"فايننشال تايمز": كيف نقلت "إسرائيل" حربها إلى الضفة الغربية؟

هيئة تابعة للأمم المتحدة تقول إن أكثر من 900 فلسطيني قُتلوا منذ 7 أكتوبر 2023 في الأراضي المحتلة بينما يشنّ نتنياهو غارات جوية

0:00
  • غارات إسرائيلية على جنين، في الضفة الغربية المحتلة يوم 2 شباط/ فبراير 2025
    غارات إسرائيلية على جنين، في الضفة الغربية المحتلة يوم 2 شباط/فبراير 2025

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر تقريراً تناولت فيه تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وتأثيرها المدمّر على المدنيين الفلسطينيين، مع التركيز على حادثة مقتل ثلاثة أطفال فلسطينيين في بلدة طمون نتيجة غارة بطائرة مسيّرة، واعتبار هذا الحادث نموذجاً لنهج عسكري جديد أكثر عدوانية تتّبعه الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو.

ويبرز التقرير كيف أنّ التكثيف العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية أصبح أكثر شدّة، وأكثر استهدافاً للمدنيين، مما يزيد من معاناة السكان الفلسطينيين ويخلق واقعاً مشابهاً لواقع غزة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

كان التقرير الأوّلي لـ "الجيش" الإسرائيلي موجزاً ​​وقاطعاً، جاء فيه: "ضرب سلاح الجو الإسرائيلي خلية إرهابية في منطقة طمون. التفاصيل لاحقاً".

كان التقرير خاطئاً أيضاً. في الواقع، أسفرت غارة بطائرة من دون طيار على بلدة طمون الواقعة على سفح تل شمال الضفة الغربية المحتلة عن مقتل ثلاثة أبناء عمومة فلسطينيين، تتراوح أعمارهم بين 8 و10 و23 عاماً، أثناء تجمّعهم في الشارع المنحدر على بُعد أمتار قليلة من باب منزل إيمان بشارات.

عندما هرعت بشارات إلى الخارج بعد لحظات، واجهت مشهداً مرعباً. كانت جثة ابنها حمزة مليئة بالشظايا. كان رأس ابن عمه رضا مقطوعاً وجزء من دماغه يتناثر. أما ابن العم الثالث، آدم، فقد لفظ أنفاسه الأخيرة بين ذراعيها.

قالت: "كان هناك دوي هائل، وكأنّ السماء بأكملها تنفجر.. كانت الشظايا في كلّ مكان.. الدم كلّ ما رأيته. كان مشهداً من غزة أمامي".

كانت الضربة التي شُنّت في الثامن من كانون الثاني/يناير، جزءاً من تصعيد أوسع نطاقاً من قِبَل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مما أدّى إلى ارتفاع حصيلة القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى أعلى مستوى لها منذ عقدين.

ورغم أنّ مستوى القوة التي تستخدمها "إسرائيل" في المنطقة لا يُقارن بالدمار الذي ألحقته بغزة رداً على هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فقد كثّف "الجيش" الإسرائيلي عملياته في الضفة الغربية بشكل كبير خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية.

وفي هذه العملية، نشر بشكل متزايد تكتيكات وأسلحة استخدمها بشكل متكرّر في غزة، ولكنها لم تُشاهد في الضفة الغربية منذ سنوات، مما دفع منظّمات حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة إلى التحذير من نقل واقع غزة إلى الضفة من خلال العمليات الإسرائيلية في المنطقة.

وبعد توقّف دام 17 عاماً، استأنف "الجيش" الإسرائيلي الغارات الجوية في الضفة الغربية، حيث نفّذ عشرات الهجمات باستخدام الطائرات من دون طيار، وأيضاً طائرات الهليكوبتر الحربية، وطائرات مقاتلة. وفي وقت سابق من هذا العام، نشر دبابات هناك للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاماً، حيث شنّ عملية ضد المسلحين في مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم ونور شمس.

وقد أدّى النهج الجديد الذي تبنّته حكومة نتنياهو، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها الأكثر يمينية في تاريخ "إسرائيل"، إلى خسائر فادحة. ووفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فقد قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 900 شخص في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، مما يجعل عامي 2023 و2024 أكثر الأعوام دموية للفلسطينيين هناك منذ أن بدأت الأمم المتحدة في جمع البيانات في عام 2005. وفي الفترة نفسها، قتل الفلسطينيون في المنطقة 32 إسرائيلياً.

لكنّ أعداد الضحايا ليست سوى جزء من القصة. فقد دمّرت العملية الإسرائيلية البنية التحتية أيضاً، حيث مزّقت القوات الطرق وهدمت المنازل، وشرّدت عشرات الآلاف من الأشخاص. ورافقتها قيود شاملة على الحركة وضغط اقتصادي خانق قلب الحياة اليومية لسكان الضفة الغربية البالغ عددهم 3.3 ملايين نسمة رأساً على عقب.

ويعتمد ائتلاف نتنياهو على دعم مجموعتين يمينيتين متطرفتين بقيادة المستوطنين القوميين المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يعتزمان ضمّ الضفة الغربية، وقد طالبا نتنياهو مراراً وتكراراً بتبنّي نهج أكثر عدوانية في المنطقة.

وأُطلقت الحملة الجديدة في الضفة الغربية بعد يومين فقط من موافقة الحكومة على وقف إطلاق نار مؤقت في غزة في كانون الثاني/يناير، وهو أمر عارضه بن غفير وسموتريتش بشدة.

ويقدّر النشطاء أنّ عنف المستوطنين، وتوسّع المستوطنات، وقيود الوصول، ومصادرة الأراضي قد عزلت الفلسطينيين عن مئات الآلاف من الدونمات من أراضيهم منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.

قبل الحرب، كانت بشارات تذهب في رحلات يومية إلى نابلس، إحدى المدن الرئيسية في شمال الضفة الغربية، وتقع على بُعد 20 كيلومتراً فقط من طمون. لكنها الآن لا تجرؤ على ذلك. فمخاطر التعرّض لهجوم من المستوطنين، أو مواجهة "الجيش" الإسرائيلي، أو الاحتجاز لساعات عند نقطة تفتيش، كبيرة جداً.

قالت بشارات: "أيّ شيء غير متوقّع قد يكون كارثة. في كلّ مرة نغادر فيها المنزل، حتى لو كان ذلك لمجرد الذهاب لشراء شيء ما، يكون الأمر بمثابة مخاطرة كبيرة، حيث يعلم الله ما سيحدث". 

وأضافت: "المشكلة هي أن هذا الخوف يسيطر عليك الآن حتى وأنت في المنزل... إذا أفلتوا من العقاب على قتل أطفالنا، من دون سبب، فيمكنهم الإفلات من أيّ شيء آخر".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.