"فورين بوليسي": كيف ترد قطر على القصف الإسرائيلي؟

متحدث رسمي يقول إنّ ما حدث في الدوحة يمثل "تحولاً جذرياً في المنطقة بأكملها".

  • "فورين بوليسي": كيف ترد قطر على القصف الإسرائيلي؟

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقابلة مع ماجد الأنصاري، مستشار رئيس الوزراء القطري والمتحدث باسم وزارة الخارجية، تحدث فيها عن القصف الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة وما ينطوي عليه من تهديدات إقليمية، مركزاً على إصرار قطر على العمل كوسيط لحل النزاعات، والحاجة إلى تحرك دولي لوقف اعتداءات "إسرائيل".

أدناه نص المقابلة منقولةً إلى العربية:

في 9 سبتمبر/أيلول، قصف "الجيش" الإسرائيلي منطقة سكنية في الدوحة، عاصمة قطر، بهدف استهداف قيادة حركة حماس السياسية. ووفقاً لحماس، قُتل خمسة من أعضائها، لكن لم يُستهدف أي من قياداتها الرئيسية. وقد أدانت الدوحة، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، هذا الهجوم بشدة. حتى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبدى استيائه من العملية على منصة "تروث سوشيال"، قائلاً: "أعتبر قطر حليفاً وصديقاً وثيقاً للولايات المتحدة، وأشعر بحزن شديد إزاء موقع هذا الهجوم".

هل ستواصل الدوحة دورها كوسيط بين حماس و"إسرائيل"؟ وهل لا تزال قطر تعتقد أنّ مصالحها تكمن في دورها الأوسع في مفاوضات السلام حول العالم؟ التقينا مع ماجد الأنصاري في قمة "كونكورديا" يوم الإثنين 22 أيلول/سبتمبر، على هامش الدورة الـ 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة. الأنصاري هو مستشار رئيس الوزراء القطري والمتحدث باسم وزارة الخارجية.

ما يلي نص مختصر ومحرر للمقابلة:

رافي أغراوال: دعونا نبدأ بالهجوم الإسرائيلي الذي استهدف قيادة حماس في الدوحة. هناك تقارير تفيد بأن رئيس الوزراء القطري طالب "إسرائيل" بالاعتذار. هل هذا صحيح؟

ماجد الأنصاري: المشكلة هنا ليست في من سيقدم الاعتذار، بل في أنّ هذا الاعتداء كان انتهاكاً جسيماً للسيادة، وانتهاكاً لمبدأ الوساطة، وانتهاكاً للسلام، وذلك في وقت كانت بلادي تبذل جهوداً كبيرة للوساطة في 12 قضية نزاع، بما في ذلك الوساطة بين حركة حماس و"إسرائيل".

وقد وقع الاعتداء في منطقة سكنية يقطنها 5000 نسمة، وتضم عدداً من المدارس، حيث اضطر الأطفال، بمن فيهم الأطفال الأميركيون، إلى البقاء في منازلهم. وفي وقت وقوع الاعتداء، كانت 13 سفارة تعمل في نفس المنطقة. هذا ليس حادثاً عابراً، ولا جريمة قتل تستهدف معارض سياسي، ولا اعتداء في منطقة نزاع، بل هو اعتداء على مبدأ الوساطة بين الأطراف المتنازعة، وعلى مبدأ حل النزاعات بالطرق السلمية، وعلى مبدأ الدبلوماسية الدولية.

أغراوال: ما تأثير هذا الاعتداء على العلاقات بين قطر و"إسرائيل" الآن؟ وهل يمكن إصلاحها؟

الأنصاري: هذا تغيير جذري في المنطقة بأكملها. بعد اتفاقيات أوسلو، كانت قطر من أوائل الدول التي بدأت في التواصل مع "إسرائيل". كنا نرى آنذاك فرصة حقيقية للسلام، وفرصة لأجيالنا القادمة للعيش في منطقة مستقرة بدلاً من منطقة نزاعات متكررة. كنا نأمل أن يحقق الشعب الفلسطيني حلمه في إقامة دولته، وأن يتم حل النزاع العربي الإسرائيلي بالطرق السلمية. للأسف، لم يتحقق ذلك، بل تدهور الوضع يوماً بعد يوم. لم يكن يُنظر إلى "إسرائيل" قط على أنها تهديد مباشر لأي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي.

أغراوال: لقد استخدمتَ الماضي في حديثك. هل تعني أنّ "إسرائيل" باتت الآن تشكل تهديداً؟

الأنصاري: بالطبع. فلو قُتل أحد مواطنيك في غارة جوية من أي دولة، ولو كانت هذه الدولة قد نفذت العملية بشكلٍ أحادي من دون علم أجهزة مخابراتها، فهل من حقنا أن نعتبر هذه الدولة تهديداً لأمننا القومي؟ إذا قرأتم بيان مجلس التعاون الخليجي الصادر عن الاجتماع الذي عُقد على هامش قمة الدول الإسلامية في الدوحة، والذي شاركت فيه 57 دولة، ستجدون فيه تأكيداً واضحاً على أن هذا الهجوم يُعرّض جميع الاتفاقيات في المنطقة للخطر.

أغراوال: قطر حليف وثيق للولايات المتحدة. هناك تقارير تفيد بأنّ نتنياهو أبلغ ترامب مسبقاً عن العملية. هل تؤمنون بهذه التقارير؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يعني ذلك بالنسبة للعلاقات بين الدوحة وواشنطن؟

الأنصاري: كان أول اتصال تلقاه سمو الأمير بعد العملية من ترامب، الذي أبلغه شخصياً أنّ الولايات المتحدة لم تُستشر ولم تُطلع على الأمر مسبقاً، وأكد أنّ الولايات المتحدة، بقيادته، ستضمن عدم تكرر مثل هذا الهجوم.

