"نيويورك تايمز": نتنياهو يواجه أزمة سياسية بسبب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
مع معارضة شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف لإنهاء الحرب وتهديدهم بالانسحاب، قد يضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الاختيار: إما هم أو الاتفاق.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر تقريراً تحدثت فيه عن الأزمة السياسية التي يواجهها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بسبب وقف إطلاق النار في غزّة.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
لم تصادق الحكومة الإسرائيلية على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين "إسرائيل" وحماس حتى يوم الخميس، ولكن المعركة حول مستقبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السياسي بدأت بالفعل.
بعد ساعات من الإعلان عن الاتفاق، واجه السيد نتنياهو تمرداً داخلياً من شركائه اليمينيين المتطرفين في ائتلافه الحاكم الذين يعتمد على دعمهم للبقاء في السلطة.
أعلن إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، مساء الخميس، أنّ حزبه القومي المتطرف "القوة اليهودية" سوف يستقيل من ائتلاف نتنياهو إذا وافقت الحكومة على اتفاق وقف إطلاق النار. وهددت هذه الخطوة بزعزعة استقرار الحكومة في وقت حرج، على الرغم من أنها لن تمنع في حد ذاتها اتفاق غزة من المضي قدماً، فالأغلبية في الحكومة تؤيد اتفاق وقف إطلاق النار، ومن المتوقع أن تتم الموافقة عليه حتى من دون أصوات "القوة اليهودية" وحزب يميني متطرف آخر في الائتلاف، الصهيونية الدينية. كما تعارض الصهيونية الدينية، بقيادة وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الاتفاق بشدة.
ويشغل حزب "القوة اليهودية" ستة مقاعد في البرلمان المكون من 120 مقعداً، وإذا استقال الحزب كما وعد، فسوف يقلص الأغلبية البرلمانية للحكومة إلى أغلبية ضئيلة للغاية من 68 مقعداً إلى 62 مقعداً. وقال بن غفير إنّ حزبه سيعرض إعادة الانضمام إلى الحكومة إذا استأنفت الحرب ضد حماس.
وهدد سموتريتش، الذي يشغل حزبه سبعة مقاعد، بالانسحاب من الحكومة في مرحلة لاحقة إذا انتقل نتنياهو من المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يدعو إلى هدنة لمدة ستة أسابيع، إلى هدنة دائمة.
قد يكون أمام نتنياهو خيار مصيري في الأسابيع المقبلة التي تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي: إما الحفاظ على أغلبيته البرلمانية من خلال استئناف القتال ضد حماس في غزة أو المخاطرة بانهيار الائتلاف في منتصف فترة ولايته الممتدة لأربع سنوات والمقامرة على إجراء انتخابات مبكرة.
وبعد أكثر من 15 شهراً من الحرب المدمرة، ومع اقتراب الرئيس المنتخب دونالد ترامب من تولي منصبه يوم الاثنين، يقول بعض المحللين إنّ إنهاء الصراع في غزة هو خيار أفضل لنتنياهو.
وقال موشيه كلوغهافت، المستشار الاستراتيجي الإسرائيلي ومدير الحملة السياسية الدولية الذي قدم المشورة لنتنياهو في الماضي: "الانتخابات تدور حول قصة"، مضيفاً أنه "في حالة الانتخابات، فإنّ قصة نتنياهو التالية ستكون قصة الحرب والسلام".
ومن المتوقع أن تبدأ المرحلة الأولى من الصفقة يوم الأحد وتستمر ستة أسابيع، حيث من المفترض أن تطلق حماس سراح 33 أسيراً إسرائيلياً في مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين، ومن المفترض أن تعيد القوات الإسرائيلية انتشارها شرقاً، بعيداً من المناطق المأهولة بالسكان في غزة.
وإذا تم تنفيذ المرحلة الثانية، والتي تستمر ستة أسابيع أخرى، فسوف تشهد عودة بقية الأسرى الإسرائيليين إلى ديارهم، بعضهم أحياء وبعضهم متوفون، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة.
لقد ناشدت عائلات الأسرى نتنياهو أن يضع السياسة جانباً ويستكمل اتفاق وقف إطلاق النار. لقد أوضح ترامب أنّه يريد إنهاء الحرب، التي اندلعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
لقد توسطت إدارة ترامب الأولى في تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين "إسرائيل" وثلاث دول عربية. والآن، يتطلع الإسرائيليون إلى احتمال إبرام صفقة أكبر تؤدي إلى علاقات رسمية مع السعودية في ولاية السيد ترامب القادمة، وهو الترتيب الذي من شأنه أن يعزز المحور الإقليمي ضد العدو اللدود لـ "إسرائيل"، إيران.
