اتفاق قسد مع الشرع في ظل الضغوط التركية

هل سيكون هناك توافق بين مطالب قسد وسياسة الحكومة التي توجّهها تركيا في ظلّ مطالبة الطائفة الدرزية في السويداء بنظام علماني ودستور يراعي جميع مكوّنات سوريا حقوقها وواجباتها؟

0:00
  • قسد مشكلة تركية أم سورية؟
    قسد مشكلة تركية أم سورية؟

يكتنف الغموض بنود الاتفاق الذي عقد بين أحمد الشرع الرئيس الانتقالي للحكومة السورية وبين مظلوم عبدي رئيس قوات سوريا الديمقراطية، وسط تساؤلات الكرد في تركيا وسوريا عن المكتسبات التي حقّقها الكرد في إثر إعلان الأب الروحي لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان وقف إطلاق النار وإلقاء السلاح، ومدى تأثير هذا الإعلان على الاتفاق الذي وقّعته قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتوقيت الذي برز كغطاء للمجزرة التي تعرّض لها علويّو الساحل السوري حيث برز نقاش في أوساط علويّي تركيا من كرد وأتراك وعرب حول أهمية الوقوف صفاً واحداً ضدّ ما حصل في سوريا، وتمّ طرح تساؤلات في الوسط الكردي حول  تأثير نداء أوجلان على عدم مشاركة الكرد في إطلاق صرخة علوية واحدة في تركيا فهل الخوف كان على مكتسبات النداء وما هي مكتسبات الاتفاق الذي عقدته قسد في ظلّ الضغوط التي تمارسها تركيا.

قسد مشكلة تركية أم سورية؟

أعلنت الحكومة التركية مراراً أنها تخشى إقامة حكم ذاتي في سوريا، لكن بعد اللقاءات التي حصلت في الشهور الماضية بين عبدي والشرع  حصل  الاتفاق لتبريد الساحة السورية وتحويل الأنظار من الساحل إلى الداخل السوري، إلّا أنّ تركيا  بقيت حذرة من الاتفاق، تابعت التوقيع، منذ قبول "قسد" بالتفاوض بعد الضغوط  التي مارستها على شرق سوريا والتهديد بعملية عسكرية كذلك الحذر والخوف من الانسحاب الأميركي المحتمل.

أدّت الدول الإقليمية دوراً في التطورات الحاصلة في سوريا ولا سيما السعودية وقطر التي خشيت انعكاس أحداث الساحل السوري على فرضية امتناع الكرد عن استمرار الحوار بشأن الاندماج. وكانت قيادة حزب العمال الكردستاني في "قنديل" قد أعلنت التزامها بدعوة عبد الله أوجلان في "إمرالي"، الأمر الذي كان قد ساهم في بدء المفاوضات مع دمشق نهاية كانون الأول/ديسمبر 2024.

هل حصلت قسد على أيّ مكسب ؟

قسد كانت هدفاً استراتيجياً لأنقرة التي أوكلت الأمر إلى الحكومة السورية الجديدة وتعهّدت بتقديم المساعدة اللازمة لاتمام اتفاق يسهّل فرط عقد قسد. كانت الحماية الأميركية التي تقدّم لقسد تقف حائلاً دون تنفيذ رغبة أنقرة بضربها للقضاء عليها لأنها تعتبرها جزءاً من حزب العمال الكردستاني، لكن مع سقوط النظام تبدّل الأمر وذهبت إلى التفاوض مدعومة من الولايات المتحدة التي عملت على تقوية موقف "قسد" وتوحيد الفصائل الكردية تحت مظلة واحدة، حيث عُقدت اجتماعات في سوريا وفي شمال العراق من أجل تشكيل كتلة سياسية موحّدة يمكنها مواجهة الإدارة الجديدة في دمشق.

قدّمت قسد مطالبها ودعت إلى نظام فيدرالي لا مركزي وضمانات دولية مع منطقة منزوعة السلاح تحت حماية أجنبية لضمان أمن حدودها وطالبت بحصة من الموارد النفطية، واشترطت الانضمام إلى الجيش السوري ككتلة موحّدة، مع منحها فترة انتقالية لمدة عامين لإتمام عملية الاندماج.

لكن جاء قرار قسد في العاشر من آذار/مارس بالجلوس إلى طاولة المفاوضات بسبب إبلاغها باقتراب انسحاب أميركي من سوريا وبدء الجيش الأميركي جمع الأسلحة التي سبق أن زوّد بها مقاتليها، وكان لموقف فرنسا بعد التواصل مع قطر والاتحاد الأوروبي الأثر الأكبر في قرار قسد فنزلت تحت قرار أوجلان بضرورة التخلّي عن السلاح  بعد أن كانت ترفض شمولها بنداء أوجلان.

