"فورين بوليسي": هوس ترامب بفنزويلا لا يتعلق بالنفط.. فماذا إذا؟
هناك العديد من الأسباب التي تجعل إدارة ترامب تسعى إلى تغيير النظام في كاراكاس، لكن النفط الثقيل ليس واحدا منها.
-
"فورين بوليسي": هوس ترامب بفنزويلا لا يتعلق بالنفط.. فماذا إذا؟
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول الأسباب الخفية وراء الحشد العسكري الأميركي ضد فنزويلا، المبرر رسمياً بمكافحة تهريب المخدرات.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
مهما كانت نوايا الولايات المتحدة بشأن فنزويلا، فمن المرجح أنها لا تستهدف نفط البلاد.
هناك الكثير من التكهنات حول اهتمام الولايات المتحدة بأكبر احتياطيات نفطية في العالم. وقد خيمت ظلال مماثلة على الولايات المتحدة مع بوليفيا وليثيومها في عام 2019، نظريات لا أساس لها من الصحة ولا حدود لها.
ومع ذلك، هناك ما يدعو للتساؤل، بالنظر إلى شكوى الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتكررة بأنّ الولايات المتحدة كان ينبغي أن "تمنع النفط" عن العراق بعد الغزو الأميركي، ولأن المصالح التجارية تبدو وكأنها تُملي الكثير من سياسة ترامب الخارجية.
ولكن بينما قال بعض المشرعين الجمهوريين إنّ ثروات فنزويلا النفطية هي سبب الغزو، فإن هذا ليس الخط الرسمي لإدارة ترامب. في الواقع، جاء أوضح نداء حول وجود تهديد للنفط الفنزويلي (باستثناء الدول المجاورة) من نظام كاراكاس نفسه، في رسالة أُرسلت إلى "أوبك" اتهمت واشنطن بالسعي لسرقة الثروة المعدنية للبلاد.
قال بيدرو بوريلي، العضو السابق في مجلس إدارة شركة النفط الحكومية الفنزويلية والمستشار لجماعات المعارضة الفنزويلية: "إنها رواية النظام الفنزويلي. لم يصدر أي بيان رسمي أميركي بشأن السعي للحصول على نفط فنزويلا".
السبب المعلن لإدارة ترامب للحشد العسكري في المنطقة، والذي يشمل مجموعة حاملة طائرات هجومية و15 ألف جندي، هو مكافحة تهريب المخدرات. لكن يصعب التوفيق بين هذا التبرير وإصدار ترامب عفواً رئاسياً هذا الأسبوع عن رئيس هندوراس السابق، الذي كان أحد أكبر مهربي المخدرات على الإطلاق.
في وقت متأخر من يوم الاثنين، اجتمع فريق الأمن القومي الأميركي لتخطيط خطواته المقبلة بشأن فنزويلا، عقب مكالمة هاتفية غير مثمرة أُجريت أواخر تشرين الثاني/نوفمبر بين ترامب والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، حسبما ورد. وتعيش البلاد والمنطقة بأسرها حالة من التوتر، خوفاً من تدخل أميركي ورعباً مما قد يترتب على ذلك.
هناك 303 مليارات سبب للاعتقاد بأنّ للولايات المتحدة دوافع خفية في فنزويلا، لأنّ هذا هو عدد براميل النفط التي تمتلكها البلاد كاحتياطيات مؤكدة، وهي الأكبر في العالم. وتمثل فنزويلا وحدها نحو 17% من احتياطيات النفط العالمية.
تكمن المشكلة في أن إنتاج النفط في فنزويلا لا يتجاوز 1% من إجمالي إنتاج النفط العالمي. وقد أزعج هذا التفاوت مادورو، ومن قبله هوغو تشافيز، وجميع قادة فنزويلا منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي. وهذا التفاوت تحديداً هو ما دفع أحد المشرعين الجمهوريين الأميركيين إلى توقع "يوم حافل" لشركات النفط الأميركية وشركات خدمات النفط بمجرد انتهاء الثورة البوليفارية.
