"نيويورك تايمز": "مبدأ دونرو".. كيف يسعى ترامب للسيطرة على نصف الكرة الغربي؟
عزّز الرئيس ترامب قبضة الولايات المتحدة على الأميركيتين بمكافأة الحلفاء ومعاقبة المنافسين، مما قلب سياسات المنطقة رأساً على عقب.
-
"نيويورك تايمز": "مبدأ دونرو".. كيف يسعى ترامب للسيطرة على نصف الكرة الغربي؟
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول السياسة الخارجية للولايات المتحدة تحت حكم الرئيس ترامب عام 2025، حيث يجعل من نصف الكرة الغربي (الأميركيتين) المسرح المركزي لنفوذ الولايات المتحدة، عبر مزيج من الضغط العسكري، والاقتصادي، والعقوبات، والتحالفات الانتقائية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لقد افتتح الرئيس ترامب عام 2025 بتعهّدات بالاستيلاء على قناة بنما، والسيطرة على جزيرة غرينلاند، وإعادة تسمية خليج المكسيك بخليج أميركا. وها هو يختتمه بقصف السفن المقبلة من أميركا الجنوبية، وإرسال أكبر حاملة طائرات في العالم في منطقة البحر الكاريبي، واستكشاف الخيارات العسكرية ضدّ زعيم فنزويلا.
وفي تحوّل جذريّ في السياسة الخارجية الأميركية التي استمرّت لعقود، غدا نصف الكرة الغربي المسرح الرئيس للتدخّلات الخارجية للولايات المتحدة. فإلى جانب التهديدات والإجراءات العسكرية، فرض البيت الأبيض هذا العام رسوماً جمركية عقابية وعقوبات قاسية وحملات ضغط وعمليات إنقاذ اقتصادي في جميع أنحاء الأميركيتين. وقد صرّح ترامب بأنه يسعى لمنع دخول المخدّرات والمهاجرين إلى الولايات المتحدة. لكن في مناسبات أخرى، كان كبار مسؤولي الإدارة يُعلنون أنّ هدفهم الرئيس يتمثّل في ترسيخ الهيمنة الأميركية على نصف الكرة الأرضية.
وفي هذا السياق، قال ماوريسيو كلافير- كاروني، المبعوث الخاص لترامب إلى أميركا اللاتينية حتى حزيران/يونيو والذي لا يزال يقدّم المشورة للبيت الأبيض: "يعتقد بأنّ هذا هو الحيّ الذي نعيش فيه. ولا يمكنك أن تكون القوة العالمية المهيمنة إذا لم تكن القوة الإقليمية المهيمنة".
لطالما حاولت الولايات المتحدة قلب الموازين في أميركا اللاتينية، بحيث دعمت الانقلابات العسكرية، ونفّذت عمليات سرية، وغزت قناة بنما. وكثيراً ما ارتبطت السياسة الخارجية الأميركية بالأيديولوجيا. فخلال الحرب الباردة، بُذلت جهود لدعم الرأسمالية، حتى لو كان ذلك يعني دعم الزعماء الديكتاتوريين. وفي العقود الأخيرة، ومع تحوّل الاهتمام إلى الحروب والمنافسة في النصف الآخر من الكرة الأرضية، انصبّ التركيز على الديمقراطية والتجارة الحرّة في أميركا اللاتينية.
يبدو نهج ترامب عملياً بحتاً: فماذا ستستفيد الولايات المتحدة من ذلك؟
إنّ تعزيز السيطرة على نصف الكرة الأرضية، ولا سيّما أميركا اللاتينية، يعِد بمنافع جمّة. فالموارد الطبيعية الوفيرة، والمواقع الأمنية الاستراتيجية، والأسواق المربحة، كلّها عوامل مؤثّرة. وبدعم من فريق من المتشدّدين ذوي التاريخ الطويل في أميركا اللاتينية، وأبرزهم وزير الخارجية ماركو روبيو، يُجري ترامب إصلاحاً شاملاً للسياسة الأميركية في المنطقة سعياً لانتزاع هذه الغنائم.
وقد تجلّى التأثير في إعادة ترتيب السياسات في جميع أنحاء الأميركيتين. فلجأ عدد من القادة إلى الالتفاف نحو ترامب والانحياز إليه - محقّقين في كثير من الأحيان مكاسب كبيرة في المقابل - أو راهنوا على حكوماتهم لتحدّيه. وبدأ عدد من المراقبين يطلقون على النهج الأميركي الجديد اسم "مبدأ دونرو" - وهو مصطلح ظهر على غلاف صحيفة "نيويورك بوست" في كانون الثاني/يناير - وهو تحريف ترامبي لفكرة من القرن الـ19.
