"ذا ناشونال إنترست": على الولايات المتحدة أن تكون حذرة في تعاملها مع دور الشرع
يتعيّن على الولايات المتحدة التعامل بحذر مع ابتعاد الشرع عن جبهة النصرة بعد استيلائه على السلطة.
-
لقاء ترامب والشرع في السعودية بحضور ابن سلمان
مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية ينشر مقالاً يتناول الصراع على النفوذ السياسي للإسلام السياسي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد عام 2024، مع التركيز على جماعة الإخوان المسلمين ودور أحمد الشرع.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
عندما تولّى أحمد الشرع، الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، السلطة في دمشق مع سقوط نظام الأسد عام 2024، اعتقدت جماعة الإخوان المسلمين بأن حظوظها قد تغيرت. فبعد أن بقيت محظورة لفترة طويلة في ظل نظام الأسد، توقعت الجماعة عودة سهلة بفضل الخلفية الجهادية للشرع. إلا أنّ الزعيم السابق لجبهة النصرة (التي تبنت اسم "هيئة تحرير الشام" عام 2017 في محاولةٍ لتغيير اسمها والنأي بنفسها عن ماضيها العنيف) همّشها ورفض حتى طلبها بإعادة فتح مكاتبها. وهو يسعى جاهداً إلى تعزيز سلطته وتوحيد سوريا مع القوى الإقليمية والغربية المناهضة للإخوان المسلمين.
اتسم تاريخ الحكومة السورية وجماعة الإخوان المسلمين بسلسلة من الأحداث المضطربة. وما بدأ كصراع سياسي بين الحركة الإسلامية وحزب البعث العلماني القومي العربي، بدأ مباشرة بعد الانقلاب البعثي عام 1963. وتطورت الخلافات حول دور الإسلام والسياسة في المجتمع السوري في النهاية إلى تمرد مسلح من قبل الإخوان المسلمين عام 1979. وبلغ هذا الصراع ذروته مع المذبحة التي ارتكبتها الحكومة في مدينة حماة عام 1982، والتي أسفرت عن مقتل الآلاف من المسلحين والمدنيين في أكبر معاقل الإخوان المسلمين في سوريا. كما دمّر البعثيون المدينة، وسحقوا الإخوان كقوة سياسية داخل سوريا، وأجبروهم على ترسيخ وجودهم خارجها.
ولا شك أن المنفى عطّل قدرة الجماعة على التنظيم والعمل، لكنه سمح أيضاً لجماعة الإخوان المسلمين السورية بتنظيم حركة معارضة قوية في الخارج. وقد تجلى ذلك خلال الأيام الأولى للربيع العربي، موجةً الاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي أواخر عام 2010 وأوائل عام 2011. وفي الوقت الذي كانت الحركات الإسلامية في مختلف أنحاء المنطقة تسعى إلى طرح نفسها كبدائل للأنظمة الاستبدادية الراسخة التي خضعت فجأةً للضغوط، سعت جماعة الإخوان المسلمين السورية إلى تأكيد هيمنتها.
وعلى الأرض، كان عدد جماعات الإخوان المسلمين المشاركة في الاحتجاجات ضئيلاً. ومع ذلك، وجد الإخوان المسلمون أن بإمكانهم تعزيز نفوذهم من خلال المجلس الوطني السوري الذي يتخذ من تركيا مقراً له. وبرز الأتراك، إلى جانب القطريين، كأبرز الداعمين لصعود الإخوان خلال فترة الربيع العربي. وزعم المجلس الوطني السوري تمثيله 60% من جماعات المعارضة في سوريا. وأشادت به قطر وتركيا كممثل شرعي للشعب السوري، قبل أن يندمج في نهاية المطاف مع الائتلاف الوطني السوري الذي يتخذ من قطر مقراً له. ومن المثير للاهتمام أن هذا النفوذ الخارجي لم يُترجم قط إلى قوة حقيقية خلال الحرب الأهلية.
ونتج غياب التأثير الحقيقي عن عدم دعم جماعة الإخوان لأيٍّ من الجماعات المتمردة الرئيسة التي تقاتل الأسد. بمعنى آخر، افتقرت الحركة إلى القوة المادية. ومع ذلك، فقد دعمت علناً الغزو البري الذي شنّته تركيا على شمال سوريا في عام 2019، وحثّت الفصائل المتمردة على الانضمام إلى القوات التركية في الاستيلاء على المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة الأكراد.
وعلى الرغم من وجود علامات واضحة على نفوذ الإخوان المسلمين في مراحل مختلفة طوال الحرب الأهلية في سوريا، فإن تأثير هذه الجماعة ظل صغيراً نسبياً. لكن التوقعات تغيرت مع سقوط بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي. وبدا أن انهيار نظام الأسد، إلى جانب صعود أحمد الشرع، قد أتاحا لجماعة الإخوان المسلمين السورية فرصة ذهبية للعودة إلى الساحة السياسية.
