"نيويورك تايمز": الجيش الأميركي قد يجد نفسه في موقف لا يطاق
مسألة المقاومة الأخلاقية تقع على عاتق الضباط الميدانيين، الذين قد يجبرون على الاختيار بين الطاعة المهنية والنزاهة المهنية.
-
ترامب أمر بنشر الجيش في لوس أنجلوس
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول قضية الصراع بين الطاعة القانونية والانضباط الأخلاقي في الجيش الأميركي، في سياق استخدام القوات المسلحة في لوس أنجلوس.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
هل يخالف ضابط عسكري أمراً قانونياً، ولكنه غير أخلاقي بمعنى انتهاكه قواعد المهنة المدوّنة، ربما نكون على وشك اكتشاف ذلك.
لقد أرسلت إدارة ترامب قوات مشاة البحرية للانضمام إلى قوات الحرس الوطني في مدينة لوس أنجلوس لأجل المساعدة على حماية "الوظائف والممتلكات الفيدرالية"، كما نصّت مذكّرة الرئيس، وليس للمشاركة في أعمال الشرطة المحلية على نطاق أوسع. لكنّ هذا الوضع قد يتغيّر بسرعة.
عموماً إذا أمر الرئيس الجنود بالمشاركة في أعمال الشرطة المحلّية، فالأمر سيكون قانونياً على الأرجح. ولا يقتصر الأمر على تمتّع الرئيس بسلطة دستورية لحماية الممتلكات والوظائف الفيدرالية، بل إنّ قانون التمرّد لعام 1807 يضع أيضاً معايير متدنّية للغاية لنشر الجيش لإنفاذ القانون المحلّي. إضافة إلى أنّ الأخلاقيات العسكرية تفرض على الضباط الامتثال للأوامر القانونية، من ضمنها امتثالهم للمشاركة في أعمال الشرطة المحلّية.
مع ذلك، إذا أمر الرئيس الضباط بالانخراط في أعمال الشرطة المحلّية غير الضرورية، لأنّ سلطات إنفاذ القانون المحلية تستطيع التعامل معها وحدها بكفاءة، فسيكون الأمر قانونياً، ولكن وفقاً لقواعد السلوك المهني للضباط، سيكون أيضاً غير أخلاقي. فالأخلاقيات العسكرية تنصّ على أنّ الضباط يتوجّب عليهم رفض الأوامر غير الأخلاقية. وفي مثل هذا الوضع، قد يقع الضباط العسكريون في تناقض صارخ، لأنّ واجبهم المهني يفرض عليهم الامتثال والتحدّي في آن واحد.
تتطلّب الأخلاقيات المهنية العسكرية الحياد، لمنع استخدام الجيش كأداة سياسية ممّا يهدّد هدفه المتمثّل في خدمة المصلحة الوطنية. وهذه الأخلاقيات نفسها أيضاً تؤطّر أعمال الجيش في مجال تخصّصه القتالي. فبالنسبة للجنود ومشاة البحرية، تتمثّل الكفاءة في هزيمة الأعداء، وغالباً ما يكون القتل انتصاراً. ولا ينطبق الأمر نفسه على الشرطة الداخلية التي تسعى لتقليل استخدام القوة المميتة إلى أدنى حدّ.
ولأنّ خبرة الشرطة المحلية محدودة في هذا المجال، فإنّ القوات المسلّحة "حدّدت دورها بدقّة في إنفاذ القانون"، كما هو موضّح في رسالة مفتوحة عام 2022، وقّعتها مجموعة من الحزبين من وزراء الدفاع السابقين ورؤساء هيئة الأركان المشتركة، وهي تنصّ على ألّا يستخدم جنود الخدمة الفعلية في إنفاذ القانون إلّا "كملاذ أخير"، كما أوضح مارك إسبر، وزير الدفاع في أواخر إدارة ترامب الأولى، في مؤتمر صحفي أعلن فيه معارضته لنشر قوات عسكرية محلّياً خلال الاضطرابات المدنية في الولايات المتحدة عام 2020، ثمّ أقاله ترامب من منصبه في وقت لاحق.
لكن، ماذا يفترض أن يفعله الضباط العسكريون إذا أمروا قانونياً بانتهاك أخلاقياتهم المهنية. في القوات المسلحة، تعالج عقيدة الجيش المشكلة على نحو شامل، ولا تقدّم سوى القليل من المساعدة. تنصّ على، "نخدم بشرف، وفقاً لأخلاقيات الجيش تحت سلطة مدنية، مع الالتزام بقوانين الدولة وجميع الأوامر القانونية، ورفض الأوامر أو الأفعال غير القانونية أو غير الأخلاقية، ونبلّغ عنها. ويوضّح هذا المقطع التناقض بين الطاعة والعصيان في آن واحد للأوامر القانونية الأخلاقية وعكسها تماماً،ممّا يترك الضباط من دون إجابة واضحة حول كيفية المضي قدماً.
لقد انخرط خبراء العلاقات المدنية العسكرية في نقاشات مطوّلة حول هذه القضية. فالذين يؤيّدون الطاعة يؤكّدون أهمّية السيطرة المدنية على الجيش، بينما يردّ مؤيّدو العصيان بأنّ أخلاقيات الجيش لا تحمي فقط السيطرة المدنية على الجيش، بل تحمي أيضاً من إساءة استخدام الجيش ضدّ المدنية.
يقول أبرز الباحثين في العلاقات المدنية العسكرية صموئيل ب. هنتنغتون إنّ هذه المعضلة لا يمكن حلّها. وفي السنوات الأخيرة، عندما هدّدت هذه المشكلة بقطع العلاقات المدنية العسكرية، تدخّلت سلطات رفيعة المستوى لنزع فتيل الأزمة، كما حدث عندما استعان الوزير إسبر علناً بالمبادئ الأخلاقية للجيش لمعارضة نشر الجيش محلّياً في عام 2020. وربّما أنقذ الوزير حينها الجنود من صعوبة الاضطرار إلى اتخاذ قرار بشأن عصيان أمر تنفيذي مباشر.
في ولايته الثانية، كان ترامب أكثر حرصاً على وضع الموالين في مناصب السلطة. هذا يعني أنّ مسألة المقاومة الأخلاقية قد تقع على عاتق الضباط الميدانيين، الذين قد يجبرون على الاختيار بين الطاعة المهنية والنزاهة المهنية، بين واجبهم تجاه القائد العامّ وتجاه الشعب الأميركي. إنّه مأزق مأساوي لهم وللجيش وللديمقراطية الأميركية.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.