"Responsible Statecraft": "إسرائيل" تُوقع الولايات المتحدة في فخ

لم تكن القضية النووية يوماً الدافع الرئيسي وراء الهجوم على إيران.

  • تظاهرة في العراق ضد الحرب على إيران، رفع خلالها متظاهرون مجسماً لترامب وقد عُلّق حذاء يتدلّى من رقبته (أ ف ب)
    تظاهرة في العراق ضد الحرب على إيران، رفع خلالها متظاهرون مجسماً لترامب وقد عُلّق حذاء يتدلّى من رقبته (أ ف ب)

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يحذّر من انخراط الولايات المتحدة في الحرب الإسرائيلية على إيران، ويرى أن هذا التدخل سيؤدي إلى نتائج عكسية خطيرة على المصالح الأميركية والأمن الإقليمي والدولي، وقد يُكرّر أخطاء كارثية شبيهة بغزو العراق.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

إنّ الانضمام إلى عدوان "إسرائيل" على إيران سيضرّ بالمصالح الأميركية والأمن الدولي، ولن يُعززهما.  ينبغي ألّا يكون هذا مُستغرباً، إذ إنّ دعم المصالح الأميركية والأمن الدولي لم يكن السبب وراء شنّ "إسرائيل" للحرب.

يُجادل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ البرنامج النووي الإيراني يُشكّل تهديداً لأميركا لا لـ"إسرائيل" فحسب، لكن القضية النووية لم تكن الدافع الرئيسي وراء هجوم "إسرائيل"، كما يتضح من قائمة الأهداف التي تتجاوز بكثير أي شيء مُرتبط بالبرنامج النووي الإيراني.

تشمل الدوافع الرئيسية لـ "إسرائيل" للحرب دوافع خاصة بها، ودوافع لا تُشاركها الولايات المتحدة، بما في ذلك تخريب الدبلوماسية الأميركية مع إيران. دوافع إسرائيلية أخرى تتمثل في صرف انتباه ليس فقط الولايات المتحدة، بل بقية العالم عما تفعله "إسرائيل" بالفلسطينيين. وقد وقع بعضٌ من أبشع عمليات القتل لسكان قطاع غزة الجائعين الذين كانوا يسعون للحصول على مساعدات غذائية منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران.

تطورت تصريحات الرئيس دونالد ترامب العلنية بشأن حرب "إسرائيل" بسرعة من انفصال ظاهري إلى دعم حماسي، حتى أنه استخدم ضمير المتكلم "نحن" عند ادعاء التفوق الجوي على إيران. وكما يلاحظ تشارلي ستيفنسون من جامعة "جونز هوبكنز"، من الواضح أنّ ترامب يعاني خوفاً من فوات الفرصة، ويسعى إلى ادعاء الفضل لنفسه في إنهاء التهديد النووي الإيراني المزعوم.

إنّ الأهداف المعلنة (تدمير البرنامج النووي الإيراني) أو المفترضة على نطاق واسع (تغيير النظام في طهران) للحرب هي من بين المعايير التي ينبغي الحكم بموجبها على إمكانية تورط الولايات المتحدة في الحرب. ولكن هناك عواقب أخرى، كما هو مذكور أدناه.

إنّ الحرب، سواء بمشاركة الولايات المتحدة أو من دونها، لن تقلل من احتمالية امتلاك إيران لسلاح نووي، بل قد تزيدها. لم تكن الحرب ضرورية لتجنب امتلاك إيران لسلاح نووي. كان تقدير الاستخبارات الأميركية قبل الحرب أن إيران لم تكن تصنع سلاحاً نووياً. كانت إيران تتفاوض طواعية مع الولايات المتحدة، بنية جادة، للتوصل إلى اتفاق جديد.

بتوقيعها على خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، والالتزام بشروطها حتى انسحاب ترامب منها بعد ثلاث سنوات، أثبتت إيران ليس فقط أنّ الحرب غير ضرورية، بل إنّ حظر جميع أشكال تخصيب اليورانيوم غير ضروري أيضاً. لقد أغلقت خطة العمل الشاملة المشتركة جميع الطرق الممكنة لامتلاك إيران سلاحاً نووياً من خلال قيود مُتفاوض عليها بعناية ورقابة دولية مُعززة. من المستحيل التوفيق بين هذا السجل الدبلوماسي وأي فكرة مفادها أن إيران مُصممة على امتلاك سلاح نووي مهما كلف الأمر.

