"بلومبرغ": سياسة إرساء السلام بالقوة لا تسير بشكل جيد في الشرق الأوسط

في الشرق الأوسط كما في العالم، يوشك الرئيس دونالد ترامب على اكتشاف أن حلوله البسيطة غارقة في التعقيد.

0:00
  • "بلومبرغ": سياسة إرساء السلام بالقوة لا تسير بشكل جيد في الشرق الأوسط

شبكة "بلومبرغ" الأميركية تنشر مقالاً يناقش تناقضات السياسة الخارجية لدونالد ترامب في الشرق الأوسط خلال ولايته الثانية المفترضة، حيث يدّعي السعي إلى "السلام عبر القوة" بينما تتصاعد الحروب والصراعات. 

ويبرز النص فشل وقف إطلاق النار مع حماس، وتواطؤ ترامب مع نتنياهو في تجاهل حقوق الفلسطينيين، إضافة إلى ارتباك داخلي في إدارته بشأن الملف النووي الإيراني، وفشل الحملة العسكرية ضد اليمن.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

وفقاً لدونالد ترامب، لم يكن ليحدث أي أمر فظيع في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر في العالم خلال السنوات الأربع الماضية لو بقي الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة آنذاك. وبصفته الرئيس السابع والأربعين، ظلّ يدّعي لفترة أنه سيجلب "السلام بالقوة" إلى تلك المنطقة وإلى أوكرانيا وغيرها من البؤر الساخنة في العالم. فكيف تسير الأمور؟

لقد بدا الأمر وكأن ترامب حقق بداية جيّدة. ففي الأيام الأخيرة للإدارة السابقة، ساعد مبعوثه الخاص إلى المنطقة، ستيف ويتكوف، في التوسط لوقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحماس، وهو اتفاقٌ لطالما استعصى على جو بايدن، سلف ترامب ومصدر إزعاجه. وكان من المفترض أن تفضي تلك الهدنة المؤقتة إلى حلٍّ نهائيّ. إلا أنّ "إسرائيل" استأنفت قصف قطاع غزة في آذار/ مارس. وبالتالي، لا وقف إطلاق نار ولا حل ولا سلام، بل على العكس تماماً. فقد قامت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعبئة عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الإضافيين وقررت توسيع نطاق الحرب في غزة بدلاً من إنهائها، بهدف احتلالها بالكامل تقريباً إلى أجل غير مُسمّى.

واليوم، تُهدد "إسرائيل" بهدم المباني المتبقية في القطاع وتشريد جميع سكانه البالغ عددهم مليوني نسمة إذا لم تستسلم حماس بحلول 15 أيار/ مايو ، موعد زيارة ترامب للشرق الأوسط. وهذه طريقة أخرى للقول إنّ نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، يعتزمان، كما هو متوقع، الاستمرار في الاتجاه المعاكس المؤدي إلى حل الدولتين، وهي السياسة التي كانت مقررة لعقود من الزمن من قبل الإدارات الأميركية من كلا الحزبين.

وبالتأكيد، لم يُبدِ ترامب اهتماماً يُذكر بمنح الفلسطينيين دولة ذات سيادة. بل أعلن بشكل فُجائيّ أنّ الولايات المتحدة "ستسيطر" على قطاع غزة، "وتتملكه"، وتحوّله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، بحضور نتنياهو في البيت الأبيض. ومن غير الواضح كيف ستتوافق هذه الخطة مع الاحتلال الإسرائيلي المُقبل. لكن لا تتوقعوا أن يُركز ترامب أو نتنياهو على هذا التناقض.

إنّ تعابير وجه نتنياهو خلال لقائه ترامب مضحكة للغاية. فهو عكس الرئيس الأوكراني، يعرف أنّه من الأفضل عدم مواجهة ترامب على الهواء مباشرة والمخاطرة بالتسبب للرئيس بنوبة غضب. ولكن إذا تجاهل نتنياهو إلى حد كبير بايدن وتوسلاته بتجنب المدنيين في قطاع غزة، فإنّ رئيس الوزراء يبدو وكأنه يلعب دور ترامب بشكل نشط، من خلال السماح للأميركيين بالسيطرة على دورات الأخبار والقيام بكل ما كان الائتلاف الحاكم الإسرائيلي يخطط للقيام به على أي حال.

وقد يكون لهذا الأمر تأثير سلبي على المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران. وفي هذا الشأن، يدفع نتنياهو في اتجاه معاكس لمسار ترامب المُفضّل. إذ تريد "إسرائيل" قصف المنشآت النووية الإيرانية، ويُفضّل أن يكون ذلك بدعم أميركي. في حين يسعى ترامب، الذي وعد بأن يكون "صانع سلام"، إلى تجنب الحرب الشاملة، على الرغم من أنه يترك الخيار مفتوحاً بشكل يُنذر بالخطر.  