في عام 1823، طمح الرئيس جيمس مونرو إلى منع القوى الأوروبية من التدخّل في شؤون نصف الكرة الأرضية. وفي عام 2025، ستكون الصين، التي بنت نفوذاً سياسياً واقتصادياً هائلاً في أميركا اللاتينية على مدى العقود القليلة الماضية، القوة المنافسة. ويعتقد بعض محلّلي السياسة الخارجية أنّ ترامب يسعى إلى تقسيم العالم مع الصين وروسيا إلى مناطق نفوذ. وفي الأشهر الأخيرة، شرح كبار المسؤولين الأميركيين استراتيجيتهم بهذه العبارات. وقد كتب وزير الدفاع بيت هيغسيث يوم الخميس: "نصف الكرة الغربي هو جوار أميركا وسنحميه".
بالنسبة لرئيس نشأ في نيويورك، حيث يتنافس رجال الأعمال والساسة وزعماء المافيا على النفوذ - فإنّ السيطرة على حيّ يُعدّ أمراً بديهياً، كما يقول مسؤولون ومحلّلون سابقون. وفي هذا الصدد، يقول جون فيلي، السفير الأميركي السابق في بنما: "إنه يترجم هذه الرؤية النيويوركية الضيّقة إلى رؤية عالمية. وإذا وضعنا الأمر في سياقه الحالي، فإنّ الأميركيتين تُمثّلان مجال نفوذه".
إذاً، كيف يتمّ ضمان هذا النفوذ؟
لقد أوقف البيت الأبيض الكثير من برامج المساعدة المُصمّمة لتعزيز النفوذ وحسن النية في جميع أنحاء أميركا اللاتينية. وبدلاً من ذلك، يبدو أنّ ترامب يُركّز على حشد حلفائه في المنطقة، أو على الأقلّ الحكومات المُطيعة. ولتحقيق هذه الغاية، كافأ القادة الذين استجابوا لمطالبه وعاقب أولئك الذين لم يستجيبوا.
فعلى سبيل المثال، خاض الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي حملة انتخابة تحت شعار "لنجعل الأرجنتين عظيمةً مرة أخرى" وتساءل عن سبب خسارة ترامب في انتخابات عام 2020. وعندما كانت حكومته تتأرجح على حافة أزمة اقتصادية الشهر الماضي، وصلت إدارة ترامب بخطة إنقاذ بقيمة 20 مليار دولار، وفي انتخابات التجديد النصفي التي تلت، حقّق حزب ميلي فوزاً ساحقاً. وفي اليوم التالي، نسب ترامب الفضل لنفسه. وقال للصحافيين: "إننا نُحكم قبضتنا على أميركا اللاتينية بشكل كبير". ويوم الخميس، أعلن ترامب وميلي عن إطار صفقة تجارية من شأنها أن تمنح الولايات المتحدة وصولاً أكبر إلى المعادن المهمّة في الأرجنتين.
وفي السلفادور، وافق الرئيس نجيب بقيلة على استقبال أكثر من 200 فنزويلي مُرحَّل في سجن شديد الحراسة في بلاده، في حين لم تكن أيّ دولة أخرى ترغب في استقبالهم. وأشاد ترامب بالرئيس بقيلة على الفور أمام عدسات الكاميرات في المكتب البيضاوي؛ وفي خطوة بالغة الأهمية لقطاع السياحة في السلفادور، رفعت وزارة الخارجية تحذيرها بشأن السفر إلى البلاد.
وبالنسبة للكثيرين، كان التقرّب من ترامب استراتيجية رابحة. فقد أبرمت كلّ من السلفادور والإكوادور وغواتيمالا الأسبوع الفائت اتفاقيات تجارية جديدة. أما الرئيس بقيلة، الذي أشرف على حملة قمع واسعة النطاق في بلاده، فقد حصل على ما أراده أيضاً؛ وهو عودة زعماء عصابة "إم إس-13" (MS-13) المحتجزين في الولايات المتحدة. وكان مسؤولون أميركيون قد عثروا في وقت سابق على أدلة تكشف عن مفاوضات سرية بين حكومة بقيلة وزعماء العصابات؛ وقد نفى وجود أيّ اتفاق معهم. وفي النهاية، تجنّبت بنما تهديدات ترامب، وساعدت علاقتها الإيجابية مع واشنطن بعض قادة أميركا اللاتينية على البقاء ضمن الأكثر شعبية في المنطقة، ويبدو أنّ شخصيات يمينية أخرى تنتظر دورها للصعود.
