"ذا إنترسبت": سياسات ترامب تطالهم.. ماذا سيحصل لمرضى "الإيدز"؟

في جنوب أفريقيا، تخشى امرأة تبلغ من العمر 36 عاماً مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية منذ الطفولة أن تفقد إمكانية الوصول إلى العلاج بسبب سياسة ترامب.

  • يعيش نحو 8 ملايين شخصاً مصاباً بفيروس نقص المناعة البشرية في جنوب أفريقيا
    يعيش نحو 8 ملايين شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية في جنوب أفريقيا

موقع "ذا إنترسبت" الأميركي ينشر تقريراً يتحدّث فيه عن تداعيات سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تستهدف الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، على المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في العالم.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرّف:

عندما علمت جويندولين دوبي، وهي أم عازبة تبلغ من العمر 36 عاماً من جنوب أفريقيا تمّ تشخيص إصابتها بالإيدز عندما كانت طفلة، بأنّ الولايات المتحدة ستوقف تمويل أدوية فيروس نقص المناعة البشرية، فكّرت في نفسها: "سيلقى الناس حتفهم".

ففي الأسبوع الأول من عودته إلى منصبه، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب أنها ستنسحب من منظمة الصحة العالمية، وأوقفت من خلال أمر تنفيذي يتعلّق بـ"إعادة تقييم وتنظيم المساعدات الخارجية للولايات المتحدة" جميع المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً. وقد شمل ذلك وقف تمويل خطة الرئيس للطوارئ للإغاثة من الإيدز (PEPFAR).

ووفقاً لوزارة الخارجية، فقد أنقذت خطة "PEPFAR" حياة نحو 20 مليون شخص منذ أن أنشأها جورج بوش الابن في عام 2003. وقد حظي البرنامج السنوي الذي تبلغ قيمته 6.5 مليارات دولار أميركي تاريخياً بدعم واسع النطاق من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وثناء المتخصصين في الصحة العامة والمنظّمات المعنية بالإيدز. إلّا أنّ الجمهوريين في الكونغرس كانوا يستهدفونه على مدى السنوات القليلة الماضية، كجزء من حملة محلية ودولية ضد صحة الأشخاص المثليّين والأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية.

فكانت تداعيات حظر ترامب لتمويل المساعدات العالمية سريعة. ورداً على "أمر وقف العمل" الذي أصدرته الولايات المتحدة بحقّ المنظمات العالمية الشريكة لها، أفادت منظمة "Health Policy Watch" بأنّ العيادات في مختلف أنحاء القارة الأفريقية بدأت في الإغلاق مباشرة. وعلى الرغم من الإعفاء الذي قدّمه وزير الخارجية ماركو روبيو والذي يفترض أنه يستبعد المساعدات "المنقذة للحياة" من التجميد، ظلّت المنظمات الصحية والإنسانية غير واثقة من قدرتها على المضي قدماً. والخوف من تخفيض التمويل في المستقبل يعني أنه لم يعد بإمكانها وضع ميزانية، وبدلاً من ذلك ستقوم بخفض التكاليف أو تسعى جاهدة لإيجاد وسائل تمويل أخرى.

وقد بدأت آثار هذا القرار تظهر في جميع أنحاء العالم. وخلال حديثه إلى موقع "ذي إنترسبت"، قال أحد موظفي منظمة غير حكومية تتخذ من لبنان مقراً لها طلب عدم الكشف عن هويته من أجل الحفاظ على وظيفته، إنّ المنظمة التي يعمل لديها، وهي منظمة أميركية دولية معروفة تستجيب للأزمات الإنسانية، تعمل على إصدار إشعار بإنهاء الخدمة للموظفين، موضحاً أنه قد يتمّ تسريحهم قريباً. فماذا سيحدث للأشخاص الذين يعتمدون على رعايتهم، يتساءل الموظف بقلق: "سيكون الأمر صعباً عليهم حقاً". 

بدورها، أشارت سارة أبو زكي، المديرة التنفيذية لمركز "مرسى" للصحة الجنسية في بيروت، إلى أنّ القلق يتملّكها نتيجة هذا القرار، قائلةً: "إنّ أكثر ما يقلقنا هو التداعيات المترتّبة على توافر العلاج المجاني المضاد للفيروسات الرجعية نتيجة وقف المساعدات".

