"ميدل إيست آي": حزن وخوف في مستشفى اللاذقية

عائلات علوية حزينة تستعيد جثث أحبّائها تحت أنظار قوات الأمن السورية، وشهود يروون أحداث الساحل السوري.

0:00
  • عائلات علوية حزينة تستعيد جثث أحبائها تحت أنظار قوات الأمن السورية
    عائلات علوية حزينة تستعيد جثث أحبّائها تحت أنظار قوات الأمن السورية

لا يزال الحضور الأمني اليقظ مستمرّاً للسلطات السورية الجديدة في المستشفى الوطني في مدينة اللاذقية الساحلية في معقل طائفة العلويين السوريين، الذين يتوافدون تحت هول الصدمة للتعرّف إلى جثث أحبّائهم وأقربائهم، الذين قتلوا في موجة العنف الأخيرة والأكثر دموية في البلاد منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد. وكانت التوترات قد بدأت بهجوم لموالين للأسد ومعظمهم من العلويين، تحوّلت إلى هجمات انتقامية ضدّ المدنيين، ممّا أسفر عن مقتل المئات ونزوح الآلاف، واستُهدف المدنيون الذين ينتمون إلى الطائفة العلوية على نحو خاص.

ويقول موظّفو الرعاية الصحية، إنّ قوّات الأمن متمركزة في المستشفى منذ الـ6 من الشهر الجاري عندما اندلعت أعمال العنف وهي مستمرّة منذ ذلك الحين.

الخوف يظهر على الوجوه

بعد يوم من انتهاء العمليات العسكرية للحكومة في صباح يوم الـ11 من الشهر الجاري، هرع أبناء العائلات التي أصابها الإرهاب إلى المستشفيات على الساحل الغربي لسوريا للعثور على جثامين أحبّائهم، وهم خائفون من التصريح والتعبير عن مشاعرهم. في المستشفى الوطني، وصل رجل إلى المشرحة لاستلام جثّتي أحد شقيقيه اللذين قتلا وجثمان جاره، وحين سئل عن الجناة، نظر إلى رجل مسلّح يرتدي قناعاً يخفي نصف وجهه ويتنصّت عليه وأجاب بصوت خافت، "ربّما لصوص، لا أعرف حقّاً". كذلك، تمّ نهر أمّ تحاول التعرّف إلى جثمان ابنها من قبل زوجها، "لا تشاركي أيّ معلومات، لأنّه يمكن أن يعرّضنا للخطر". بينما وقفت أمّ أخرى تدعى ريم في مكان قريب مع جارتها كلّ منهنّ هناك لاستعادة جثّة ابنها والصمت يخيّم على المكان، حيث أشار جارها إلى المتوفّى بأنّه "ابننا"، إنّه قتل قبل يومين على يد "رجال مسلّحين".

وبالرغم من خوف أهالي الضحايا الواضح ورقابة العناصر المسلّحة، سرّبت لنا "ريم" التي غُيّر اسمها لحمايتها رقم هاتفها لتخبرنا ما حدث معها.

لم يحمل سلاحاً أبداً

قالت ريم بحرقة وصدمة: "خرج ابني لقضاء أمسية مع أصدقائه، وهو طالب هندسة بعمر 19 عاماً تمنّى أن لا اتّصل به، وأن لا أقلق عليه، وحين لم يعد إلى البيت انتابني القلق، وقرّرت الاتّصال في صباح اليوم التالي. سألته بارتياب: أحمد؟. وبدلاً من سماع صوت ابنها، سمعت صوتاً غريباً يعرّف عن نفسه بأنّه أحد أفراد الأمن العامّ قائلاً: "لقد قُتل ابنك برصاصة في رأسه. لقد كان موالياً للنظام".

وعلى أمل أن يكون هناك خطأ ما قالت رِيم "لم يخدم ابني حتى في الجيش".. هل يمكنك وصف ملابسه؟ أجاب الرجل: "يرتدي بنطالاً وسترة سوداء". وفي ذلك الصباح، وجدت ريم ابنها في المشرحة.

وذكرت ريم: "عندما اقتادوني إلى هناك، كانت الجثث تغطّي الأرض. لكنّني كنت محظوظة. كان ابني في ثلّاجة". وأضافت: "لم يحمل ابني سلاحاً قطّ. كان لا يزال طفلاً". وخوفاً من الانتقام، قرّرت ريم عدم إقامة جنازة، بينما أعطتها السلطات السورية مهلة يومين لنقل جثّة ابنها.

