"المونيتور": مع استبعاد التطبيع السعودي.. زيارة ابن سلمان لترامب "هزيمة لإسرائيل"

يبحث الإسرائيليون عن إجابات لتفسير التحول في السياسة الأميركية، ويشير بعضهم إلى وعود سعودية باستثمار تريليونات الدولارات في الولايات المتحدة، بينما يشير آخرون إلى أعضاء من دائرة ترامب.

  • "المونيتور": مع استبعاد التطبيع السعودي.. زيارة ابن سلمان لترامب "هزيمة لإسرائيل"

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر تقريراً يتناول انعكاسات زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للبيت الأبيض ولقائه بالرئيس دونالد ترامب على مكانة "إسرائيل" في واشنطن، وعلى ملف التطبيع السعودي–الإسرائيلي. 

التقرير يرسم صورة عن مرحلة جديدة في العلاقات الأميركية–السعودية، يكون فيها النفوذ السعودي أكبر، بينما تفقد "إسرائيل" امتيازها التاريخي في واشنطن. كما يوضح أنّ التطبيع لم يعد قريباً، وأنّ السعودية ترفع شروطها، خصوصاً ما يتعلق بقيام دولة فلسطينية، وهو ما يخلق قلقاً عميقاً داخل "إسرائيل" من أنّ واشنطن لم تعد تتعامل معها بوصفها "الحليف الأول بلا منازع" في المنطقة.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

أثار لقاء الرئيس دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض انزعاجاً بالغاً لدى الكثيرين في "إسرائيل". فمن وجهة نظرهم، لم يُنذر الاستقبال الحافل الذي حظي به الزعيم السعودي فحسب باحتمال زوال المكانة المتميزة التي تمتعت بها "إسرائيل" لعقود في واشنطن، ما يعكس تآكل نفوذها في مجال الضغط السياسي، بل أثار أيضاً شكوكاً حول آفاق إقامة علاقات رسمية مع المملكة.

التطبيع خارج الحسابات

صرّح مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوى لموقع "المونيتور"، طالباً عدم الكشف عن هويته، مشيراً إلى ولي العهد: "زيارة محمد بن سلمان للبيت الأبيض هزيمة لإسرائيل. صحيح أنها ليست ضربة قاضية، لكنها مع ذلك خسارة. خلاصة هذه الزيارة هي أنّ السعوديين دفعوا ترامب لقطع الصلة بين التطبيع مع إسرائيل والجوائز والأسعار التي ستكون أميركا مستعدة لدفعها مقابل ذلك".

كان المصدر الدبلوماسي الإسرائيلي الرفيع يشير إلى مبدأ "المقايضة" الذي أصبح في السنوات الأخيرة جانباً من جوانب السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وهو أن يوافق الأميركيون على طلبات سعودية عسكرية وتكنولوجية مختلفة مقابل إقامة الرياض علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل". قبل زيارة الأمير محمد، توقّع الكثيرون في "إسرائيل" إعلاناً، حتى لو كان مبهماً، عن التطبيع.

وقال المصدر الدبلوماسي الإسرائيلي الرفيع: "لم يَفِ محمد بن سلمان بالوعد". في الوقت الحالي، التطبيع ليس وشيكاً. إنه يبتعد، لكن السعوديين سيحصلون على طائرات "إف-35" المقاتلة، والقدرات النووية المدنية على أراضيهم، وإمدادات قيّمة من الرقائق الإلكترونية، وغيرها، من دون الالتزام بعملية تؤدي إلى التطبيع.

وقال مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى، تحدث إلى المونيتور شريطة عدم الكشف عن هويته: "لا شك في أنّ الزيارة تُحدث تغييراً جذرياً بالنسبة للسعوديين، وعاملاً حاسماً في حسم الأمور. لقد تعطل هذا التوازن المقدس بين التقدم في التطبيع وافتتاح كهف علاء الدين السحري".

لماذا هذا التحول في السياسة الأميركية؟

تكهّن مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى بأنّ صيغة السلع الأميركية مقابل السلام مع "إسرائيل" قد انقلبت رأساً على عقب بسبب تريليون دولار التي يستعد السعوديون لاستثمارها في الولايات المتحدة، لكنه أضاف أيضاً: "أو ربما أقنعه بعض المقربين من ترامب بالتخلي عن الأولوية والتفوق اللذين تمتعت بهما إسرائيل في البيت الأبيض لجيل كامل، ووضع السعودية على قدم المساواة مع إسرائيل".

في الواقع، وفي بحثها عن تفسير لهذا التحول في السياسة الأميركية، تعتقد حكومة نتنياهو أنّ أحد المقربين من ترامب أقنعه بقطع الصلة المستمرة منذ عقود بين التطبيع والدعم الأميركي للسعودية. من بين الأسماء المذكورة مبعوثا ترامب اللذان هندسا خطة السلام في غزة، جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، معاً وبشكل منفصل. كما تشمل القائمة ميريام أديلسون، الأرملة الإسرائيلية الأميركية لقطب القمار الراحل شيلدون أديلسون، أحد كبار المتبرعين لترامب، والذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع الرئيس. في المقابل، تجدر الإشارة إلى أنّ الزعيم السعودي صرّح صراحةً خلال حرب غزة بأنه لن تكون هناك علاقات طبيعية مع "إسرائيل" حتى قيام دولة فلسطينية.

لطالما كان الرأي السائد في "إسرائيل" هو أنّ السعوديين لا يلتزمون إلا بالكلام فقط بمطلب الدولة الفلسطينية، وسيكتفون بذكر حل الدولتين بشكل مبهم في مرحلة ما من المستقبل غير المحدد، وذلك بهدف تعزيز التطبيع مع "إسرائيل". يبدو أنّ هذا الافتراض لم يعد قائماً.

