"كان أمّة.." شخصيات الثورة الإيرانية المشرقة
يتضمّن كتاب "كان أمّة.." مقتطفات من سيرة بهشتي على لسان أفراد أسرته وأصدقائه ومن عايشوه وعملوا معه منذ نعومة أظفاره ونبوغه المبكر ومسيرته التعليمية طالباً ومعلماً للغة الإنكليزية، وحتى دراسته الحوزوية وسفره الى هامبورغ.
-
"كان أمّة.." شخصيات الثورة الإيرانية المشرقة
يقدّم كتاب "كان أمّة.." الصادر عن دار المعارف الإسلامية في بيروت في ذكرياته المختارة نظرة شاملة عن حياة السيد الشهيد محمد حسيني بهشتي وتأثيره في التاريخ الإيراني الحديث، بهشتي الذي يعتبر أحد أبرز الشخصيات في الثورة الإسلامية الإيرانية يقول عنه قائد الثورة السيد علي خامنئي الذي كانت تربطه به صداقة عميقة "إنّ بهشتي ذهل عن نفسه وخرج منها وعرج بروحه وحقيقة هويته نحو العرش الأعلى باستقامة خالصة".
أما عالمة الاجتماع الأميركية الشهيرة البروفيسورة "تيدا سكوكبول" فعلى الرغم من أنه لم يمضِ على بقائه في السلطة طويلاً فكتبت تصفه بالمنظّم المحترف ومؤسّس الدولة الذي كان باستطاعته أن يمهّد الظروف المناسبة لانتصار الثورة.
بالعودة إلى تقارير السفارة الأميركية في طهران في الحقبة التي سبقت انتصار الثورة نقرأ في واحد منها "إنّ المسؤول الفعلي لمنظّمة الخميني داخل إيران هو السيد محمد بهشتي الذي يعدّ الموجّه الأساسي للحركات الشعبية وصلة الوصل الأساسية مع باريس ـــــ حيث منفى الإمام الخميني ـــــ وتعاونه مجموعة من رجال الدين الشباب والعديد من الثوريّين غير الحوزويّين، من ناحية أخرى يعتبر بازركان قائداً فخرياً مهمّاً ولكنه لا يرتقي إلى مستوى المنظّم الفعلي للحراك". أما فينوغرادف سفير روسيا في إيران فيصفه التقرير بـ "الجنرال الأعلى للخميني في طهران".
يتضمّن كتاب "كان أمّة.." الذي أعدّه محمد علي صمدي مقتطفات من سيرة بهشتي على لسان أفراد أسرته وأصدقائه ومن عايشوه وعملوا معه منذ نعومة أظفاره ونبوغه المبكر ومسيرته التعليمية طالباً ومعلماً للغة الإنكليزية، وحتى دراسته الحوزوية وسفره الى هامبورغ إماماً لمسجدها ومديراً للمركز الإسلامي فيها، كما يتحدّث عن دوره في الثورة الإيرانية وتأسيس الدولة الإسلامية، ومن خلال هذه الشهادات الحيّة تتبدّى شخصية بهشتي القيادية، وإنجازاته الكبيرة في الفترة الزمنية القصيرة التي قضاها بعد انتصار الثورة على رأس السلطة القضائية، كما تبيّن الجهود الجبّارة التي بذلها بهشتي في التهيئة والتحضير لقيام الثورة ودوره البارز في التاريخ الإيراني الحديث، لذلك يعتبر الكتاب مرجعاً هاماً للباحثين والمهتمين بالتاريخ السياسي الإيراني.
احتلّت مواقف بهشتي حيّزاً واسعاً من محتوى الكتاب، هذه المواقف التي ترجمت الخلفية الأخلاقية والإسلامية لهذه الثورة، فعلى سبيل المثال كان الخلاف عميقاً بينه وبين بني الصدر، وذات مرة كان يشاهد التلفاز وكان بني صدر يتحدّث فقال أحد الحاضرين كلاماً غير لائق بحقّه فأجابه بهشتي بحزم وأدب: لا أسمح بهذا النوع من الكلام بحقّه وإن كنّا مخالفين لسلوكه وطريقة إدارته، فإنه مسلم ويجب ألّا نتناوله بهذه الطريقة، وعندما ولّى أبو الحسن بني صدر هارباً من الجمهورية في إثر صدور أحكام قضائية بحقّه تمّ إلقاء القبض على زوجته، وعندما علم بهشتي بالأمر رفض قرار توقيفها حتى لساعة واحدة قائلاً للقاضي: "أنت تعلم أنه لا مشكلة لدينا مع زوجة بني صدر، وهذه المرأة لم ترتكب أيّ جرم سياسي، لذا فإنّ كلّ ثانية تمضي على اعتقالها ذنبها برقبة الجمهورية الإسلامية.
- يا سيد الحقّ معك، لكنني لن أخلي سبيلها.
- ولماذا لن تخلي سبيلها؟
- سأقوم بالتحقيق معها وأطلعكم على الأمر.
فأجابه غاضباً: أنقتصّ قبل وقوع الجرم؟ أنصدر الحكم مسبقاً، أنظلم الناس وفقاً لتصوّراتنا. أنا لا أوافق.
لذلك اعتبر الإمام الخميني فقده في انفجار مقرّ الحزب الجمهوري الإسلامي في الـ 28 من حزيران/يونيو 1981 خسارة عظيمة، وكان يرى في وجوده على رأس السلطة القضائية مصدر اطمئنان لقلبه.
لقد قدّمت الثورة الإسلامية في إيران نماذج مشرقة من القادة شكّلت إضافة حقيقية لنموذج القادة الثوريين العالميين لجهة محمولاتها الثقافية وأخلاقيتها الإيمانية وأبعادها الإنسانية، لقد غاصت هذه الشخصيات الفكرية والثورية في آن معاً في بحر الفكر الإسلامي العميق وعادت منه بلآلئ الأفكار المناوئة للاستعمار، ولعل هذا هو السبب الذي دفع بالعالم المادي الغربي الكولونيالي إلى التصدّي لهذه الثورة وبهذه الشراسة التي لم نجد لها نظيراً في التاريخ الحديث.
لقد قدّم قادة الثورة الإسلامية في إيران نموذجاً مختلفاً عن زعماء الثورات في العالم، نموذجاً مفعماً بالحياة والاستقامة مرتكزاً إلى تعاليم الدين الحنيف جاهدوا في تقديمه إلى البشرية بصورته الأنقى والأكثر التصاقاً بينابيع الإسلام الأصيل مزيلين ما علق عليها من غبار السنين.
وإذا كان الإمام الخميني روح الثورة وزعيمها بلا منازع فإنّ شخصيات من تلامذته من أمثال بهشتي ومطهري ورجائي وباهنر... شكّلت مشاعل أضاءت الطريق وألهمت النفوس وحفّزتها على تقديم الغالي والنفيس في سبيل نجاح هذه الثورة التي بقيت عصية على مؤامرات الداخل والخارج على حدّ سواء منذ انطلاقة شرارتها وحتى الآن.