قمة ترامب مع باشينيان وعالييف.. من هو الهدف؟
يتمنّى الرئيس ترامب لهذه المخطّطات أن تساعده على تحقيق أهدافه وأهداف أميركا لبسط سيطرتها على منابع الغاز والبترول وبالتالي حماية المصالح الأميركية في القوقاز وآسيا الوسطى.
-
ترامب يسعى لمصالحة بوتين على الرغم من تهديداته المتكرّرة له.
حقّقت أذربيجان انتصارها على أرمينيا في حرب 2022 واسترجعت إقليم ناغورنوكاراباخ بفضل الدعم الذي قدّمته تركيا والكيان الصهيوني معاً. وحاولت موسكو آنذاك من خلال اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين أن ترسّخ وجودها التقليدي في القوقاز ولكنها فشلت لاحقاً في ذلك لسببين أساسيين:
الأول؛ قبول رئيس وزراء أرمينيا باشينيان بالهزيمة وتوقيعه على اتفاقيات سلام مع باكو وفق الشروط الأذربيجانية ومساعيه للدخول في تحالفات سريعة مع واشنطن والعواصم الغربية بل وحتى "إسرائيل" التي سعت معاً لإبعاد الأرمن الأرثوذكس عن روسيا الأرثوذوكسية.
والثاني؛ الدور الذي تؤدّيه تركيا و"إسرائيل" في أذربيجان وعبرها في القوقاز التي تضمّ أيضاً جورجيا التي لها مشكلات مع موسكو التي لا تخفي قلقها من المشاريع والمخططات الأميركية في المنطقة التي تحدّ إيران من الشمال (مقالي بعنوان : القوقاز خاصرة روسيا وإيران الرخوة - 10 تموز/يوليو).
زيارة باشينيان إلى تركيا في 20 حزيران/يونيو الماضي ولقاؤه الرئيس إردوغان ثمّ لقاؤه الرئيس عالييف في أبو ظبي في 10 تموز/يوليو الماضي، واتفاقه وإياه على فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين دفع الرئيس ترامب لدعوته ومعه عالييف إلى قمة عاجلة في البيت الأبيض يوم الجمعة 8 تموز/يوليو وبحث وإياهما ليس فقط علاقات واشنطن معهما بل أيضاً المشاريع والمخططات الأميركية في المنطقة.
ويتمنّى الرئيس ترامب لهذه المخططات أن تساعده على تحقيق أهدافه وأهداف أميركا لبسط سيطرتها على منابع الغاز والبترول، وبالتالي حماية المصالح الأميركية في القوقاز وآسيا الوسطى الحديقة الخلفية لروسيا وفيها الجمهوريات الإسلامية التي تعتبرها أنقرة جزءاً من ذكرياتها التاريخية العثمانية بأبعادها القومية والدينية والمذهبية.
وتغنّى السفير الأميركي في أنقرة توماس برّاك بهذه الذكريات أكثر من مرة ودغدغ بذلك المشاعر القومية لدى الأوساط السياسية الحاكمة في انقرة و إعلامها الموالي الذي يتحدّث عن دور ريادي لتركيا في مجمل التطورات الإقليمية والدولية.
وتحدّث الرئيس الراحل تورغوت أوزال عن ذلك الدور للمرّة الأولى عندما استغلّ سقوط الاتحاد السوفياتي ودعا زعماء الجمهوريات الإسلامية في القوقاز وآسيا الوسطى إلى قمة عاجلة في أنقرة في تشرين الأول/أكتوبر 1992 وتحت شعار "أمةّ تركية واحدة من الأدرياتيكي (البوسنة و كوسوفو ) إلى سدّ الصين المنيع".
وكانت أرمينيا بعدائها التاريخي التقليدي لتركيا عائقاً جغرافياً يمنع الأتراك من الامتداد شرقاً باتجاه آسيا الوسطى، وهو ما سيتحقّق لهم بعد الآن عبر الطريق البري الذي سيربط أذربيجان بإقليم ناختشوان المجاور لتركيا مروراً بالأراضي الأرمينية التي سيفتحها باشينيان على مصرعيها أمام الشركات الأميركية ولاحقاً القواعد العسكرية الأميركية.
وكان الرئيس ترامب قد قال إن الشركات الأميركية ستكون مسؤولة عن مدّ وتشغيل وحماية ممر زانغازور الذي سيربط أذربيجان بنختشوان ويقطع التواصل الجغرافي بين إيران وجارتها الشمالية أرمينيا.