إنّ الضرر الذي ألحقته "إسرائيل" بالمنشآت النووية الإيرانية، حتى لو أضافت الولايات المتحدة إليه قنابل زنة 30 ألف رطل لتحويل منشأة التخصيب الجوفية في فوردو إلى حفرة، يُعيق البرنامج النووي الإيراني ولكنه لا يُنهيه. كما أنه لا يُلغي قدرة إيران على صنع سلاح نووي إذا ما حدث ذلك. يُمكن إعادة بناء سلاسل أجهزة الطرد المركزي، والمعرفة المتخصصة ذات الصلة في إيران لا تقتصر على العلماء الذين اغتالتهم "إسرائيل" خلال الأسبوع الماضي.

النوايا الإيرانية لا تقل أهمية عن القدرات الإيرانية. لا يوجد حدثٌ أكثر ترجيحاً لدفع صانعي السياسات الإيرانيين إلى اتخاذ قرارٍ لم يتخذوه حتى الآن - وهو بناء سلاح نووي - من هجومٍ مسلح على أراضي بلادهم ذات السيادة. لا شك في أنّ الأصوات في طهران التي تُطالب باتخاذ هذه الخطوة، لأن إيران بحاجةٍ إلى رادعٍ ضد هجماتٍ مستقبلية، قد ازدادت قوةً في أعقاب الهجوم الإسرائيلي. وستزداد قوةً إذا انضمت الولايات المتحدة إلى الحرب الإسرائيلية.

إذا اتخذت إيران مثل هذا القرار، فإن إعادة توجيه البرنامج النووي الإيراني نحو الأغراض العسكرية ستتم بعيداً عن أنظار المفتشين الدوليين. لقد عرقل الهجوم الإسرائيلي بالفعل المحادثات الرامية للتوصل إلى اتفاقٍ نووي جديد، مُحققاً بذلك أحد أهداف نتنياهو، وقد يُنهي التدخل العسكري الأميركي آفاق المفاوضات المستقبلية إلى أجلٍ غير مسمى. ستكون الولايات المتحدة والقوى الخارجية الأخرى أقل قدرةً بكثير على تتبع ما تفعله إيران على الصعيد النووي مما كانت عليه في ظل إجراءات التفتيش التدخلية للاتفاق النووي.

إنّ التدخل العسكري الأميركي في الهجوم الإسرائيلي يحمل في طياته مخاطرة كبيرة بأن يتحول إلى حرب لا نهاية لها. قد يعتقد ترامب أنه قادر على القيام بهجوم واحد فقط، مثل إلقاء قنابل خارقة للتحصينات على فوردو ثم إعلان إنجاز المهمة، لكن من غير المرجح أن يكون هذا نهاية القتال الأميركي مع إيران. إنّ الانتشار الإيراني المحتمل للمنشآت والمواد النووية، ربما بعد قرار إيراني بصنع قنبلة سراً، سيعني مهمة بحث وتدمير مطولة. سيصبح هذا مثالاً آخر على "جزّ العشب" الإسرائيلي، إلا أنّ هذا الجزّ سيشمل الولايات المتحدة أيضاً.

سيتعرض ترامب لضغوط لمواصلة التدخل، من "إسرائيل" ومن القوى المحلية المشككة في قدرته على حل المشكلة النووية الإيرانية في النهاية.

أما بالنسبة إلى تغيير النظام المحتمل، فإن أول ما يجب تذكره هو مدى بؤس سجل الولايات المتحدة في تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، عند النظر لا فقط إلى التغيير نفسه، بل أيضاً إلى الأحداث اللاحقة الناجمة عنه. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، الحرب الهجومية التي أطاحت نظام صدام حسين في العراق، وهي المستنقع الذي استمر ثماني سنوات، والذي تسبب في سقوط آلاف الضحايا الأميركيين، وأفرز جماعة إرهابية استولت على مساحات شاسعة من سوريا والعراق.

مثال آخر هو ليبيا، حيث أدى دعم الولايات المتحدة لإطاحة معمر القذافي - الذي كان قد تخلى طواعيةً، من خلال المفاوضات، عن جميع برامجه للأسلحة غير التقليدية، إضافة إلى إنهاء تورطه في الإرهاب الدولي - إلى حالة من الفوضى التي عمّت المنطقة المحيطة، وتركت ليبيا من دون حكومة مستقرة واحدة، وهو وضع لا يزال قائماً حتى يومنا هذا.