هذا إجراء أحادي الجانب من جانب نتنياهو. نحن نعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لضمان عدم تكرار ذلك. وفي نيويورك، سنعقد اجتماعات مباشرة مع ترامب لمناقشة مخاطر اتخاذ قيادة متسرعة مثل هذا القرار الأحادي في منطقتنا، وما قد يسببه من زعزعة للاستقرار والرخاء في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي.

أغراوال: يبدو أنك غاضب للغاية من "إسرائيل". لقد وصفت قيادتها بأنها "قيادة غير عاقلة". هل تعتقد أنّ الولايات المتحدة تمتلك نفوذاً، وقادرة على استخدامه، للتأثير على تصرفات "إسرائيل" في المنطقة؟

الأنصاري: في الأسبوع نفسه الذي تعرضت فيه قطر للقصف، تعرضت سبع دول في المنطقة للقصف من قبل الطائرات الإسرائيلية. لقد وصل تأثير هذا الصراع على المنطقة إلى مستوى خطير.

وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها رئيس الوزراء نتنياهو قادراً على قصف دمشق، وقصف جنوب لبنان، وإرسال قواته إلى جنوب سوريا، وقصف اليمن، والآن قصف قطر، من دون أي مساءلة أو عقاب.

إذا كان هذا يعني عدم احترام "إسرائيل" للقانون الدولي أو سيادة الدول الأخرى، فإن المجتمع الدولي ملزم بالتدخل. ولذلك توجهنا فوراً إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان في جنيف، ونعمل بشكل وثيق مع منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية.

أغراوال: سأطرح سؤالاً آخر: هل كل هذا له أي أهمية؟ نحن هنا في نيويورك، في ذكرى مرور 80 عاماً على تأسيس الأمم المتحدة، والجميع يتساءل: هل للقواعد أي قيمة؟

الأنصاري: هذا هو أكبر خطر في عالم اليوم، وقد أصبت في صلب الموضوع. هل سينهار النظام الدولي القائم على القواعد تحت وطأة قادة لا يكترثون لها؟ لا يهتمون بالسلام، ولا يهتمون بالنظام العالمي الذي وُضع لمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة. هدفنا الآن هو حماية النظام الدولي. لو سألنا الناس في العالم، لوجدنا استياءً واسعاً من عجز المجتمع الدولي في معالجة النزاعات المتعددة. لكن ما هو البديل؟ هل هو نظام دولي قائم على القوة، يمنح أي قوة إقليمية حق فعل ما تشاء في منطقتها؟ إذا حدث ذلك، فسيكون الجميع في خطر.

أغراوال: سأسألك سؤالاً أعم. يبدو لي أنّ الكثيرين لا يعرفون دور قطر في العقود الأخيرة. لقد وسّطتم في العديد من النزاعات حول العالم. أعتقد أن الدوحة فعلت ذلك لأنها رسالة نبيلة، ولأنها تسعى لأن تكون شريكاً أساسياً للدول في العالم لحماية مصالحها. هذا النهج نشأ في زمن كان فيه احترام القواعد أمراً بالغ الأهمية، ولم يكن هناك إفلات من العقاب على انتهاكها. إذا كنا نعيش في زمن يُشبه قانون الغاب، حيث القوة هي المعيار، فهل سينتهي دور قطر كوسيط؟

الأنصاري: في يوم 9 أيلول/سبتمبر، كنا نقوم بـ 12 عملية وساطة. هذا هو جوهر سياسة قطر، وهذا ما نؤمن به، ولن يغير هذا الموقف أي قوة أو ضغط.

أغراوال: لكن دعني أذكركم مجدداً، في الأشهر الأخيرة، هاجمتكم إيران بصواريخ استهدفت قاعدة العيديد العسكرية الأميركية، التي طلبتها الولايات المتحدة منكم إنشاءها. كما واجهتم انتقادات واسعة بسبب دوركم كوسيط في المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة، ثم بين حماس و"إسرائيل" والولايات المتحدة، وأنتم تدفعون ثمن ذلك. أنتم تتعرضون للهجوم.

الأنصاري: إنّ السعي إلى السلام ليس رخيصاً، والالتزام به ليس رفاهية. إن تعرضنا للهجوم يثبت أهمية دور الوساطة في تحقيق السلام في العالم اليوم. هناك دول ترى في هذه الجهود تهديداً لأجنداتها، وهذا هو السبب الرئيسي في حاجة العالم إلى المزيد من جهود الوساطة.

أحد الأسباب الرئيسية التي تجعلنا هدفاً سهلاً هو أنّ العديد من الدول لديها القدرة على لعب دور الوسيط، لكنها لا تفعل ذلك لأسباب سياسية داخلية أو خوفاً من المخاطر. ولن يتوقف هذا إلا إذا وقفت الدول الأخرى إلى جانب الوسطاء. فمن السهل استهداف أي وسيط لا يتوافق دوره مع أجندة دول معينة أو لا ترغب في اتفاق سلام.

نحن لا نعمل بمفردنا، بل نتعاون مع شركائنا في أوروبا، ونوقع اتفاقيات مع دول في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. نعمل مع شركائنا لبناء تحالفات دولية ملتزمة بالسلام. المخاطر موجودة دائماً، ونحن فخورون بخطوتنا هذه.

لا يمكننا أن نتوقع أن يعيش جيلنا وأبناؤنا في سلام وازدهار، وأن يحافظ العالم على هذا السلام والازدهار لأجيالنا القادمة. علينا بذل قصارى جهدنا، وفي بعض الأحيان، علينا تحمل المخاطر.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.