عودة الجنوبيين إلى أرضهم.. درس في الصمود يتجاوز توقعات الذكاء الاصطناعي

إجابات الذكاء الاصطناعي عن أسئلتنا حول توقّعه لعودة اللبنانيين إلى قرى الجنوب، كيف أتت هذه الإجابات؟ وكيف يتمّ تفسيرها؟

  • عودة الجنوبيين إلى أرضهم.. درس في الصمود يتجاوز توقعات الذكاء الاصطناعي
    عودة الجنوبيين إلى أرضهم.. درس في الصمود يتجاوز توقعات الذكاء الاصطناعي

لم يكن يوم عودة أهالي الجنوب اللبناني إلى قراهم المهجّرة والمهدّمة يوماً عادياً في تاريخ لبنان. في مواجهة واقع مليء بالتحدّيات الأمنية، وسط دمار شبه كامل للبنية التحتية وغياب أيّ ضمانات أمنية حقيقية، قرّر الأهالي كسر قيود الخوف والعودة إلى أراضيهم التي هجّروا منها قسراً خلال العدوان الإسرائيلي.

هذه العودة، التي اتسمت بالإصرار والشجاعة، مثّلت ظاهرة إنسانية عجزت حتى أنظمة الذكاء الاصطناعي عن تحليلها والتنبّؤ بها بدقة، نظراً لتجاهلها للعوامل العاطفية والرمزية العميقة التي تحرّك الشعوب في وجه الاحتلال.

إجابات الذكاء الاصطناعي حول عودة أهالي الجنوب اللبناني

مجموعة أسئلة قمنا بطرحها على الذكاء الاصطناعي، لنتعرّف إلى تقييمه وتوقّعه لعودة الأهالي إلى الجنوب اللبناني برغم بقاء الاحتلال الإسرائيلي وغياب الضمانات الأمنية ونسبة الدمار الواسعة.

السؤال الأول: هل تعتقد أنّ الأهالي سيعودون إلى قراهم رغم المخاطر الأمنية وغياب الضمانات؟

الإجابة كانت تشير إلى أنّ العودة ستكون محدودة للغاية، إن حدثت، بسبب المخاطر الأمنية القائمة وغياب أيّ ضمانات أمنية أو دعم دولي.

السؤال الثاني: ماذا لو شجّع حزب الله الأهالي على العودة؟

التوقّع كان أنّ الدعم المعنوي والسياسي من حزب الله قد يزيد من أعداد العائدين، لكنه سيظلّ ضمن إطار محدود لأنّ المخاطر الأمنية والدمار الهائل ستبقى عوامل مؤثّرة.

السؤال الثالث: ماذا لو لم تكن هناك ضمانات أمنية على الإطلاق؟

التوقّع في هذه الحالة كان يشير إلى أنّ العودة ستكون شبه معدومة، حيث سيخشى الناس من التعرّض للاعتداءات أو الاعتقالات.

السؤال الرابع: هل يمكن للأهالي أن يعودوا رغم المخاطر الأمنية الفعليّة مثل إطلاق النار المباشر؟

الإجابة أشارت إلى أنّ احتمال العودة في ظلّ هذه الظروف كان ضعيفاً للغاية، خاصة مع وقوع شهداء في يوم العودة الأول.

الذكاء الاصطناعي وحدود التوقّع

الذكاء الاصطناعي وتحليل العودة: عجز أمام روح التمسّك بالأرض

يعتمد الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على تحليل البيانات المتوفّرة وتقييم المخاطر بناءً على مؤشّرات ومعطيات مادية، مثل الأمان، الوضع السياسي، والبنية التحتية. في حالة أهالي الجنوب اللبناني الذين تعرّضوا للتهجير القسري نتيجة العدوان الإسرائيلي، كان من المنطقي، بحسب معطيات الذكاء الاصطناعي، أن يتوقّع إحجاماً عن العودة، نظراً إلى مجموعة من العوامل الموضوعية التي كانت تعزّز هذا التصوّر.

الذكاء الاصطناعي، في تحليله لإمكانية عودة أهالي الجنوب اللبناني إلى قراهم المهجّرة، استند إلى مجموعة من العوامل المادية التي جعلت التوقّعات تميل إلى إحجام الناس عن العودة. أولاً، استمرار الاحتلال الإسرائيلي للقرى الحدودية ما شكّل تهديداً أمنياً مباشراً، ودفع أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى افتراض أنّ السكان لن يعودوا قبل زوال هذا التهديد.

ثانياً، نسبة الدمار الهائلة التي بلغت 95% من المنازل في القرى الحدودية اعتُبرت عائقاً رئيسياً أمام العودة، حيث إن انعدام البنية التحتية كان سيصعّب إعادة التوطين ويثبط محاولات العودة الجماعية. بناءً على مقارنة أنظمة الذكاء الاصطناعي مع مسالك شعوب أخرى في حالات مشابهة، فإنّ التوقّعات كانت تميل إلى أنّ الناس سيخافون من المخاطر المادية والأمنية، ويفضّلون البقاء بعيداً عن مناطق النزاع، خاصة في ظلّ غياب أيّ ضمانات حقيقية للأمن أو الاستقرار.

