"فورين أفيرز": هل يمكن لدول المنطقة وقف الحرب على إيران؟

يبدو أنّ الصراع يتأجج ولا يهدأ، وقد تكون الدول العربية المفتاح لوقف الحرب الإسرائيلية الإيرانية.

  • ترامب خلال زيارته إلى قطر في أيار/مايو 2025
    ترامب خلال زيارته إلى قطر في أيار/مايو 2025

مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً  يتناول الجهود الممكنة لمنع اندلاع حرب إقليمية شاملة بين "إسرائيل" وإيران، ويطرح الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه الدول العربية وتركيا في الوساطة واحتواء التصعيد، خاصة في ظل انسداد الأفق الدبلوماسي بين واشنطن وطهران.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

يتأرجح الشرق الأوسط على حافة حرب إقليمية واسعة النطاق. ففي 12 حزيران/يونيو، بدأت "إسرائيل" حملة عسكرية متواصلة ضد البنية التحتية النووية الإيرانية، وقيادات النظام، ومستودعات النفط والغاز، في محاولة "للحد من خطر احتمالية امتلاك إيران سلاحاً نووياً"، على حد تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. في المقابل، ردّت إيران على هذه الحملة بإطلاق وابل من الصواريخ الباليستية والانسحاب من المفاوضات النووية مع واشنطن. وقد سبق أن شعرت الدول العربية بالقلق من الانجرار إلى حرب بين إيران و"إسرائيل" مع بداية المناوشات غير المباشرة بين الطرفين قبل عام ونصف. ولكن، مع اتساع رقعة القتال وإطلاق الصواريخ باستمرار فوق منطقة الخليج بأكملها، تتساءل الدول المجاورة اليوم عن موعد وصول هذه المواجهات إليها، وليس عمّا إذا كانت ستصل إليها. 

ولا تزال هناك فرصة ضئيلة لتجنّب حرب شاملة. ولكن، مع إغلاق واشنطن الباب أمام الدبلوماسية، يقع على عاتق دول المنطقة وقف هذا الصراع. إذ وحدها الدول العربية وتركيا تتمتعان بعلاقات عمل جيدة مع كلّ من "إسرائيل" وإيران والولايات المتحدة. وهذه الدول مطالبة اليوم بتقديم مقترحات لتهدئة الأوضاع، ويتعيّن عليها إطلاق مبادرة وساطة إقليمية تُمكنها من التواصل مع الأطراف المتحاربة والتوسط بينها وإشراك واشنطن في ذلك من دون الاعتماد عليها. 

وفي حال فشلت الدول العربية ومعها تركيا في التوصل إلى حلّ، فستتحوّل هذه الحرب إلى حرب إقليمية. وقد تواجه هذه الدول هجمات ضد بنيتها التحتية من قبل إيران، وسيسيطر الخوف والشك على شعوبها.

عالقون في وسط النزاع

تخشى الدول العربية قبل كل شيء حرب "إسرائيل" مع إيران. إذ لم يُصرّح المسؤولون الإسرائيليون برغبتهم في توسيع رقعة الصراع، لكن الضربات التي تشنها "إسرائيل" على منشآت الطاقة الإيرانية، بما في ذلك مصفاة "شهر ري" في طهران وجزء من مصفاة "جنوب فارس" في منطقة الخليج الفارسي، قد تكون مُصمَّمة لحثّ إيران على تنفيذ تهديداتها بمهاجمة محطات الطاقة في الخليج أو إغلاق مضيق هرمز. ومن شأن هذه التحركات أن تجر الدول العربية إلى الصراع وتجبرها على الانحياز علناً إلى جانب "إسرائيل"، وهذا بالضبط ما تسعى إليه هذه الأخيرة. وفي حال دخلت الولايات المتحدة الحرب إلى جانب "إسرائيل"، ستزداد رغبة إيران في استهداف الدول العربية، التي تتضمن قواعد عسكرية أميركية متعددة. 