يمكن إضافة إيران نفسها إلى هذه القائمة، حيث أدّى انقلاب مدعوم من الولايات المتحدة عام 1953 إلى سقوط إيران في يد الشاه رضا بهلوي. أثبت حكم الشاه في النهاية ضعفه وقسوته، ما أدى إلى ثورة 1979 التي أوصلت الجمهورية الإسلامية التي تحكم إيران اليوم إلى السلطة.

إنّ احتمالات أن تُعجّل الحرب الحالية في إيران، سواء بمشاركة الولايات المتحدة أو من دونها، بتغيير النظام بشكل إيجابي، ضئيلة. وقد ولّد الهجوم الإسرائيلي تأثير الالتفاف حول الراية المعتاد. تُميّز أصوات المعارضة داخل إيران بين الأمة الإيرانية والنظام، حيث يُعطي التضامن مع الأول الأولوية القصوى على السخط على الثاني.

ينبغي على "إسرائيل"، بانخراطها المُثبت في صفوف المعارضة داخل إيران، أن تُدرك هذا الأمر تماماً كغيرها.

آخر ما ترغب حكومة نتنياهو برؤيته في إيران، هو ديمقراطية مستقرة ومعتدلة، تتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة. سيؤدي هذا التطور إلى قلب محورٍ رئيسي في السياسة الخارجية الإسرائيلية مفاده أنّ إيران عدوٍ مُستهجنٍ تُلفت "إسرائيل" انتباه العالم إليه باستمرار، بعيداً عما تفعله، والذي يُمكنها تحميله مسؤولية مشاكل الشرق الأوسط.

إلى جانب عدم تحقيق نتائج إيجابية من انخراط الولايات المتحدة في الحرب سواء فيما يتعلق بالبرنامج النووي أو تغيير النظام، هناك تكاليف وعواقب أخرى. وبشكلٍ مباشر، سيموت المزيد من الناس، بمن فيهم الأميركيون. ومن المؤكد أن إيران سترد، سواء ضد منشآتٍ تضم 40 ألف جندي أميركي في الشرق الأوسط، أو ربما أيضاً من خلال عملياتٍ سريةٍ في أماكن أخرى.

سيزداد عدم الاستقرار الإقليمي، جزئياً بحكم التعريف، لأن التدخل الأميركي والرد الإيراني الحتمي سيعنيان حرباً أوسع نطاقاً.

يجب أيضاً مراعاة البعد النووي لعدم الاستقرار الإقليمي. بقدر ما تهدف حرب "إسرائيل" إلى استهداف قدرة إيران على صنع سلاح نووي، فإن هدف "إسرائيل" ليس إبعاد الأسلحة النووية عن الشرق الأوسط، بل الحفاظ على احتكارها النووي الإقليمي.

يُشكل هذا الاحتكار جزءاً من خلفية الإفلات من العقاب الذي جعل "إسرائيل" الطرف الأكثر تدميراً في الشرق الأوسط، حيث تهاجم بقواتها المسلحة دولاً أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة. إن التدخل الأميركي المباشر في حرب "إسرائيل" الحالية ضد إيران سيُشكل تأييداً وتشجيعاً لهذا السلوك المزعزع للاستقرار. كما سيزداد عدم الاستقرار في أماكن أخرى، من خلال توجيه ضربة أخرى لمبدأ عدم الاعتداء والقانون الدولي الذي يتضمنه.

ستُصبح الولايات المتحدة أقل ثقة من ذي قبل كشريك تفاوضي، حيث يتوصل العديد من المراقبين، عن صواب أو خطأ، إلى الاستنتاج نفسه الذي توصل إليه العديد من الإيرانيين بلا شك، وهو أنّ سعي إدارة ترامب الواضح للتوصل إلى اتفاق نووي تفاوضي كان غطاءً لهجوم مسلح.

ستتلقى القوة الناعمة الأميركية ضربة أخرى، من خلال تزايد ارتباط الولايات المتحدة في أذهان العالم، ليس فقط بالعدوان على إيران، بل أيضاً بالسلوكيات التدميرية الأخرى التي تنتهجها دولتها المارقة التابعة.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.