تتمّ إدارة برنامج "PEPFAR" بواسطة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وقد أعلن روبيو هذا الأسبوع أنّه سيتولى إدارة الوكالة وأكّد استحواذ وزارة الخارجية على الوكالة الإنسانية فعلياً. وسيعمل تحت قيادة روبيو، أحد الأشخاص المعيّنين من قبل ترامب، وهو بيتر ماروكو، الذي قام بصياغة التوجيه لتجميد جميع المساعدات الخارجية تقريباً بصفته رئيس قسم المساعدات الخارجية في وزارة الخارجية. وقد خدم ماروكو في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية خلال فترة ولاية ترامب الأولى، إلا أنّ محاولاته لخفض التمويل دفعت موظفي الوكالة إلى كتابة مذكّرة اعتراض أجبرته على الاستقالة.

وفي كانون الثاني/يناير، نشر موقع "ذي إنترسبت" قصة شاب في غزة مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، وكان وصوله إلى الأدوية المضادة للفيروسات الرجعية المنقذة للحياة مهدّداً بالإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في قطاع غزة وتدعمها الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي منح وقف إطلاق النار في غزة الأمل لعشرات الفلسطينيين المحتاجين لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية بشدة، جاء أمر ترامب التنفيذي ليقضي على آمال عشرات الملايين من الأشخاص في جميع أنحاء العالم. 

إلا أنّ التأثير الأكبر لهذا القرار سيكون في جنوب أفريقيا، حيث يعيش نحو 8 ملايين شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، وهو أعلى رقم يسجّل عالمياً. وتعقّد الوضع عندما أعلن ترامب أنه يخطط لقطع جميع المساعدات بالكامل عن جنوب أفريقيا بسبب استيائه من قانون الأراضي بعد الفصل العنصري.

وخلال حديثها إلى موقع "ذي إنترسبت"، قالت جويندولين إنه عندما تمّ تشخيصها في سن الـ16 عاماً في عام 2004، كان فيروس نقص المناعة البشرية قد أضعف جهاز المناعة لديها بشدة إلى أن أصيبت بالإيدز. في ذلك الوقت، كان "كوكتيل الإيدز"، وهو النظام الذي يمنع الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية من الموت، مستخدماً في الولايات المتحدة وأوروبا لسنوات. ومع ذلك، لم يكن الوصول إلى هذا العلاج المنقذ للحياة متكافئاً. وعلى الرغم من التكلفة المنخفضة لتصنيع الحبوب المضادة للفيروسات الرجعية، ظلت هذه الأدوية مكلفة للغاية في الجنوب العالمي، ويرجع ذلك جزئياً إلى الجهود المبذولة لحماية الأرباح التي تبذلها شركات مثل "جلعاد"، التي تمتلك براءات اختراع رئيسة. 

وأدّى ذلك إلى إصابة ملايين الأشخاص بفيروس نقص المناعة البشرية بعد توافر العلاجات في كلّ من أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية. وبلغت الوفيات الناجمة عن الإيدز ذروتها في الولايات المتحدة في عام 1995 مع وفاة نحو 50 ألف شخص. لكنها استمرت في الارتفاع على مستوى العالم، ولم تبلغ ذروتها حتى عام 2004، عندما توفي ما بين 1.6 و2.7 مليون شخص بسبب الإيدز، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة المعني بفيروس الإيدز. وفي هذا الصدد، قالت جويندولين لموقع "ذي إنترسبت": "بدأت العلاج في عام 2004، بعد شهر من التشخيص. وقد مات معظم الأشخاص الآخرين الذين كنت أتشارك معهم الدواء. وهناك شخص أو اثنان فقط بدأت العلاج معهم في عام 2004 وما زالوا على قيد الحياة". 

وخلال السنوات الـ7 التي شهدت ظهور مضادات الفيروسات الرجعية في الولايات المتحدة وبدء جويندولين العلاج في عيادة للأطفال بالقرب من منزلها، على بعد نحو 50 كيلومتراً من جوهانسبرغ، أصيب نحو 19 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بفيروس نقص المناعة البشرية وتوفي 9 ملايين. وقد أظهرت الأبحاث أنّ الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية هم أكثر عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية بما يصل إلى 3 مرات، وقد أثّر هذا على جويندولين: "لقد تعرّضت للسكتة الدماغية 3 مرات، مرة في عام 2011 ومرتين في العام الماضي. وهذا الأمر سيّئ للغاية. وحالياً تسجّل جنوب أفريقيا معدلات بطالة مرتفعة". 