وبالنسبة إلى دول الخليج، ستكون الهجمات الإيرانية على القواعد الأميركية أو البنية التحتية للطاقة في الخليج أو السفن في مضيق هرمز بمنزلة كارثة. إذ ستُعرّض صادرات النفط للخطر وستُقوّض ثقة المستثمرين، ما يُعطّل اقتصاداتها المعتمدة على الكربون ويُقوّض المساعي الاقتصادية الأخرى مثل مبادرة رؤية 2030 الخاصة بالسعودية. بالإضافة إلى ذلك، قد تُفاقم هذه الهجمات الصراع في اليمن، إذ من المرجح أن يستأنف الحوثيون هجماتهم على السفن في البحر الأحمر ويوجهوا ضرباتٍ مباشرة إلى دول الخليج. وبالتالي، سيُعاني السكان العرب المدنيون من أي هجمات تهدد إمدادات الغذاء أو تلوث المياه أو تؤدي إلى انقطاع الإنترنت. وإدراكاً منها للمخاطر التي تواجهها، تسعى هذه الدول جاهدة لمنع تمدد الصراع.

الوسطاء

ولتجنب التعرضّ للهجوم، سعت الدول العربية إلى النأي بنفسها عن تصرفات "إسرائيل". فدانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الحملة العسكرية الإسرائيلية، في حين دعا الأردن إلى خفض التصعيد. كما أصدرت كلّ من عُمان وقطر تصريحات شديدة اللهجة ضدّ الضربات الإسرائيلية تعكس مخاوفهما من تعمّد "إسرائيل" تخريب الجهود الأميركية - الإيرانية الرامية للتوصل إلى اتفاق نووي. كما انتقدت تركيا الموقفَ بشدة وعرض الرئيس رجب طيب إردوغان "بذل كل ما في وسع بلاده" لمنع أي تصعيد خارج عن نطاق السيطرة.

ليس واضحاً ما الذي يقترحه إردوغان تحديداً. لكن الجهات الفاعلة الإقليمية تتمتع بمكانة استثنائية ومصداقية ونفوذ كافٍ لوقف التصعيد بين إيران و"إسرائيل" والولايات المتحدة. وتحافظ دول الخليج على قنوات اتصال مباشرة مع كل من طهران وواشنطن. فهي تستضيف قوات أميركية، وتتوسط في محادثات سرية، وتفهم الحسابات الأمنية لكلا الطرفين. كما أنها تملك طرقاً للتواصل مع "إسرائيل"، سواء علنية أو سرية. وخلال هذه المرحلة الحرجة، لا يتعين عليها استخدام كل هذه الإمكانات لإدارة التداعيات فحسب، بل للتوصل أيضاً إلى وقف إطلاق نار وتمهيد الطريق للعودة إلى الدبلوماسية النووية والإقليمية الأوسع.

ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على الحكومات الإقليمية إطلاق مبادرة دبلوماسية، ربما تحت رعاية جامعة الدول العربية أو مجموعة اتصال أصغر حجماً بقيادة دول الخليج، تستخدم معلومات استخبارية موثوقة وقنوات سرية دبلوماسية لإقامة محادثات غير مباشرة بين ممثلي "إسرائيل" وإيران. ويمكنها استخدام هذه الشبكة للدفع نحو فترة تهدئة بين الطرفين يتفق خلالها البلدان على الحد من الضربات، وخاصة على المناطق المدنية المكتظة بالسكان. وفي الوقت نفسه، يتعين على الدول العربية وتركيا فتح قناة دبلوماسية منفصلة تركز على حماية البنية التحتية للطاقة والبنية التحتية البحرية، فضلاً عن منع الأزمات البيئية والصحية التي يمكن أن تنتج عن الهجمات على المنشآت النووية. ومن شأن هذه المبادرات العامة أن تُثبت للرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ التهدئة والمفاوضات هما السبيل الأمثل للمضي قدماً، وهذا ما تريده المنطقة. كما أنها ستمهد الطريق لإجراء محادثات بشأن وقف إطلاق نار شامل و"التوصل إلى اتفاق سلام" دائم.