كانت قسد تراهن قبل سقوط النظام على الدعم العربي لها، لكن بعد إسقاط النظام توجّه الدعم الخليجي السياسي والمالي للحكومة السورية ـ طرحت قسد النظام الفيدرالي داخل الوحدة السورية، وتمّ منح مهلة تسعة أشهر لتنفيذ هذه الاتفاقية، لكنّ تركيا تستعجل تسليم التنظيم أسلحته والاندماج التدريجي في هذه الفترة فهل يحصل؟

تركيا لا تزال قلقة من الاتفاق لأنه لم يشمل تطبيقاً وتحديداً لدمج قوات قسد في مؤسسات الدولة، بل يمكن أن تؤدّي عدّة عوامل لتغيير المواقف، وهي ترفض حلول التجزئة والتقسيم والفدرالية، ونبّه وزير خارجيتها من إمكانية وجود "ألغام مستقبلية" في طريق الحلّ، مؤكداً أنّ بلاده ستبقى دائماً تتابع التطورات من كثب، ولا سيما ما يتعلّق بأمنها القومي وإبقاء الخيار العسكري على الطاولة.

ترتاب أنقرة من عدم تحديد الاتفاق في بنده الرابع والأهم آلية الدمج، هل سيتمّ دمجهم كأفراد أم ستحافظ قسد على كيانها ضمن مؤسسات الدولة، كذلك لم يتناول الاتفاق موضوع المركزية.

وهي ترى أنه يجب حلّ قسد نهائياً كمشروع سياسي وعسكري أما تمسّك قسد بالسيطرة على "سجون تنظيم الدولة ومخيمات عوائله"، وقيادة العمليات الأمنية  فهو زاد قلق تركيا التي تريد سحب الورقة من يد قسد. 

كيف تفسّر قسد نصّ الاتفاق 

 ينصّ الاتفاق على أنّ "المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقوقه في المواطنة، وكافة حقوقه الدستورية"، لم يتحدّث الاتفاق عن نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية، بل اكتفى بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافة في شمال شرق سوريا، ضمن إدارة الدولة السورية، فهل سيدرج الاتفاق ضمن مسار تفاوضي وطني أوسع، للوصول إلى صيغة حكم، تضمن حقوق جميع مكوّنات الشعب السوري، في إطار الدولة الوطنية"، وتتمثّل قسد في الاعتراف بدورها العسكري والسياسي كما تريد ، وضمان شراكتها في العملية الانتقالية، وتأمين حماية مناطقها من أيّ تهديدات خارجية؟

يقول الناطق باسم قسد إنّ الكرد تمسّكوا بحقوقهم السياسية وعدم نزع السلاح، ويستمر دور وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشمل وحدات حماية المرأة الكردية، كقوة منظّمة ضمن إطار جديد يتناسب مع المرحلة الانتقالية، سواء ضمن الجيش الوطني الجديد، أو كجزء من القوى الأمنية المحلية. وينصّ أبرز بنود الاتفاق، على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافة، في شمال شرق سوريا، ضمن إدارة الدولة السورية. ولم يتحدّث الاتفاق عن حلّ قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية المدعومة أميركياً، أو تسليم سلاحها، بخلاف ما كانت السلطة السورية قد اشترطته للانضواء تحت مظلة الجيش الجديد.

في الدستور المعلن من قبل الشرع هناك تعارض بين العلمانية التي طالبت بها قسد مع توجّهات الحكومة السورية التي اعتبرت الفقه الإسلامي مصدر التشريع، تسعى قوات سوريا الديمقراطية، من خلال هذا الاتفاق إلى ضمان حقوق مكوّناتها ضمن إطار وطني، وتعزيز الاستقرار في مناطقها، والمشاركة في بناء سوريا تعدّدية ديمقراطية."

وفي هذا الإطار، عقدت، أحزاب "المجلس الوطني" اجتماعاً مع "حزب الاتحاد الديمقراطي" الذي يقود "الإدارة الذاتية"، حضره القائد العام لـ"قسد"، مظلوم عبدي، وممثّلون عن كلّ من الولايات المتحدة وفرنسا، بهدف مناقشة إحياء مبادرة المصالحة الكردية - الكردية، والتي من شأنها تقوية موقف الكرد قبل الدخول في إجراءات تطبيق اتفاق 10 آذار، الموقّع بين عبدي والرئيس الانتقالي، أحمد الشرع.

فهل سيكون هناك توافق بين مطالب قسد وسياسة الحكومة التي توجّهها تركيا في ظلّ مطالبة الطائفة الدرزية في السويداء بنظام علماني ودستور يراعي جميع مكوّنات سوريا حقوقها وواجباتها ويراعي المواطنة، وفي ظلّ التهديد الإسرائيلي بحماية الطائفة ونزعة البعض للانفصال عن الدستور الذي أعلن الشرع بنوده الأساسية؟