ووفقاً لمصادر مطلعة على محادثات ولي العهد في واشنطن، فإن السعوديين غير راضين عن غموض المادة 19 من خطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزة، والتي تشير إلى "مسار مستقبلي نحو دولة فلسطينية". ويريدون ضماناً أميركياً بإحراز تقدم ملموس في هذه القضية خلال خمس سنوات.

وقال المصدر الدبلوماسي الإسرائيلي الرفيع: "سبب التغيير في الموقف السعودي بسيط للغاية. لقد أدركوا أنّ بإمكانهم تعزيز مصالحهم في واشنطن حتى من دون إسرائيل، لذلك رفعوا سقف السعر".

بينما يبدو واضحاً ارتياح السعوديين للزيارة، يحاول بعض الإسرائيليين التقليل من الأضرار. صرّح الرئيس السابق لهيئة احتياط الاستخبارات العسكرية، اللواء تامير هايمان، للقناة 12 يوم الأربعاء بأنه في حين أن قدرات الرادار وجمع المعلومات الاستخبارية للمقاتلات الشبحية المتطورة تقوّض التفوق العسكري الإسرائيلي، إلا أنّ "إسرائيل" زوّدت أسراب طائراتها من طراز"إف-35" بميزات فريدة لا تمتلكها أي دولة أخرى.

السعي للحصول على تعويضات

يتحدث مسؤولون في تل أبيب الآن عن تعويضات أميركية لتعويض خسارة صفقة طائرات "إف-35" وغيرها من العروض التي وُعِدبها السعوديون.

صرّح مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى لموقع "المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته: "بما أن الوضع الحصري لإسرائيل [الذي تضمن فيه الولايات المتحدة تفوقها النوعي] قد انتُهك، فإن السعودية الآن على قدم المساواة معنا. من المنطقي مطالبة الأميركيين بتعويضات في مجالات الرقائق والذكاء الاصطناعي والحواسيب الكمومية، والتي يُفترض أن تكون العامل الحاسم في كل ساحة معركة خلال العقد المقبل".

وأوضح دبلوماسي إسرائيلي مخضرم لموقع "المونيتور" أن الأمير محمد بن سلمان قد طوّر بشكل أساسي مبادرة السلام العربية التي قادتها السعودية عام 2002، والتي اقترحت علاقات مع "إسرائيل" مقابل إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية. قال الدبلوماسي الإسرائيلي المخضرم، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "يُوضح ابن سلمان أنه، خلافاً للتوقعات السابقة، لا ينوي السماح لإسرائيل بالتهرب من حل القضية الفلسطينية، الذي يتطلب حل الدولتين. تكمن مشكلة إسرائيل في أنه يحظى حالياً بدعم ترامب الكامل".

يشعر البعض في "إسرائيل" بالارتياح لمحدودية اتفاق ترامب لمساعدة السعودية على تطوير طاقة نووية غير عسكرية. وصرح مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوى لموقع "المونيتور": "على حد علمنا، لم يُصرّح لهم ترامب بامتلاك قدرة تخصيب مستقلة على الأراضي السعودية".

مع ذلك، يبدو وزير الدفاع والخارجية الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، غير مطمئن. وقال لموقع "المونيتور": "الأمر يتعلق بالقوى العاملة والمعرفة التي ستكتسبها السعودية من خلال المفاعل المدني الذي سيُبنى على أراضيها. هكذا بدأ المشروع النووي الإيراني - من خلال مفاعل مدني ومن خلال المعرفة".

وأقرّ مسؤول كبير في الائتلاف الحكومي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، طلب عدم الكشف عن هويته، بأن "الصورة العامة ليست جيدة". حتى يومنا هذا، تطغى ضرورة الحفاظ على التفوق النوعي لـ "إسرائيل" وأمنها القومي على جميع المصالح الأميركية الأخرى في الشرق الأوسط. من اليوم، أصبح السعوديون على قدم المساواة معنا [مع الإسرائيليين]. وقد صرّح ترامب بذلك صراحةً.

في مؤتمر صحافي مشترك عُقد في 18 تشرين الثاني/نوفمبر مع الأمير محمد، قال ترامب: "من وجهة نظري، أعتقد أن كليهما في مستوى يستحق الحصول على أفضل الطائرات إف-35".

وقال المسؤول الكبير: "لم يعد الأمن القومي السعودي متأخراً عن أمننا القومي [من وجهة نظر ترامب]، واتفاقية الدفاع الغريبة التي يجري إبرامها بين واشنطن والرياض تُثبت ذلك"، "لكن يجب ألا ننسى أننا في الوقت الحالي لا نرى سوى تصريحات ووعود. كان من المفترض أن تحصل الإمارات أيضاً على طائرات إف-35، لكن ذلك لم يحدث".

واقترح المسؤول الكبير أن يُعلن نتنياهو دعمه لخطة ترامب للسلام، بما في ذلك المادة 19، من أجل دفع عملية التطبيع قدماً. وأضاف: "هو غير مستعد للقيام بذلك في الوقت الحالي". يرتبط موقف السعودية من التطبيع وإقامة دولة فلسطينية ارتباطاً واضحاً بالانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها عام 2026. فهم لا يرون أي فائدة في الالتزام بالتطبيع نظراً للاعتراضات الراسخة لدى العديد من الناخبين الإسرائيليين على هذه "الدولة"، كما يتضح من انتخابهم المتكرر لرئيس الوزراء الحالي.

وقال المصدر السياسي الإسرائيلي: "من الواضح أن السعوديين غير متحمسين للتطبيع في عام انتخابي في إسرائيل. ما زلت أتوقع حدوثه، ولكن من الصعب تحديد موعده".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.