طمأنة الأقلّيات 

تتزايد الضغوط على الحكومة السورية والرئيس المؤقّت أحمد الشرع، للتحقيق في مقتل ما لا يقلّ عن 1500 مدني، بينهم نساء وأطفال وعائلات بأكملها. وقالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إنّ ما لا يقلّ عن 803 عمليات قتل خارج نطاق القضاء ارتكبت من قبل جميع الأطراف المشاركة في الاشتباكات.

ويمثّل العنف الطائفي في القرى التي تضمّ مجتمعات علوية كبيرة أكبر تحدّ للشرع منذ وصوله إلى السلطة بعد الإطاحة بالأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقال آرون لوند المحلّل في "سنشري إنترناشونال"، إنّ العنف أظهر هشاشة القوّة الجديدة التي يدعمها جزئياً "إسلاميون معادون للعلويين".

وأضاف لوند، عن أنّ خطاب الرئيس المؤقّت كان يهدف إلى طمأنة الأقلّيات والدعوة إلى الاسترضاء، حتّى لو لم يتمّ "تبنّي هذا النهج بشكل موحّد من قبل جميع الفصائل الخاضعة لقيادته.

وفي المستشفى الوطني في اللاذقية، كان واضحاً انزعاج وتوتّر المسؤولين الطبيين والإداريين، الذين قال أحدهم إنّه "لا يسمح لنا بإجراء مقابلات"، مشيراً إلى أنّه لم يتمّ إصدار أيّ إحصائيات عن عدد الضحايا والجرحى رسمياً.

مستشفى اللاذقية قاعدة للمسلّحين

وتحدّثت طبيبة شابة مرعوبة وهي جالسة في سيارة متوقّفة على الساحل المهجور في يوم مشمس عن محنتها منذ اندلاع العنف، كما هو حال 50 موظّفاً آخرين، لم يغادروا المستشفى، وباتت هناك في أثناء الاشتباكات خوفاً على سلامتها. وروت أنّها شاهدت مريضاً جاء إلى المستشفى لإجراء فحص بالأشعة حيث تعرّض أمام عينيها للضرب على وجهه وصدره، بتهمة الولاء للأسد.

وانتقد طبيب آخر تدخّل القوّات الأمنية في عمليات المستشفى. وقال: "إنّهم يدخلون مسلّحين ويستجوبون المرضى. ويضيف: "لقد أصبح المستشفى قاعدتهم العسكرية، يأتون ويذهبون مسلّحين، ولا نستطيع حتى تحديد انتماءاتهم". وكان العديد من الموظّفين أكّدوا ما قاله زملاؤهم لموقع "ميدل إيست آي".

ومنذ سقوط النظام السابق، تتزايد أجواء انعدام الثقة بين الطوائف المختلفة على خلفيّة 14 عاماً من الحرب الأهلية.

الشعور بالأمان

قال طبيب عن الخوف الأمني الذي يعانونه الآن: "في كلّ مرّة أغادر منزلي متّجهاً إلى المستشفى، أرى الخوف في عيني أمي من أن تكون هذه هي المرّة الأخيرة التي تراني فيها".

وكان مسؤول صحي في اللاذقية قد أرسل رسالة صوتية في الـ 11 من الشهر الجاري بعد انحسار الأحداث، وقال: "عادت الأوضاع إلى طبيعتها. نرصد الآن حالات الغياب. البلد آمن إن شاء الله". ثمّ أكّد برسالة لاحقة، "الطرق سالكة، لا مزيد من الأعذار".

وكان قد عُيّن نائباً لرئيس المستشفى، الذي يغلب على طاقمه موظّفون من الطائفة العلوية، من قبل السلطات الجديدة، وهو الدكتور معتزّ فاضلية، قبل شهر. وبينما كان يجلس في مكتبه، حيث كان العلم السوري الجديد ذو النجوم الثلاث معلّقاً على الحائط، بدا متردّداً في مناقشة الأحداث الأخيرة، ولم يذكر سوى "المئة جريح الذين عولجوا هنا في اليومين الأولين، وهم جنود وأفراد من الأمن العامّ والجيش السوري"، من دون أن يذكر الضحايا المدنيين.

وفي اليوم الـ9 من الشهر الجاري، أعلن الشرع عن تشكيل لجنة "مستقلة" للتحقيق في الاضطرابات الأخيرة في المنطقة الساحلية، بما في ذلك ما أدّى إلى اندلاعها، والانتهاكات ضدّ المدنيين والهجمات على المؤسّسات. ولكنّ هذا لم يفعل الكثير لطمأنة المجتمع العلوي. وتقول طبيبة تحدّثنا إليها سابقاً: "أنا لا أثق به". 

نقله إلى العربية: حسين قطايا.