مستقبل العلاقات بين باكستان وأفغانستان بعد وقف إطلاق النار
العوامل الداخلية والخارجية والصراع على النفوذ في جنوب آسيا، المهمّة اقتصادياً وسياسياً، تداخلت مع بعضها لزيادة التوتر بين باكستان وأفغانستان.
-
مستقبل العلاقات بين باكستان وأفغانستان بعد وقف إطلاق النار
بعد أشهر من وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، اندلعت المواجهات مجدّداً على حدود باكستان، إنما ليس مع نيودلهي، بل مع كابل، ووصفت الاشتباكات بأنها الأعنف منذ عقود حيث راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى، وأدّى إغلاق الحدود بين البلدين إلى إلحاق خسائر تقدّر بملايين الدولارات.
وبعد وساطة قطرية تركية صينية وافق الطرفان؛ الأفغاني والباكستاني على وقف فوري لإطلاق النار، وضمان احترام أراضي كلا البلدين، وإنشاء لجنة تنسيق وآلية رصد للتصدّي الفوري لانتهاكات وقف إطلاق النار، واستعادة التجارة الحدودية وحركة البشر.
توتر العلاقات
الخلاف بين باكستان وأفغانستان ليس بجديد إذ لطالما اتسمت علاقاتهما بالتوتر، على الرغم من جذورهما الثقافية وتاريخهما المشترك. وتتمثّل القضية المحورية في خلافهما المستمر في خط "دوراند" الذي دأبت أفغانستان على رفضه باعتباره ترسيماً وهمياً، في المقابل تصرّ باكستان على أنّ خط دوراند شرعي ومعترف به دولياً.
وتتعلق التوترات بين البلدين بشكل أساسي أيضاً بحركة "طالبان باكستان" أو حركة "تحريك طالبان باكستان"، التي تأسست عام 2007 على يد بيت الله محسود، وعلاقاتها مع أفغانستان. تدّعي إسلام آباد بأنّ حركة طالبان في أفغانستان تؤوي وتساعد حركة "طالبان باكستان" للقيام بهجمات مسلّحة في باكستان، وهو ما نفته حركة طالبان أفغانستان التي تتهم بدورها إسلام آباد بتسليح وتدريب مسلحي "داعش" ثمّ إرسالهم إلى أفغانستان للقيام بأنشطة تخريبية الأمر الذي نفته باكستان.
بدأ التوتر مؤخّراً بين كابل وإسلام آباد، والذي أدّى إلى اشتباك مسلّح وقصف جوي، عندما حاولت باكستان اغتيال زعيم حركة طالبان باكستان، نور والي محسود، بغارة جوية في كابل، فردّت أفغانستان بهجمات على عدة مواقع باكستانية ودارت الاشتباكات بين الطرفين.
منذ مجيء حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي عام 2021، ارتفعت الهجمات المسلّحة ضدّ باكستان. ويُعدّ عام 2024 أكثر الأعوام دموية حيث قتل أكثر من 2500 شخص في أعمال عنف.
ووفقاً لمعهد باكستان لدراسات الصراع والأمن، وهو مركز أبحاث مقرّه إسلام آباد، فإنّ عدد ضحايا العنف في الربع الأول من عام 2025 كاد أن يطابق إجمالي عدد الضحايا عام 2024، وبحسب تقرير آخر صادر عن مشروع بيانات الأحداث والنزاعات المسلّحة، فإنّ حركة طالبان باكستان شنّت ما لا يقلّ عن 600 هجوم واشتباك مع قوات الأمن خلال العام 2024.
إزاء هذه الهجمات المسلّحة المتزايدة على باكستان سعت الأخيرة إلى مواجهة التهديدات باتباع استراتيجية ردع وعقاب عبر ترحيل عشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان إلى أفغانستان، كما قصفت أحياناً أهدافاً لحركة طالبان باكستان في أفغانستان.
أطراف خارجية
تزامنت الاشتباكات بين إسلام آباد وكابل مع زيارة وزير خارجية حكومة طالبان، أمير خان متقي، إلى الهند، حيث تمّ الإعلان عن تعزيز العلاقات بين البلدين. أثارت هذه الزيارة قلق باكستان التي اتهمت الهند بتحريض حركة طالبان عليها خاصة أنّ وزير خارجية حكومة طالبان أصدر تحذيرات علنية لباكستان من الأراضي الهندية وهي خطوة غير مسبوقة ومثيرة للقلق لم تتوقّعها باكستان.
كما اعترفت أفغانستان في البيان المشترك الذي صدر عقب محادثات وزيري خارجية البلدين، بأنّ محلّ هجوم باهالغام يقع في إقليم جامو وكشمير الهندي الأمر الذي أثار استفزاز باكستان ما دفعها إلى استدعاء السفير الأفغاني، وربما تكون هي المرة الأولى التي تعترف فيها طالبان رسمياً، وإن كان ضمنياً، بكشمير جزءاً من الهند.