وفي حين أنّ نتنياهو واضح بشأن هدفه، المُسمّى "النموذج الليبي" لتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، فإن ترامب بعيد كلّ البعد عن ذلك. إذ يتنافس عدد من المجموعات الموجودة في إدارته وحزبه؛ وتتكون إحدى المجموعات (وفيها مايكل والتز الذي جرى إبعاده عن منصب مستشار الأمن القومي) من المتشددين الذين يتفقون مع نتنياهو. وتميل مجموعة أخرى (تضم نائب الرئيس جيه دي فانس) إلى الانعزالية والبقاء بعيداً عن الحروب الخارجية. وترى مجموعة أخرى أنّ الولايات المتحدة يجب أن تخرج من الشرق الأوسط وأوروبا من أجل التركيز على التهديد المتزايد الذي تشكله الصين.

وهناك ويتكوف، المبعوث الخاص الذي يعرفه ترامب منذ أن كانا يعملان في مجال تطوير العقارات في نيويورك. فخلال مباحثاته مع الإيرانيين، أشار ويتكوف إلى أنّ الولايات المتحدة قد تقبل بتسوية لا تصل إلى التفكيك الكامل للمنشآت النووية، وتسمح لإيران بتخصيب كمية محددة من اليورانيوم لأغراض مدنية في مقابل التحقق والمراقبة الصارمة. وهذا أمر معقول ومثير للسخرية في آنٍ، لأن هذا الاتفاق يشبه إلى حد كبير الاتفاق السابق (المسمّى خطة العمل الشاملة المشتركة) الذي توصلت إليه 8 دول، بما في ذلك إيران والولايات المتحدة، في عام 2015، ولكن ترامب انسحب منه بشكل مسرحي في عام 2018. كما أنها نتيجة لا يستطيع نتنياهو التعايش معها.

إضافة إلى ذلك، تبدو الصورة الاستراتيجية ضبابية بالقدر نفسه في اليمن، حيث أعلن ترامب أنه سيضع حداً للفوضى البحرية التي يسببها الحوثيون المدعومون من إيران. وقد ذاع صيت الحملة العسكرية الناتجة بسبب محادثة "سيغنال" التي ناقش فيها والتز وفانس وآخرون الغارات الجوية الأميركية بشكل فوريّ، باستخدام الرموز التعبيرية المثيرة. 

وحتى في ذلك الوقت، وكما أشار فانس في نقاش "سيغنال"، لم يكن واضحاً لماذا يُعزّز إسقاط هذا الكمّ الهائل من الذخائر باهظة الثمن على هذه الأهداف المصالح الأميركية. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، كيف يُفسّر صمود الحوثيين وقدرتهم على إطلاق صواريخ على مطار بن غوريون الإسرائيلي بعد استهدافهم بقوة نيران أميركية هائلة؟ وخلال هذا الأسبوع، أعلن ترامب انتصاره فجأةً لأسباب غير واضحة وانتهاء القصف الأميركي.

وهو سيزور المنطقة الأسبوع المقبل غير مكترث، متخطياً "إسرائيل" ومتجهاً مباشرة إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. فهو يعشق تلك الأماكن التي بُنيت فيها أبراج ترامب وما شابهها. كما أنّ الإمارات تُعد من بين الدول العربية التي اعترفت بـ"إسرائيل" ووقعت على اتفاقيات "أبراهام" خلال ولاية ترامب الأولى. وقد حاول بايدن، إقناع السعوديين بتوقيع اتفاقية تطبيع مماثلة، لكنه فشل. وترامب يرغب بشدة في إبرامها.

لكنه لن يتمكن من ذلك، نظراً لكل التناقضات الأخرى في سياسته تجاه الشرق الأوسط. وخلال ولاية ترامب الأولى، كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لا يزال متلهفاً لمواجهة إيران وهزيمة الحوثيين، ومتحمساً لفكرة تطبيع العلاقات مع "إسرائيل". لكنه اليوم يسعى إلى تهدئة الأجواء في ما يخص إيران (حتى عن طريق وساطة صينية)، ولا يريد أن تكون له أي علاقة بالحوثيين، ولا يسعى إلى التقرّب من "إسرائيل"، لأن شعبه مرعوب مما يحصل في غزة. وخلال الجلسات التحضيرية، أوضح فريق محمد بن سلمان لفريق ترامب أنّ ولي العهد لا يريد حتى ذكر كلمة "إسرائيل" في العلن.

وكل ذلك يشكل خلفية صانع السلام الطامح الذي سيصل إلى الشرق الأوسط، حاملاً أفكاراً بسيطة في مكان معقد، ويأمل عقد صفقات تبادلية وصورية في بوتقة من الأحقاد القديمة. وقد صرّح مؤخراً قائلاً: "أنا أدير البلاد والعالم"، ولا يزال بعض أنصار حملة "جعل أميركا عظيمة مجدداً" يؤمن بذلك. إلا أنّه هو وأنصاره على وشك اكتشاف أن للعالم رأياً آخر.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.