وعندما بلغت جويندولين الـ18 من عمرها، بدأت بالذهاب إلى عيادة للبالغين. في البداية، كانت تتناول الدواء الذي كان يجب تناوله عدة مرات في اليوم. لكن منذ سنوات، و"أنا أتناول حبة واحدة فقط في الليلة، وأتلقّى العلاج لمدة 3 أشهر في كلّ مرة، ما يعني أنني يجب أن أذهب إلى العيادة 4 مرات في السنة". وقد قصدت العيادة آخر مرة في 9 كانون الأول/ديسمبر، وعندما عادت في أوائل آذار/مارس، لم يكن لديها أي فكرة عما يمكن توقّعه. "لا أعرف ما الذي سيحدث عندما أذهب إلى موعدي التالي؛ هل سنحصل على العلاج أم سنضطر إلى شرائه؟".

وقد سمعت جويندولين أنّ الأطباء والممرضين في العيادة فقدوا وظائفهم بالفعل، تأكيداً لما يتمّ تداوله في الأخبار عن إغلاق البرامج المموّلة من خطة "PEPFAR". وقالت إنّ نفاد الدواء قبل الحصول على موعد يمثّل تحدّياً وإنّ العلاج في العيادة مجاني، لكن زيارة الصيدلية لشراء الدواء يمكن أن تكلّف 500 راند لكلّ زجاجة، أو نحو 27 دولاراً. 

في عام 2022، كان متوسط ​​الراتب الشهري 5,417 راند، ونصف العاملين في جنوب أفريقيا يكسبون 290 دولاراً فقط في الشهر. تدرك جويندولين مدى أهمية تناول أدويتها باستمرار، لكنها تشعر بالقلق بعد سماع الأخبار عن احتمال انتهاء العلاج المجاني. وفي هذا السياق، قالت: "إنّ هذا الأمر يغضبني ولا أريد أن أكذب. فالكثيرون منّا لا يملكون مساعدة طبية ومعظمنا عاطل عن العمل، ما يعني أنّ معظم الناس لن يتمكّنوا من دفع ثمن العلاج وسيموتون". 

ومع معدل بطالة يبلغ 32.1%، فإنّ عدد البالغين في جنوب أفريقيا العاطلين عن العمل يوازي تقريباً عدد الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. وقالت جويندولين: "في الوقت الحاضر، لن يكون لدي المال لشراء العلاج لأنني أم عازبة وليس لدي زوج ويجب أن أعتني بنفسي وبطفلتي. والتأكّد من وجود طعام على الطاولة أولوية بالنسبة لنا. أنا قلقة للغاية، يجب أن أعيش من أجل ابنتي البالغة من العمر 14 عاماً، فهي لا تزال تذهب إلى المدرسة ويجب أن أكون حاضرة من أجلها حتى تصبح قادرة على الاعتناء بنفسها".

وفي ما يخص  قرار الإعفاء الإنساني الطارئ لوقف المساعدات الخارجية الصادر في 28 كانون الثاني/يناير، كتب روبيو: "يجب على منفّذي برامج المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة الحالية مواصلة العمل أو استئنافه في حال توقّفوا". ولكن ما الذي يعتبر بالضبط "منقذاً للحياة"؟ لقد حدّدت وزارة الخارجية أنّ "المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة تنطبق على الأدوية الأساسية المنقذة للحياة والخدمات الطبية والغذاء والمأوى والإعاشة". وأشارت إلى أنّ "الإعفاء لا ينطبق على الأنشطة التي تنطوي على عمليات الإجهاض، أو تنظيم الأسرة، أو المؤتمرات.. أو برامج النوع الاجتماعي أو أيديولوجية التنوّع والمساواة والشمول، أو العمليات الجراحية التي يخضع لها المتحوّلون جنسياً، أو غيرها من المساعدات غير المنقذة للحياة".

ويفسّر البعض ذلك على أنّ أدوية فيروس نقص المناعة البشرية مشمولة، لكن طرق الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية، مثل توزيع الواقي الذكري، ليست كذلك. وبالتالي، فإنّ عدداً قليلاً من المنظمات ينخرط في أعمال "إنقاذ الحياة" فقط، كما يحددها ترامب وروبيو بدقة. 