واتضح على الفور أن تركيا وقطر، وهما نظامان لا يزالان يدعمان جماعة الإخوان المسلمين، تتمتعان بنفوذ كبير على الحكومة الناشئة. كما بدا أن قيادة الشرع السابقة لجبهة النصرة كانت مؤشراً على تحوّل في مسار الإخوان المسلمين. فالقاعدة، في نهاية المطاف، تستمد قوتها من أيديولوجية الإخوان المسلمين وعقيدتهم.
ومنذ سقوط نظام الأسد، ترددت القيادة الجديدة في دمشق في منح الإخوان المسلمين فرصةً في النظام السياسي المتطور. وتشير مصادر إعلامية سورية محلية إلى أن الشرع أبلغ المراقب العام للإخوان، عامر البو سلامة، بنيّة الحكومة تجميد أنشطة الجماعة. ولا يزال الحظر المفروض على الإخوان منذ عام 1963، عقب وصول حزب البعث إلى السلطة، قائماً.
ويبدو أنّ للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وحتى "إسرائيل"، نفوذاً كبيراً في سوريا. فقد رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا في حزيران/ يونيو من هذا العام لتعزيز البراغماتية والاعتدال اللذين يجسدهما النظام الجديد. وقدَّم السعوديون والإماراتيون دعماً إضافياً على أمل إبعاد سوريا عن الإسلام السياسي والتطرف. في المقابل، يواصل الإسرائيليون تنفيذ عمليات عسكرية في سوريا لتحييد التقدم الجهادي الذي قد يعرض "إسرائيل" أو حتى الأقلية الدرزية في المناطق الجنوبية من البلاد للخطر.
بشكل عام، بدأت الرسائل من المنطقة تصل. فعلى الرغم من استمرار النفوذ القطري والتركي الفعلي في النظام السوري الجديد، نفى الشرع مراراً أي صلة له بالإخوان المسلمين. ومع ذلك، من الخطأ إرجاع هذا الأمر إلى تحول أيديولوجي لدى الزعيم السابق لتنظيم القاعدة. فتمكين الإخوان المسلمين يُشكل تهديداً مباشراً لترسيخ سلطته. ويمكن لشبكة الجماعة التاريخية ونفوذها داخل مجموعات المعارضة السورية في الخارج أن يُنافسا بسهولة نفوذه المتزعزع حالياً.
وتُعزز تجربة الشرع هذه النقطة. فخلال الحرب الأهلية، عزز سيطرته في إدلب بتهميش الفصائل الإسلامية الأخرى، على الرغم من تشابهها الأيديولوجي مع "هيئة تحرير الشام". ومن المُسلّم به اليوم أن الشرع لا يزال يرى أن للإسلام السياسي في سوريا دوراً هاماً. وهو ببساطة يسعى إلى تحديد معالمه. وفي الوقت نفسه، يتسم موقف الشرع بالبراغماتية. فالسعودية والإمارات، خصما الإخوان المسلمين ومناصرا الإسلام المعتدل، لاعبان إقليميان مهمان. وقد ضمنتا أن يكون لهما مصالح سياسية واقتصادية كبيرة في مستقبل سوريا. وتجدر الإشارة إلى أنهما ساهمتا في تشجيع الجهود المبذولة في واشنطن لتصنيف جماعة الإخوان رسمياً كمنظمة إرهابية أجنبية. وفي حين يسعى الشرع إلى التخلص من سمعته كزعيم جهادي، بما في ذلك من خلال خطاب مرتقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يبدو أن النأي بنفسه عن جماعة الإخوان المسلمين يصب في مصلحته إلى حد كبير.
وعلى الرغم من هذه التطورات المعاكسة، لم يستبعد الإخوان المسلمون في سوريا العودة إلى السلطة مستقبلاً. والأهم من ذلك، أن الجماعة لم تعد تخشى القمع الوحشي الذي واجهته في عهد البعثيين. وهذا قد يشجعها على مواصلة الضغط من أجل دخول الساحة السياسية السورية. ويبدو أن الرسالة السياسية للجماعة تشير إلى ذلك تماماً. ففي 7 آب/ أغسطس، أصدرت الجماعة أول بيان رسمي لها يُحدد رؤيتها لسوريا ما بعد الأسد. وتعهد البيان بأن تكون جماعة الإخوان المسلمين "ناصحة وأمينة وحريصة على نجاح عملية بناء دولة مدنية حديثة ذات مرجعية إسلامية"، مضيفاً أنها "ستسعى دائماً إلى سدّ الثغرات لضمان نجاح الثورة". وأكدت الجماعة أيضاً أنها "ستبقى، كما عهدها الشعب السوري، جماعة سورية وطنية مستقلة في قرارها".