فنزويلا غنية بالنفط، وقد عُثر عليه بالفعل. يُعدّ حزام "أورينوكو"، من النفط الثقيل الشبيه بالقطران، مقبرةً للديناصورات، وأحياناً شاهداً على عظمة شركات النفط التي تأتي للتنقيب. "شيفرون"، شركة النفط الأميركية الوحيدة التي تعمل هناك، لا تُدرج إنتاجها الفنزويلي في أرقامها الفصلية والسنوية؛ وفنزويلا حالةٌ خاصةٌ جداً.
قال جاك روسو، محلل نفطي في شركة "كلير فيو إنرجي بارتنرز"، وهي شركة استشارية مقرها واشنطن العاصمة: "الشيء الوحيد المؤكد هو وجود النفط". لكنه ليس نفطاً جيداً. إنه طينيّ ومحمّل بالكبريت، ويتطلب التعدين، وليس حتى الحفر، لاستخراجه. ميزته الوحيدة، من منظور أميركي، هي أن مجمع التكرير على ساحل الخليج، الذي بلغت تكلفته مليارات الدولارات، والذي بُني عندما كانت الولايات المتحدة لا تزال مستورداً صافياً للنفط، مُصمم خصيصاً للنفط الخام، وليس للنفط الخفيف الحلو الذي يتدفق من آبار تكساس.
باختصار، هناك نفط عالي الجودة وآخر منخفض الجودة، وهذا النفط في فنزويلا منخفض الجودة إلى حد كبير. لكن ما حدث هو أن مصافي التكرير في الخليج بُنيت لمعالجة النفط منخفض الجودة، كما قال روسو.
مع انخفاض إنتاج المكسيك من النفط الثقيل وبقاء كندا حبيسة، فإن ذلك يترك خيارات قليلة لمصافي النفط الأميركية التي تشعر بالقلق، على الرغم من وفرة النفط العالمية، من حدوث عجز في العام المقبل، إذا أدت العقوبات المفروضة على إيران وروسيا إلى إزالة ملايين البراميل من السوق. لا يحب ترامب أشياء كثيرة، ولكن من بين الأشياء التي يكرهها أكثر ارتفاع أسعار البنزين.
قال فرانسيسكو مونالدي، الخبير في صناعة النفط الفنزويلية بجامعة رايس: "إذا ارتفع إنتاج النفط الأميركي في هضاب حوض برميان، وارتفع الطلب على النفط بالفعل، فلن يكون هناك سوى عدد قليل من الأماكن التي يمكنها توفير تلك البراميل".
لكن هذا لا يعني أن الحشد العسكري الأميركي في منطقة البحر الكاريبي يهدف إلى الوصول إلى ذلك النفط.
بدايةً، تُعدّ الولايات المتحدة بالفعل أكبر منتج للنفط في العالم، حيث تضخّ ما يقرب من 14 مليون برميل يومياً. أما فنزويلا، فلا تستطيع إنتاج مليون برميل يومياً، على الرغم من ثرواتها الكامنة.
علاوةً على ذلك، يبدو أن لدى إدارة ترامب، وخاصةً وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ماركو روبيو، أولويات أخرى، تشمل إعادة تشكيل نصف الكرة الغربي والقضاء على أشباح فيدل كاسترو من خلال الإطاحة بالأنظمة الاشتراكية والشيوعية، بما في ذلك النظام الذي حكم فنزويلا لعقود ورفع لفترة وجيزة راية الثورة الإقليمية.
قال مونالدي: "لا أعتقد أن الأمر يتعلق بالنفط. أعتقد أنه يتعلق في الغالب بالأجندة الأوسع". "لدى روبيو نفوذ محدود للغاية في بعض المجالات، لكنه في هذا المجال، وجد طريقة لترويج استراتيجيته لدى ناخبي حملة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (MAGA)".
لصناعة النفط الفنزويلية مستقبلٌ واعد، سواءٌ بالتدخل العسكري الأميركي أو بدونه، لكنها تتطلب استثماراتٍ كبيرةً وصبراً طويلاً ووقتاً طويلاً. ستكون الشركات الأميركية، مثل نظيراتها الإسبانية والإيطالية والصينية، موضع ترحيب، وربما أكثر من غيرها.
وقال بوريلي: "علينا استثمار مليارات الدولارات على مدى سنواتٍ لاستخراج النفط من فنزويلا، بمجرد أن نضع قواعدَ عمليةً وموثوقةً. لكن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.