وبات واضحاً أنها، أي أرمينيا، ستكون إحدى حلقات التحالف الإقليمي المعادي لروسيا في القوقاز وسيضمّ كلّاً من أذربيجان وجورجيا وأرمينيا وتركيا وتحت المظلة الأميركية التي ستكون على تواصل مباشر أو غير مباشر مع الكيان العبري بحساباته المعروفة في القوقاز وآسيا الوسطى التي تحد إيران من الشمال والشرق، وفيها كميات كبيرة من الغاز والبترول والمعادن الاستراتيجية النادرة (خاصة في كازاخستان) التي يخطط ترامب للسيطرة عليها وهو ما يسعى إليه في أوكرانيا أيضاً.
وربما لهذا السبب يسعى الرئيس ترامب لمصالحته الاستراتيجية مع الرئيس بوتين على الرغم من تهديداته المتكرّرة له فيما يتعلّق بالحرب في أوكرانيا، ويهدف ترامب لإنهائها في إطار صفقة إقليمية ودولية يتفق عليها مع الرئيس بوتين في قمته المتوقّع لها أن تكون هذا الأسبوع.
وسط المعلومات التي كانت تتحدّث عن منافسات تركية وإماراتية وسعودية لإقناع ترامب وبموافقة بوتين لعقد هذه القمة في إسطنبول أو أبو ظبي أو الرياض.
وتعتقد الدول الثلاث أنّ استضافة القمة ستعني الاعتراف بدورها الإقليمي والدولي من قبل الرئيس ترامب أولاً ثم بوتين الذي أشار إلى احتمالات أن تكون القمة في أبو ظبي التي عاد منها ترامب في أيار/مايو الماضي بنحو 1,4 تريليون دولار.
وحسم الرئيس ترامب هذه الادّعاءات فأعلن أنّ القمة ستكون في ألاسكا في الـ 15 من الشهر الجاري. ليكون بوتين أوّل رئيس روسي أو سوفياتي يزور آلاسكا التي باعها الروس لأميركا عام 1867 بـ 7,2 مليون دولار بسبب التهديدات البريطانية آنذاك.
وجاءت موافقة بوتين على هذا المكان لإثبات رغبته للتوصّل إلى حلول نهائية لمجمل القضايا الثنائية و الإقليمية والدولية التي ستتمّ مناقشتها وفي مقدّمتها أوكرانيا، وعلى الرغم من صعوبة الأزمة وتناقضات الرئيس ترامب الشخصية فهو يحكم أميركا وكأنه يدير شركة تجارية، كما هو يعتقد أنه يستطيع أن يفرض رأيه على الجميع في الخارج بقوة السلاح والدولارات التي يملكها واستطاع أن يشتري بها ضمائر الكثير من الحكّام العرب والمسلمين وغيرهم وفرض عليهم أجنداته.
وهو ما فعله مع باشينيان وعالييف في قمة البيت الأبيض وقبل ذلك مع حكّام الخليج، بل وحتى مع أحمد الشرع الذي عرض هو شخصياً عام 2017 مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار مقابل معلومات عنه عندما كان اسمه أبو محمد الجولاني وكان مصنّفاً "كإرهابي عالمي".
ومن دون أن يمنع ذلك الرئيس ترامب من احتضان الشرع في الـ 14 من أيار/مايو في الرياض بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي افتخر بخلق مليوني فرصة عمل للمواطنين الأميركيين، في الوقت الذي يموت فيه الشعب الفلسطيني جوعاً ويعاني فيه الملايين في العديد من الدول العربية والإسلامية ومنها السودان والصومال بل وحتى سوريا ظروفاً معيشية صعبة جداً سببها أميركا والغرب الإمبريالي وكلّ من كان في خدمتهم وما زال.
وهذا ما سيكون عليه الوضع بعد الآن في القوقاز محط انتباه الرئيس ترامب ويبدو واضحاً أنه سينسّق بل وسيتعاون مع الرئيس إردوغان في هذه الساحة ومنها في آسيا الوسطى التي يرشّحها الكثيرون لصراعات استراتيجية خطيرة بعيدة المدى ليس فقط بسبب إمكانياتها الاقتصادية الغنية بل لأنها تجاور روسيا والصين والهند وباكستان بل وإيران التي وضع الرئيس ترامب ومعه نتنياهو حسابات لا نهاية لها إلا بعودة هذا البلد إلى ما كان عليه في عهد الشاه المخلوع.
حيث كانت طهران حليفاً استراتيجياً لأميركا والغرب الإمبريالي وحلفائه الإقليميين ولم يكن أحد يقول عنها آنذاك إنها تسعى لتصدير "الثورة الشيعية" أو تحاول إنتاج القنابل النووية طالما أنها لا تشكّل خطراً على الكيان العبري حليف الشاه وأمثاله في المنطقة وما زالوا كثراً وهم رهن إشارة ترامب في الشرق الأوسط وبعد الآن في القوقاز!