وقد أنهت بوليفيا عقدين من الحكم اليساري الشهر الماضي، في انتخاباتٍ احتفل بها المسؤولون الأميركيون. ويبدو أنّ تشيلي توشك على انتخاب رئيس يميني يعتمد على ترامب. وقد سعى مسؤولو ترامب إلى دعم مرشّح بارز لرئاسة البيرو، وهو عمدة يميني يُعرف باسم بوركي، بالتزامن مع إقامته حفل تأبين لتشارلي كيرك، الناشط المحافظ الذي اغتيل في أيلول/سبتمبر.
في المقابل، فُرضت عقوبات على البلدان التي لم تتعاون مع طلبات ترامب. فقد عمل البيت الأبيض على معاقبة الحكومات اليسارية الـ3 في أميركا اللاتينية، وهدّد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات النيكاراغوية، ما زاد من عزلة كوبا، وبدأ حملة ضغط مكثّفة ضدّ فنزويلا. ووصف المسؤولون الأميركيون الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، بالهارب، وعرضوا مكافأة قدرها 50 مليون دولار لمن يقبض عليه. وفي الأسابيع الأخيرة، كان ترامب يدرس شنّ غارات برية واستخدام قوات العمليات الخاصة هناك. وفي الوقت نفسه، عزّز الجيش الأميركي وجوده الأكبر في نصف الكرة الأرضية منذ عقود، بأكثر من 15 ألف جندي. وفي الأسبوع الماضي، نقلت البحرية أكبر حاملة طائرات لها إلى مسافة قريبة من فنزويلا.
منذ أيلول/سبتمبر، نفّذ الجيش الأميركي 21 غارة جوية ضدّ زوارق سريعة زعم أنها تنقل المخدّرات، ما أسفر عن مقتل 83 شخصاً. ولم يقدّم المسؤولون الأميركيون أدلة على أنّ هذه الزوارق كانت تُهرّب المخدّرات. كما تمّ استخدام هذه الحملة الاستثنائية للغاية، التي أثارت مخاوف الكونغرس وبلدان أخرى بشأن شرعيّتها، للضغط على دول أخرى.
وفي كولومبيا، على سبيل المثال، أصبح الرئيس غوستافو بيترو أحد أبرز منتقدي ترامب وأحد أهدافه. فبعد أن انتقد الرئيس اليساري بيترو إضرابات القوارب، أوقفت الولايات المتحدة المساعدات، وهاجم جيشها قارباً مقبلاً من كولومبيا. ثمّ فرضت وزارة الخزانة عقوبات على بيترو، متهمةً إياه بتهريب المخدّرات؛ فتراجعت شعبيته. ويرى المحللون أنّ البلاد قد تتجه نحو اليمين في انتخابات العام المقبل.
وفي إشارة إلى تأثير ترامب، أُلغيت قمة الأميركيتين، المنتدى الدبلوماسي الأبرز في نصف الكرة الأرضية، هذا الشهر بشكل مفاجئ للمرة الأولى في تاريخها الممتد لـ31 عاماً. وقد أشار المنظّمون إلى وجود "انقسامات عميقة تُعيق الحوار البنّاء في الوقت الراهن". وعندما يتعلّق الأمر بالجهات الفاعلة الكبرى في نصف الكرة الأرضية، وجد ترامب حدوداً لاستراتيجيته القائمة على الضغط والتهديدات.
وباعتبارهما أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة، تتمتع المكسيك وكندا بنفوذ هائل. وقد وجدت كلّ منهما سبلاً للامتثال لبعض مطالب ترامب مع التمسّك ببعضها الآخر. وقد استفاد رئيسا الدولتين، وكلاهما ينتمي إلى أحزاب يسارية، سياسياً من نهجهما تجاه ترامب.
إلا أنّ البرازيل تُمثّل الاختبار الأقوى لنهج ترامب. ففي تموز/يوليو، فرض على البلاد رسوماً جمركية وعقوبات بنسبة 50%، في محاولة لوقف الملاحقة الجنائية التي تُجريها الحكومة البرازيلية للرئيس السابق جايير بولسونارو، حليف ترامب. وسارع الرئيس البرازيلي الحالي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إلى انتقاد ترامب، وشهد ارتفاعاً في شعبيته في استطلاعات الرأي. ثم أدانت البرازيل بولسونارو بمحاولة الانقلاب، وحكمت عليه بالسجن 27 عاماً. وبعد أسابيع، غيّر ترامب موقفه فجأةً والتقى الرئيس لولا وأعرب عن إعجابه به. وفي الوقت الراهن، تتفاوض الدولتان على إلغاء الرسوم الجمركية.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.