"ذا إيكونوميست": الجهاديون العنيفون يشعرون بالإحباط من سوريا الجديدة
الراقصون المخمورون، وزينة عيد الميلاد، والشيعة، وحقوق المرأة في مرمى النيران في سوريا.
مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية تنشر مقالاً تحدّثت فيه عن التحدّيات التي يفرضها من أسمتهم "الجهاديون العنيفون" في الفترة المستقبلية لسوريا الجديدة بإدارة أحمد الشرع.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
كان القائد الجديد للمدينة القديمة في دمشق منزعجاً. فقد تراجع الزعيم الفعليّ الجديد لسوريا، أحمد الشرع، للتوّ عن أمره بالاستيلاء على قصر عثماني قديم كبير. وأصرّ القائد على أنّ دار الفنون الموجودة داخل القصر كانت تستخدم "لسلوك غير لائق".
وكانت الفنانات المقيمات في القصر يجئن ويذهبن في كلّ ساعات الليل، ولذلك أرسل اثنين من الجهاديين المسلحين لإجبارهن على إزالة كتبهن ورسوماتهن ونظام الصوت بحلول ليلة رأس السنة الجديدة ثم يخرجن. ولو كان تدخّل الشرع استثناءً، فربما كان القائد ليتقبّله.
ولكن منذ تقدّم هو وزملاؤه الجهاديون من إدلب، جيبهم الشمالي، وأطاحوا بالأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، كانت مثل هذه الأحكام تأتي بسرعة كبيرة من الشرع، الذي أمر القائد أيضاً بوضع الصلبان فوق الكنائس القديمة، لحماية زينة عيد الميلاد للمسيحيين واحترام أضرحة المسلمين الشيعة. حتى أنّ الشرع طلب من غزاة المدينة أن يتركوا الحانات التي كان الرجال والنساء يرقصون فيها معاً للاحتفال بقدوم العام الجديد. فكيف يختلف الأمر عن إدلب، حيث يُقتَل مرتكبو مثل هذا الفساد المزعوم، أو يُنهَوْن عن الإسلام أو يُطرَدون، وتُغلَق أماكنهم، بما في ذلك الكنائس.
ومثله كمثل العديد من السنّة الذين يعيشون في الشمال منذ العقد الماضي، يكافح القائد المحلي للتوفيق بين إيمانه الجهادي ومعتقدات مجموعة من الجماعات التي تطالب الآن بحصة في حكم الأراضي السورية المحتلة حديثاً. وإذا كان ترك دار الفنون وحدها خطيئة، كما قال القائد بحزن، فإنّ الزعيم الجديد للبلاد "سيتحمّل اللوم في الآخرة.. لكنني بريء من اللوم".
ولكن العديد من أمثاله أقل ميلاً إلى طاعة مثل هذه الأوامر. فبعد نصف قرن من المعاناة تحت نير الأسد الاستبدادي والعلماني اسمياً، يعتقد المحافظون بين الأغلبية السنية في البلاد أنّ لحظتهم في السلطة قد حانت. إنّ الشرع، الذي تحدّث عن الحفاظ على السلام بين الديانات المتنوّعة في سوريا، يكافح من أجل كبح جماح الرجال المتشدّدين.
وعلى مدى العقد الماضي، فرّ الملايين من السوريين إلى التلال الشمالية وإلى المخيمات التي تعجّ بالنازحين، وقد تمّ تدريب جيل جديد هناك على يد الجهاديين. غادر قائد المدينة دمشق عندما كانت لا تزال تتلذذ بتنوّعها الديني ولكنه عاد كسلفيّ. والشرع، المعروف سابقاً باسمه الحربي، أبو محمد الجولاني، مشغول بمغازلة الأجانب الذين قد يمنحونه الشرعية الدولية والمال والإعفاء من العقوبات. ولكنّ الجهاديين هم الذين يزعمون الآن أنهم يسيطرون على الأرض.
لو استدعى الشرع الشرطة النظامية للأسد كما أشار الحكّام الجدد في البداية، فربما كانت لديه مشكلة أقل، بل كلّف مقاتلين كانوا قبل شهر واحد فقط خليطاً من الميليشيات المتمردة المتنافسة بمهمة تأمين المدينة. وتشتهر مجموعته، هيئة تحرير الشام، التي ينتمي إليها قائد المدينة، بالانضباط. ولكنها قد تكون صغيرة للغاية (تتراوح تقديرات حجمها بين 13 ألفاً و35 ألف رجل) بحيث لا تتمكّن من الحفاظ على النظام في بلد احتاج الأسد إلى مئات الآلاف من الرجال للسيطرة عليه.
وبالإضافة إلى ذلك، دعا الشرع الميليشيات السُنّية الشمالية المرتبطة بتركيا، والتي انضمت إلى تقدّمه نحو الجنوب. وربما يبلغ عدد هذه الميليشيات خمسين ألف مقاتل آخرين، ولكنّ تاريخها حافل بالتنافس مع مجموعة الشرع، وكثيراً ما تتناحر فيما بينها. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قيل إنّ قادتها وافقوا مبدئياً على تسليم أسلحتهم الثقيلة في مقابل الحصول على مناصب في الجيش السوري الجديد. ولكنهم متمسّكون بأسلحتهم الصغيرة. ويفضّل بعض القادة الدخل الذي يتمتعون به من التهريب المربح عبر الحدود على الراتب غير المؤكّد الذي يحصلون عليه من نظام الشرع الجديد الهش والمعدم. ولتعقيد الأمور، لجأ الشرع أيضاً إلى مساعدة فرقة من المقاتلين الأجانب الذين قدموا من الشمال، وقد يتراوح عددهم بين 400 و2500 مقاتل. وفي خطبة الجمعة الأخيرة بالقرب من إدلب، قال أحد الخطباء عبر مكبّر الصوت: "اذهبوا جنوباً واستولوا على أروقة السلطة".