لقد كان توقيت البيان ونبرته مقصودين. فقد صدر في وقتٍ كان فيه جهاديون في سوريا، من بين صفوف الجيش السوري الجديد، منخرطين في عمل عسكري مع الدروز في البلاد. وهكذا، رسّخت جماعة الإخوان المسلمين مكانتها كفاعل إسلامي يتمتع بالخبرة والبراغماتية، وقادر على التكيف مع الواقع السياسي الجديد الهش في البلاد. ومن خلال تصوير نفسها على أنها "مستشار مخلص" وليس منافساً، لا تزال الجماعة تسعى إلى تمييز نفسها كجهة معارضة مخلصة تختلف سياسياً وأيديولوجياً عن الائتلاف الحاكم الحالي، الذي يهيمن عليه أعضاء "هيئة تحرير الشام".
وقد تناول الشرع بشكل غير مباشر دعوة الإخوان المسلمين من خلال مستشاره الإعلامي، أحمد موفق زيدان، الرئيس السابق لمكتب قناة الجزيرة. وفي مقال افتتاحي نشرته قناة الجزيرة بتاريخ 22 آب/ أغسطس بعنوان "متى تحل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا نفسها؟"، قال زيدان: "مع فائق احترامي لإخواني وأصدقائي في جماعة الإخوان المسلمين، فإنّ حل الجماعة اليوم، كما فعلت مكونات أخرى، سيخدم الوطن".
وأثار مقال زيدان رداً من أسامة أبو أرشيد، الناشط الراديكالي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بحركة الاحتجاج في الجامعات الأميركية، الذي رفض دعوة زيدان واعتبرها محاولة لشيطنة الحركة، مدعياً أن الدعوة لحل جماعة الإخوان المسلمين تشكل محاولة "لإخضاع المجتمعات العربية وقواها السياسية والاجتماعية". ووصف حجة زيدان بأنها جهد أميركي- إسرائيلي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال القضاء على فصائل المقاومة.
ومما لا شك فيه أنّ الجدل سيستمر حول دور الإسلام السياسي في سوريا الجديدة. وفي الوقت الراهن، يتمحور السؤال المركزي حول ما إذا كان الإسلام السياسي في الدولة سيتم تعريفه حصرياً من خلال إطار الشرع الجديد، أم من خلال ادعاءات الإخوان المسلمين بأهميته. وفي بعض النواحي، يُعد هذا خياراً بين السيئ والأسوأ.
إنّ السبيل الوحيد للشرع للخروج من هذا المصير الإسلامي هو التحالف الكامل مع السعوديين والإماراتيين والولايات المتحدة. وهو سبق أن اتخذ الخطوات اللازمة لتهميش الإخوان، إلا أنه لا ينبغي لواشنطن أن تكافئه على ذلك. على الأقل ليس الآن. فأفعاله لا تنبع من طموحه لتقويض نفوذ الفصائل الإسلامية المتنافسة، بل من الواقعية السياسية البحتة، وتهدف إلى بقائه.
ويجب على الولايات المتحدة ألا تنجرف في حماسة التغيير الذي طال انتظاره في سوريا قبل أن تتضح معالم نهاية الشرع. وعلى الرغم من أن الاستقرار في سوريا يصب في مصلحة الولايات المتحدة، كما أكد الرئيس دونالد ترامب ومبعوثه توماس براك، إلا أن هذا الأمر لا ينبغي أن يُترجم إلى تمكين الشرع من إعادة بناء نظام استبدادي آخر في دمشق، أو إعطاء الضوء الأخضر لقوة إسلامية أخرى في المنطقة.
باختصار، يتعين على واشنطن ألا تخلط بين إقصاء الإخوان وعملية الإصلاح. كما يجب ألا يُفهم الإقصاء على أنه رفض للإسلام السياسي.
لقد تنازلت إدارة ترامب عن نفوذها مبكراً في ما يتعلق بتخفيف العقوبات والمشاركة الدبلوماسية. ويجب على واشنطن أن توظف بشكل مدروس وعودها بتقديم المساعدات والمساهمة في إعادة الإعمار وغيرها من الحوافز المتبقية. كما يجب دفع الشرع إلى اتخاذ خطوات ملموسة نحو بناء نظام تعددي يحمي الأقليات العرقية والطائفية، ويُقلّل من دور الجهاديين والإسلاميين السياسيين على حد سواء. وفي الوقت نفسه، ينبغي على الولايات المتحدة التنسيق مع حلفائها الخليجيين، ولا سيّما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لضمان أن يعكس نظام ما بعد الأسد حوكمةً شاملةً بدلاً من تعزيز الاستبداد والإسلام المتشدد.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.