في البداية، قد يبدو من الصعب تخيّل موافقة ترامب على هدنة بوساطة حكومة أجنبية. لكن دول الخليج العربي كانت أول الدول التي زارها الرئيس الأميركي بعد عودته إلى البيت الأبيض، وقد منحت زيارته قادة الخليج شعوراً متجدداً بأن واشنطن لم تكن تستمع فحسب، بل كانت أيضاً متوافقة مع مخاوفهم الأمنية الأساسية. لقد سبق أن رفض ترامب التدخلات العسكرية الأميركية وجهود تعزيز الديمقراطية، داعياً إلى عهد جديد من "السلام والشراكة". وأشاد باستثمارات دول الخليج في "التجارة، لا الفوضى" و"التكنولوجيا، لا الإرهاب". وأيّد دعواتها إلى رفع العقوبات عن سوريا، وقدّم الدعم للحكومة الجديدة في البلاد. والأهم من ذلك، أبدى ترامب خلال اجتماعات خاصة استعداده لدعم أولويات الخليج. وأشارت الزيارة إلى استعداده للعمل بناءً على آراء دول الخليج لا الاستماع إليها فحسب.

قد تكون "إسرائيل" أكثر تردداً من الولايات المتحدة في قبول اتفاقية سلام بوساطة خليجية. لكنّ دولتين خليجيتين، وهما البحرين والإمارات العربية المتحدة، أصبحتا شريكتين اقتصاديتين واستراتيجيتين رئيسيتين لها. كذلك ترغب "إسرائيل" في تطبيع العلاقات مع السعودية، ويدرك المسؤولون الإسرائيليون أنّ ذلك سيكون أسهل بكثير إذا تراجعوا عن الحرب مع إيران. وعلى الرغم من أنّ نتنياهو قد يرغب في التصعيد، فإن قادة إسرائيليين آخرين يدركون أن اتساع نطاق الحرب قد يهدد أسواق الطاقة بطرق من شأنها أن تزيد من صعوبة حياة ناخبيهم.

من جانبها، لدى إيران كل الحوافز لقبول اتفاق بوساطة خليجية. ففي ظل القصف الإسرائيلي المتواصل، يبحث قادة الجمهورية الإسلامية عن مخرج يحترم سيادة البلاد وحقوقها. وقد أثبتت الدول العربية براعتها في إدارة المفاوضات الشائكة مع إيران وساهمت في تهدئة العلاقات وتطبيعها، بحيث استأنفت الإمارات العربية المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عام 2022، تبعتها المملكة العربية السعودية بوساطة صينية عام 2023.

الفرصة الأخيرة

في عام 2003، عارضت الدول العربية وتركيا بشدة الغزو الأميركي للعراق، محذرةً من أنه سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة وتعزيز نفوذ القوى المتطرفة. واليوم، اتحدت هذه الحكومات نفسها مجدداً في الدعوة إلى وقف التصعيد، مدركةً أن حرباً أخرى بلا رادع قد تُطلق العنان لفوضى أكبر. وبالنسبة إلى هذه الدول المخاطر كبيرة للغاية؛ وفي حال لم يتوقف الصراع، فلن يكون بوسعها فعل الكثير لحماية نفسها من تمدده. ومع ضيق الوقت وتزايد المخاطر، يُعد العمل الإقليمي المُنسق أمراً ضرورياً لمنع وقوع كارثة أكبر. 

نأمل أن تتمكن هذه الدول من إقناع إيران و"إسرائيل" بالتخلي عن مواصلة القتال، وإقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن الانضمام إليه. ويمكنها أن تُخبر "إسرائيل" أن أفعالها الحالية قد تُحوّل مسار التطبيع إلى مسار نحو العزلة، وتُحوّل الوضع الراهن القائم على الردع الفعال إلى صراع أبدي. كما يمكنها أن تجعل إيران تفهم أن استمرار اندماجها في المنطقة يتطلب تغييراً في سلوكها.

في الختام، إنّ التوصل إلى اتفاق سلام سيكون صعباً للغاية. فإيران و"إسرائيل" متمسكتان بمواقفهما. ويبدو أنّ الصراع يتأجج ولا يهدأ. ومع ذلك، فإنّ العالم بحاجة ماسة إلى جهد دبلوماسي جاد ومستمر لوقف التصعيد. وهذا الجهد يجب أن يشمل إيران و"إسرائيل" وأن يحظى بدعم الولايات المتحدة. ولكن لا يمكن دفعه أو على الأقل تحفيزه إلا من قِبل دول المنطقة.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.