إنّ الفصائل السنية الجنوبية التي هزمت تحالف الشرع الشمالي في السباق إلى العاصمة في الثامن من كانون الأول/ديسمبر تشكّل قوة أخرى في حدّ ذاتها. ولا يزال قائدهم أحمد العودة يدفع رواتب 15 ألف مقاتل، على ما يبدو بمساعدة الإمارات العربية المتحدة، التي يتردّد حكّامها في السماح للجهاديين المتحالفين مع تركيا بالهيمنة على سوريا. ويتعيّن على الشرع أيضاً أن يحاول مجاراة جيوب الجهاديين من تنظيم "داعش"، الذين قد يثبتون بعد ذلك براعتهم في استغلال المعارضة وتزيينها بالحماسة الدينية.
لقد استولى الجهاديون على العديد من المساجد في مختلف أنحاء البلاد. وقد قُتِل رجل دين سني بارز واحد على الأقل، على ما يبدو بسبب سعيه إلى استيعاب النظام السابق. وينشر الجهاديون رؤيتهم للعالم من المنبر. وفي صلاة الجمعة الأخيرة في مسجد في حي راقٍ في دمشق، صُدِم سفراء السعودية والإمارات لسماع واعظ يوبّخ حكّامهم ويحذرهم من أن مصيرهم سيكون مثل مصير عائلة الأسد.
إنّ العديد من النساء يشعرن بالقلق أيضاً. فقد تمّ لصق إعلانات على أعمدة الإنارة تأمرهن بارتداء الحجاب. وبدأ الأطفال العائدون إلى منازلهم من المدرسة يسألون أمهاتهم لماذا لا يرتدون الحجاب. وقد عيّن الشرع امرأة لرئاسة البنك المركزي، ولكن في بعض المكاتب الحكومية أصبح على النساء والرجال الآن أن يدخلوا من مداخل منفصلة. وهدّد وزير العدل الجديد بفرض الشريعة الإسلامية. ومن غير الواضح ما إذا كانت القاضيات سوف يظللن في المحاكم الجنائية.
وتزعم الطائفة العلوية، أنها كانت الأسوأ حالاً. ففي حمص، المدينة ذات الأغلبية السنية حيث أعاد الأسد توطين العلويين بأعداد كبيرة، يستعيد السنة العائدون من الشمال منازلهم بالقوة. وقد أقيمت حواجز حول الأحياء التي يجرؤ العلويون على مقاومة البحث فيها عن الفلول، أو بقايا النظام القديم. وتشير التقارير إلى أنّ الخطباء السنة كانوا يسيرون في القرى المجاورة وهم يحملون مسدساتهم، مطالبين الكفار بالتحوّل إلى الإسلام. ويقول أحد العلويين الذي كان يحاول عقد صفقة: "عندما نسلّم أسلحتنا يقتلوننا".
ومع ذلك، كان الشرع حتى الآن بارعاً في استمالة أعدائه والقضاء عليهم. ويقول أحد المتحدّثين باسمه إنه يحب أن يبقي منافسيه قريبين منه، موضحاً لماذا عيّن مقاتلين أجانب في القيادة العسكرية ووزيراً للعدل قتل عاهرة بالرصاص أثناء عمله قاضياً شرعياً في إدلب. وسوف يراقب رئيس الاستخبارات الجديد للشرع، وهو رجل متمرس في مجال الفتنة، أنس خطاب، الأحداث. ويستطيع الشرع أن يعتمد على ولاء العديد من السنة المحافظين الذين ما زالوا يفرحون بقدوم حكم الأغلبية.
إنّ ما حدث في إدلب قد لا يكون نموذجاً لإدارة دولة حديثة. ولكنّ السوريين ما زالوا يأملون في أن يسود التسامح. فما زالت الحانات مفتوحة، على الرغم من سلسلة الهجمات على الكازينوهات. وما زالت النادلات في أفخم فندق في العاصمة، حيث يستضيف الشرع كبار الشخصيات من الأمم المتحدة وغيرها من الدول الأجنبية، لا يرتدين الحجاب، على الرغم من أنّ الكحول لم يعد متاحاً. ومن المقرّر إعادة افتتاح معرض فني في المتحف الوطني. وما زال مروان الطيار، مدير دار الفنون المتنازع عليها، واثقاً من أنّ العادات القديمة في المدينة سوف تغري الوافدين الجدد. ويقول في إشارة إلى تيمورلنك، وهو ناهب مغولي عاش في القرن الرابع عشر: "لقد جاء تيمورلنك إلى هنا وهدأ من روعه. يمكنك غزو دمشق ولكنك لن تستطيع هزيمتها".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.