تغطي دراسة مؤشر "CCI" الإنفاق العسكري الأميركي فقط. كما يشهد الإنفاق العسكري في دول الناتو الأوروبية ارتفاعاً حاداً. في قمة لاهاي في حزيران/يونيو، تعهدت الدول الأعضاء الـ 32 في الناتو بزيادة إنفاقها العسكري والأمني من 2% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035.

ونتيجة لذلك، قد يرتفع الإنفاق العسكري لحلف الناتو في أوروبا وكندا من نحو 500 مليون دولار اليوم إلى 1.1 تريليون دولار عام 2035، عندما تساوي ميزانيات الدفاع المجمعة للدول الحليفة الـ 31 الأخرى تقريباً ميزانية البنتاغون. كل دولار أو يورو من هذا الإنفاق العسكري استعداداً لحلف الناتو لخوض حروب افتراضية مع الصين أو روسيا أو أي طرف آخر له تكلفة مناخية وفرصة بديلة.

في غضون ذلك، يرغب القادة العسكريون الأميركيون في إنفاق المزيد، وهو ما يُبرر إلى حد كبير تضخم التهديدات. على سبيل المثال، خلال اجتماع عُقد مؤخراً لقادة الصناعات العسكرية في فيسبادن في ألمانيا، أعاد الجنرال الأميركي ألكسوس ج. غرينكويش، القائد الأعلى المُعيّن حديثاً لحلف الناتو، التأكيد على الحجة الخاطئة لزيادة الإنفاق العسكري، ودعا الدول الأعضاء إلى الاستعداد لاحتمالية شنّ روسيا والصين حروباً في أوروبا والمحيط الهادئ في آنٍ واحد، مع احتمال أن يكون عام 2027 عاماً مُشتعلاً، وإن كان مُثيراً للتكهنات.

جادل غرينكويش، الذي يرأس أيضاً القيادة الأميركية الأوروبية، بأن الوضع الراهن يعني ضيق الوقت المتاح للحلفاء للاستعداد. وقال: "سنحتاج إلى كل ما نستطيع من معدات وذخائر للتغلب على ذلك".

وجاءت تصريحاته خلال ندوة "لاند يورو" التي استضافتها قيادة الجيش الأميركي في أوروبا وأفريقيا، والتي صُممت لتشجيع القادة العسكريين والصناعيين على إيجاد سبل لزيادة إنتاج الأسلحة بشكل كبير، ولا سيما في أوروبا. وكما هو الحال دائماً في مثل هذه الفعاليات، مثّل البرنامج الذي استمر يومين فرصة للشركات لعرض أنظمة أسلحة متنوعة في ما يُسمى "ركن المحاربين" في الندوة.

في الندوة نفسها، صرّح قائد الجيش الأميركي في أوروبا وأفريقيا، الجنرال كريستوفر دوناهو، أن الجيش الأميركي وحلف الناتو أطلقا مبادرة عسكرية جديدة تُسمى "خط الردع الشرقي"، تهدف إلى تعزيز القدرات العسكرية البرية لحلف الناتو وتعزيز التوافق العسكري الصناعي عبر دول الحلف.

وحذّر دوناهو من أنّ قوات الناتو قد تسيطر على منطقة كالينينغراد الروسية شديدة التحصين "في إطار زمني غير مسبوق" إذا لزم الأمر. وهنا يكمن تناقض آخر؛ فمن جهة، يدعي الناتو قلة موارده، ومن جهة أخرى، يتباهى بقدرته على وقف "مشكلة الكتلة والزخم" الروسية ومهاجمة الأراضي الروسية والاستيلاء عليها.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ الولايات المتحدة تدير حالياً أكثر من 870 قاعدة ومنشأة عسكرية في الخارج، أي ما يزيد بمرتين ونصف مرة على بقية دول العالم مجتمعة، وأن أعضاء الناتو يُسهمون مجتمعين بنسبة 55% من الإنفاق العسكري العالمي.

مع ذلك، كان الخلل الرئيسي في اجتماع فيسبادن هو عدم مراعاة العلاقة بين الإنفاق العسكري وانبعاثات غازات الدفيئة. لم يكن هناك "ركن أخضر" لتذكير جنرالات الناتو بأنّ أزمة المناخ تُشكل تهديداً وجودياً، أي أنها تُشكل خطراً على الوجود الأساسي للبشرية وكوكب الأرض. هذا النهج المُعقّد يأتي من أعلى الهرم.

في آذار/مارس من هذا العام، كتب وزير دفاع ترامب، بيت هيغسيث، في حسابه في "X": "وزارة الدفاع لا تُقدم على أي حماقة تتعلق بتغير المناخ. نحن نُجري تدريبات ونخوض معارك". ستكون لهذه التدريبات والقتال عواقب مناخية كارثية، تشمل زيادة ندرة المياه، وارتفاع مستوى سطح البحر، والتصحر في المناطق المعرضة للخطر، وهذا بدوره سيؤدي حتماً إلى عدم الاستقرار السياسي والمزيد من الهجرة القسرية.

لا يُمكن تجاهل مساهمة الناتو في أزمة المناخ. على الحلف ودوله الأعضاء أن يكونوا شفافين بشأن حجم انبعاثاتهم، وأن يلتزموا جدياً بخفض بصمتهم الكربونية.

بدلاً من تصعيد التوترات مع الخصوم، ينبغي لكبار جنرالات الناتو دعوة القادة السياسيين إلى الاستثمار في حلول دبلوماسية وغير عسكرية للأزمات السياسية الحالية، ومن ثم، وكما يزعم مؤلفو تحليل مؤشر تغير المناخ، فإن هذه الزيادات في الإنفاق العسكري الأميركي يمكن إعادة توجيهها نحو تدابير المرونة المناخية غير العسكرية، مثل النقل العام، أو الطاقة المتجددة، أو الإسكان الاجتماعي الأخضر الجديد، وهو استثمار حقيقي في الأمن الإنساني.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.