على أي حال، عندما يتعلق الأمر برعاية فيروس نقص المناعة البشرية في جنوب أفريقيا، "حتى لو تمّت استعادة التمويل في غضون شهر أو نحو ذلك، فلن يكون من الممكن إعادة فتح الصنبور"، وفق ما أوضحه عالم وطبيب متخصص في فيروس نقص المناعة البشرية من ديربان، ثالث أكبر مدينة في جنوب أفريقيا لموقع "ذي إنترسبت". وقال الطبيب، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب مخاوف تتعلق بتمويل عمل منظمته والانتقام المحتمل منه ومن مرضاه: "أشعر بالقلق من أنه بسبب ما يسمّى بتأجيل أدوية فيروس نقص المناعة البشرية، يعتقد الناس أن المشكلة قد حُلّت. لكن الجدوى المالية الكاملة للكثير من المنظمات معرّضة للخطر، وهي تعمل على إعادة تنظيم نفسها بسرعة لإعداد كشوف المرتبات، والعمال المهرة يتدافعون للحصول على وظائف". 

وقد أقرّ الطبيب بأنّ "خطة PEPFAR واجهت مشكلاتها بالتأكيد، لكن التزامها طويل الأمد اكتسب قدراً كبيراً من الثقة وحسن النية لدى الولايات المتحدة بشأن هذه القضية، على الأقل. ويبدو هذا الإعلان وكيفية تنفيذه تعسفياً للغاية وغير جدير بالثقة. والأضرار التي لحقت بالعلاقات الموثوقة هائلة وسيكون من الصعب إعادة بنائها".

من الصعب تأكيد دور الثقة في الصحة العامّة بشكل كافٍ. ففي عام 2020، خلال العام الأول الكامل لجائحة "كوفيد-19"، حقّقت الكثير من البلدان الفقيرة نتائج صحية أفضل من البلدان الأكثر ثراء مثل الولايات المتحدة نتيجة الثقة. ولم يكن مدى ثراء الدولة العامل الرئيس، بل حجم ميزانية الدولة الصحية المخصصة للوقاية. وكان أداء البلدان، حتى الفقيرة منها للغاية، حيث كانت للسكان المحليين علاقات موثوقة مع خبراء التوعية في مجال الصحة العامة، أفضل في تلك السنة الفتّاكة الأولى من أداء البلدان التي لا تملك مثل هذه العلاقات. وللتوضيح، إذا كان هناك شخص في قريتك يوزّع لسنوات شبكات البعوض للوقاية من الملاريا ويوزّع الواقي الذكري للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية، فقد تكون أكثر استعداداً للاستجابة لنصيحته بارتداء قناع أو الاحتماء للوقاية من "كوفيد-19" مما لو جاءت النصيحة نفسها من مقدّم رعاية صحية بعيد.

لقد بُنيت هذه الثقة طويلة المدى وفوائدها الواسعة التي تتجاوز فيروس نقص المناعة البشرية من خلال برامج مثل خطة "PEPFAR"، وقال الطبيب من جنوب أفريقيا لموقع "ذي إنترسبت" إنهم يخشون تداعيات تصرّفات إدارة ترامب، وذكر "لقد عملنا بجد من أجل التركيز على الرعاية التي تركّز على مرضى المجموعات الخاصة التي تحتاج إليها، مثل النساء اللاتي يحاولن الإنجاب، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مصاحبة أو عدوى مصاحبة، والأشخاص غير المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية ويطلبون تدخّلات وقائية. ولن يتمّ اعتبار كلّ هذه الأمور بالضرورة "منقذة للحياة"؛ وبالتالي، لا تشملها الإعفاءات وقد يتمّ منع الكثير من البرامج من تلقّي الأموال من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. "لكنها مجالات هامة للوصول إلى جيل خالٍ من الإيدز". 

إنّ الرهبة الوجودية لهذه المعركة محسوسة الآن لدى أشخاص مثل جويندولين في جنوب أفريقيا، التي لا تعرف ما إذا كانت ستتمكّن من الحصول على أدويتها في الشهر المقبل. وفي حال اضطرت للتقصير في علاجها، ستزداد حالتها سوءاً وقد تموت مثل الآخرين. وهو أمر لا تريده.

نقلته إلى العربية: زينب منعم