قال كلوغهافت، إنه يعتقد أنّ هناك "فرصة أكبر لاختيار نتنياهو للمملكة العربية السعودية والانتخابات بدلاً من سموتريتش ومواصلة الحرب".
يريد بن غفير وسموتريتش أن تستمر الحرب في غزة حتى يتم القضاء على حماس. ويأمل الفلسطينيون أن يسيطر "الجيش" الإسرائيلي على قطاع غزّة ليمهد الطريق في نهاية المطاف أمام بناء المستوطنات اليهودية هناك.
ووصف بن غفير الاتفاق بأنه "استسلام" إسرائيلي لحماس، ودعا في بيان مصور سموتريتش إلى مساعدته في جمع الأعداد اللازمة لإحباط الاتفاق من خلال الاستقالة من الحكومة. ولا يملك أي منهما القدرة على إسقاط الحكومة بمفرده.
لقد عقد نتنياهو اجتماعات متكررة ومطولة مع سموتريتش في الأيام الأخيرة لإقناعه بالبقاء في الائتلاف. بعد ثلاث ساعات من المحادثات بين سموتريتش ونواب حزبه يوم الخميس، أصدر الحزب إنذاراً نهائياً يطالب نتنياهو باستئناف الحرب ضد حماس فوراً بعد وقف إطلاق النار الأول لمدة ستة أسابيع كشرط لبقاء سموتريتش في الحكومة.
من ناحية أخرى، أرجأ نتنياهو عقد اجتماع لمجلس الوزراء للتصويت على التصديق على الاتفاق، مشيراً إلى خلافات اللحظة الأخيرة مع حماس حول التفاصيل. وفي وقت مبكر من صباح يوم الجمعة، قال إنّ المفاوضين قد حلّوا خلافاتهم.
إنّ نتنياهو يواجه اتهامات بالفساد في محاكمة مطولة ويواجه خطر مواجهة المحاسبة العامة بمجرد انتهاء الحرب بسبب الفشل العسكري والسياسي في الفترة التي سبقت هجوم 7 أكتوبر. ونظراً للظروف، يعتقد بعض المحللين أنّه سيختار إفساد المرحلة الثانية من الصفقة للحفاظ على ائتلافه سليماً.
قال جاييل تالشير، عالم السياسة في الجامعة العبرية في القدس: "يريد نتنياهو البقاء في السلطة. لا معنى له أن يذهب إلى انتخابات قد لا يفوز بها. إنه يريد عامين آخرين في قيادة الحكومة".
قد يتوصل نتنياهو إلى تفاهمات مع سموتريتش. حتى لو انضم وزير المالية إلى بن غفير في ترك الائتلاف، فقد يظل نتنياهو، على الأقل لفترة من الوقت، رئيساً لحكومة أقلية. يقول زعماء أحزاب المعارضة إنهم سيوفرون لنتنياهو شبكة أمان سياسية من أجل وقف الحرب.
وفي كل الأحوال، من المرجح أن تبقى الحكومة حتى نهاية المرحلة الأولى من الصفقة، كما قال يوهانان بليسنر، رئيس معهد الديمقراطية الإسرائيلي، وهو مجموعة بحثية غير حزبية في القدس. لكن قد يضطر نتنياهو إلى الاختيار بين أغلبيته البرلمانية وعلاقته بالإدارة القادمة في واشنطن، حيث قد يمنحه ترامب والسعودية الفرصة لتلميع إرثه.
وقال بليسنر عن نتنياهو: "أعتقد أن ذهنه قد بدأ بالفعل في الخطوة الكبيرة التالية"، مضيفاً: "إذا كان عليه الاختيار بين علاقة حميمة مع إدارة ترامب وسموتريتش وبن غفير، فسوف يختار ترامب".
وقال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون إنّ الصفقة التي تم التوصل إليها هذا الأسبوع تشبه إلى حد كبير الاقتراح الذي طرحه الرئيس بايدن في أيار/مايو الماضي.
ولقد اتهم منتقدو حكومة نتنياهو، بما في ذلك العديد من عائلات 98 أسيراً ما زالوا محتجزين لدى حماس في غزة، رئيس الوزراء منذ فترة طويلة بتخريب الجهود السابقة للتوصل إلى اتفاق من أجل الحفاظ على ائتلافه. ويبدو أنّ بن غفير أكد هذه الشكوك في بيانه المصور هذا الأسبوع، مؤكداً أنه وسموتريتش استخدما نفوذهما السياسي لإحباط صفقة مماثلة "مرة بعد مرة" على مدار العام الماضي.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.