اقرأ أيضاً: إعلام إسرائيلي: مشاهد عودة اللبنانيين إلى قراهم الحدودية مقلقة.. تتحدى قدراتنا الأمنية

الخطأ في توقّع الذكاء الاصطناعي

على الرغم من أنّ التحليلات التي قدّمها الذكاء الاصطناعي استندت إلى معطيات دقيقة ومنطقية، مثل التهديدات الأمنية وغياب البنية التحتية، إلا أنها عجزت عن تفسير العامل الأهم الذي دفع الأهالي للعودة الجماعية، وهو روح التمسّك بالأرض وحبّ الوطن. هذا البعد العاطفي والرمزي الذي شكّل حافزاً قوياً للأهالي، تجاوز المخاوف الأمنية والتحدّيات المادية، وهو ما لم يتمكّن الذكاء الاصطناعي من استيعابه أو دمجه في تحليلاته.

التمسّك بالأرض: العامل الذي تغلّب على التحليل المنطقي

لطالما كان الجنوب اللبناني رمزاً للصمود والمقاومة في وجه مختلف أشكال الاحتلال منذ العهد العثماني وحتى الانتداب الفرنسي والاحتلال الإسرائيلي. هذا التاريخ الغني بالمقاومة رسّخ في نفوس أهالي الجنوب قناعة بأهمية الأرض كرمز للكرامة والهوية. العودة إلى القرى المدمّرة والمهدّمة لم تكن مجرّد استجابة فردية أو مادية، بل هي:

- فعل جماعي يعبّر عن تحدٍ للاحتلال ومحاولته التهجير القسري.

- رسالة واضحة بأنّ الشعوب المتجذّرة في أرضها لا يمكن أن تخضع لأيّ منطق أمني أو سياسي.

هذا الصمود الشعبي يؤكّد أنّ الأرض بالنسبة للجنوبيين ليست مجرّد مكان للعيش، بل هي جوهر الهوية وعمق الارتباط الوطني، وهو ما لا يمكن لأيّ آلة أو نظام ذكي أن يدركه بالكامل.

لماذا عجز الذكاء الاصطناعي؟

1. عدم احتساب العوامل النفسية والتاريخية

الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى القدرة على فهم المشاعر الإنسانية العميقة مثل حبّ الأرض، روح الصمود، والتمسّك بالهوية الوطنية. هذه المشاعر تتجاوز البيانات المادية التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي في تحليلاته. كما أنّ الأبعاد التاريخية للصراع وتأثيرها المتراكم على السلوك البشري لم تكن جزءاً من المعادلة التي اعتمدت عليها النماذج التحليلية، مما جعلها غير قادرة على استيعاب البعد العاطفي للقرار الجماعي بالعودة.

2. التقليل من دور التضامن الجماعي

الذكاء الاصطناعي لم يتمكّن من توقّع تأثير الحشود الجماعية التي عادت إلى القرى، والتي شكّلت في حدّ ذاتها حماية معنوية وجسدية للأفراد. العودة الجماعية خلقت نوعاً من الأمان النفسي والاجتماعي الذي جعل الأهالي يشعرون بالقوة في مواجهة المخاطر، وهو عامل يصعب قياسه أو توقّعه من خلال التحليل التقليدي القائم على البيانات.

3. تجاهل رمزية الأرض

الأرض بالنسبة للجنوبيين ليست مجرّد مكان للعيش أو مصدر رزق، بل هي رمز للكرامة والسيادة والهوية الوطنية. هذا البعد الرمزي الذي يعبّر عن ارتباط عميق بالأرض كان المحرّك الرئيسي للعودة، وهو ما عجز الذكاء الاصطناعي عن إدراكه، نظراً لاعتماده على تحليل ماديّ لا يدمج القيم والمعاني الرمزية التي تحملها الأرض في ثقافة وتاريخ أهالي الجنوب.

هذا العجز في توقّع الذكاء الاصطناعي يؤكّد محدوديّته في تحليل القرارات التي تحرّكها مشاعر إنسانية عميقة وأبعاد رمزية تتجاوز المعايير المادية.

اقرأ أيضاً: "أحد العودة 2".. لبنانيون من مختلف المناطق يؤازرون الجنوبيين في تحرير قراهم

الذكاء الاصطناعي في مواجهة الإنسان

ما حدث في الجنوب اللبناني هو درس عميق يؤكّد أنّ التحليلات المستندة إلى البيانات فقط ليست كافية لتوقّع سلوكيات الشعوب. إرادة الإنسان، المدفوعة بعوامل عاطفية ورمزية وتاريخية، تتجاوز أيّ منطق تحليلي مادي. عودة أهالي الجنوب إلى قراهم رغم كلّ التحدّيات والمخاطر هي شهادة على قوة الإرادة الجماعية للشعوب، ودليل على أنّ التكنولوجيا، مهما بلغت من تقدّم، ستظلّ عاجزة عن تفسير الروح الإنسانية.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.