ربما أدرك صانعو السياسات في باكستان بأنّ طالبان أفغانستان، التي دعمتها إسلام آباد خلال الاحتلال السوفياتي والأميركي، بدأت تخرج عن سيطرتها وتوجّه بوصلتها نحو الهند التي هي الأخرى تتقرّب من حركة طالبان أفغانستان.
وتتهم إسلام آباد نيودلهي بدعم الجماعات المسلّحة والانفصاليين داخل أراضيها بهدف تهديد الأمن، كما تخشى الهند من التقارب الباكستاني الصيني، ولا سيما في ظلّ المنافسة المتصاعدة بين الهند والصين، بالرغم من التقارب الذي حصل مؤخّراً بين بكين ونيودلهي والذي يوصف بأنه تقارب الضرورة لمواجهة الضغوطات الأميركية، وتخشى أيضاً من التقارب الصيني مع حكومة طالبان.
كما أنّ الولايات المتحدة الأميركية تحاول كبح تمدّد الصين في جنوب آسيا لذلك سعت إلى التقارب مع باكستان لإبعاد الأخيرة عن بكين. وكي يبقى لها موطئ قدم في المنطقة المهمّة استراتيجياً، طلبت واشنطن من كابل إعادة السيطرة على قاعدة باغرام العسكرية وهو ما رفضته حكومة طالبان.
إطلاق نار مستدام؟
رغم أنّ الجانبين الأفغاني والباكستاني اتفقا على وقف إطلاق النار في الوقت الحالي، إلا أنه من المستبعد أن يكون وقفاً مستداماً فالتاريخ يشير إلى أنّ الاشتباكات من المرجّح أن تندلع مجدّداً.
ومن ناحية أخرى، ما تريده باكستان من أفغانستان هو أن تقوم بكبح تصرّفات حركة طالبان باكستان، هذا ما عبّر عنه صراحة وزير الدفاع الباكستاني، خواجه محمد آصف، إذ أشار إلى أنّ اتفاق وقف إطلاق النار بين حكومتي إسلام آباد وكابل مرهون بقدرة طالبان الأفغانية على كبح جماح المسلّحين الذين يهاجمون باكستان عبر الحدود.
أثار هذا التصريح استياء أفغانستان التي اعتبرت أنه لا يبشّر بأمور إيجابية، وأنّ أفغانستان مسؤولة عمّا يجري على حدودها، لا عمّا يجري في الداخل الباكستاني، وبالتالي فإنّ عدم التفاهم بين البلدين على كيفيّة وقف الهجمات المسلّحة داخل أراضيهما سيبقي التوتر قائماً.
قد لا تتمكّن حركة طالبان أفغانستان من وضع حدّ لهجمات طالبان باكستان، أو قد تتردّد في الضغط على الحركة نظراً لتقاربهما الأيديولوجي، وخشية من تحالف الحركة مع تنظيم "الدولة الإسلامية في خراسان" (داعش خرسان) الذي ينفّذ عمليات ضدّ قوات أمن طالبان ويمثّل تهديداً كبيراً لحكم طالبان.
وإذا كانت باكستان قد دخلت بمفاوضات مباشرة مع حركة طالبان باكستان خلال ولاية رئيس الوزراء السابق عمران خان، إلّا أنّ الحكومة الحالية ترفض ذلك، وحدّدت التواصل مع طالبان أفغانستان التي قد لا تتمكّن من الضغط على حركة طالبان باكستان.
فضلاً عن ذلك حاولت الصين مراراً التوسّط بين أفغانستان وباكستان، واستضافت مسؤولين من كلا الجانبين، واقترحت إدخال أفغانستان في الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني، ومع ذلك عادت الاشتباكات بين البلدين.
ناهيك عن أنّ التنافس على النفوذ في جنوب آسيا سيبقي الأجواء متوترة بين أفغانستان وباكستان نظراً للتدخّلات الخارجية.
عندما وصلت حركة طالبان الأفغانية إلى السلطة عام 2021 استبشر الباكستانيون خيراً نظراً للعلاقة القوية التي كانت تربط باكستان بحركة طالبان، إلّا أنّ الأمور لم تسر كما كانت تشتهي باكستان، فقد غيّرت حكومة طالبان من تعاملها مع إسلام آباد وبدأت تنوّع شركاتها مع الصين وروسيا والهند كي لا يبقى لباكستان نفوذ عليها.
ومما لا شكّ فيه أنّ العوامل الداخلية والخارجية والصراع على النفوذ في جنوب آسيا، المهمّة اقتصادياً وسياسياً، تداخلت مع بعضها لزيادة التوتر بين باكستان وأفغانستان، مع أنّ كلا البلدين ليسا في وضع يسمح لهما بخوض حرب نظراً لأوضاعهما الاقتصادية والسياسية المتدهورة، فضلاً عن أنّ اندلاع حرب بينهما من شأنه أن يؤثّر على المنطقة ككلّ ولا سيما زيادة الهجمات الإرهابية، لذلك سارعت العديد من الدول إلى تأدية دور الوساطة للتهدئة ووقف إطلاق النار.