"Responsible Statecraft": كيف سترقص البرازيل مع أميركا في عهد ترامب؟
ما هو المبدأ الأساسي لسياسة الرئيس البرازيلي الخارجية، وخصوصاً التعامل مع الولايات المتحدة؟
-
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً تتحدّث فيه عن السياسة الخارجية للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا ووزير خارجيته سيلسو أموريم، وناقشت كيف يمكن أن تكون علاقة البرازيل والولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
بعد 3 أشهر من إدارة ترامب، غابت بوضوح المواجهة مع البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، رئيس أكبر دولة في أميركا اللاتينية، وهو رجل دولة مخضرم ينتمي إلى اليسار العالمي، وكان قد فضّل المرشّح الديمقراطي ومنافس ترامب خلال الانتخابات الرئاسية في العام الماضي.
كذلك انتقد الرئيس البرازيلي إيلون ماسك بسبب الطريقة الصريحة التي سعى بها لتقويض القانون البرازيلي من خلال عمليات منصّة "إكس" في بلاده، وقال في أيلول/سبتمبر الماضي، إنّ "العالم ليس ملزماً بتحمّل اليمين المتطرّف الذي يتبنّاه ماسك، ولا أن تسير الأمور بحسب هواه لمجرّد أنّه ثري".
ربّما يكون ماسك الآن هو اللاعب السياسي المحوري في حكومة ترامب. ومع ذلك، بالمقارنة مع رئيس كولومبيا غوستافو بيترو، الذي تحدّى بقوة وعلنية سياسات ترامب المتعلّقة بالترحيل لأنّها تخصّ بلاده، فإنّ حكومة البرازيل كانت متحفّظة، واختارت استراتيجية تواصل خفيّة تركّز على الحفاظ على القنوات الدبلوماسية المفتوحة.
ولا يعكس هذا النهج مجرّد أمل البرازيل في تجنّب غضب ترامب، بل من شبه المؤكّد أنّ دا سيلفا سيصعّد انتقاداته لترامب خلال حملته الرئاسية في العام المقبل. كما أنّ التحرّك المتعمّد لتجنّب استفزاز ترامب ينبع على الأرجح من استنتاج أنّ نوع الاضطراب الذي يمثّله ترامب قد يتيح للبرازيل فرصاً جديدة لتعميق توجّه السياسة الخارجية الذي تبنّاه دا سيلفا منذ ولايته الرئاسية الأولى بين عامي 2003 و2011. وكان قد هندس هذه الاستراتيجية، التي تعطي الأولوية للقيادة البرازيلية في أميركا الجنوبية القوية والموحّدة، وللاستقلال العنيد على الساحة العالمية، هو السياسي والدبلوماسي البرازيلي سيلسو أموريم.
شغل أموريم منصب وزير خارجية دا سيلفا طوال فترتيه الرئاسيتين بين 2003 و2011، وكان وزيراً للدفاع في عهد خليفة دا سيلفا المختارة بعناية الرئيسة ديلما روسيف، من عام 2011 إلى عام 2014. وهو حالياً أهمّ مستشاري الرئيس البرازيلي في السياسة الخارجية.
عادة ما يتجنّب أموريم الظهور العلني، لكنّه أوضح مؤخّراً بسرعة بعض نقاط أفكاره الحالية. ومنها أنّه يرى بعض الإيجابيّات المحتملة في التغيير الجيوسياسي الذي أحدثه ترامب. ومنها ما هو مرحّب به بوضوح في البرازيل بشأن جهود واشنطن لإعادة التواصل مع روسيا.
يقول أموريم خلال مقابلة صحافية "أعتقد أنّ ترامب ينظر إلى كبر حجم روسيا، الدولة التي تمتد أراضيها الشاسعة على 12 منطقة زمنية، ويتخيّل إمكانيّات الاستثمار فيها، ولا يريد أن يكون على خلاف معها". كما أشار أموريم إلى تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن أنّ الولايات المتحدة لا تريد أن ترى روسيا "معتمدة كلّياً على الصين ولا عدوّاً لبكّين"، ووصفه بالتصريح المنطقي بشكل مدهش. كما يرى أموريم أنّه ينبغي الترحيب بالمحادثات بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين باسم السلام.
بعد عودته إلى السلطة في العام 2023، سعى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا جاهداً للمساعدة على التفاوض لإنهاء الحرب في أوكرانيا. لكنّ جهوده لم تحظ بدعم إدارة الرئيس جو بايدن، حيث اتّهم المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، الرئيس دا سيلفا بأنّه "يردّد الدعاية الروسية والصينية"، ولم تسفر مبادرته عن أيّ نتيجة. أمّا الآن، فإنّ الرئيس الأميركي يقدّم نقاطاً مشابهة لما قاله الرئيس البرازيلي قبل عامين.
في حديثه مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أوائل آذار/مارس في البيت الأبيض، والذي كان فظاً للغاية، يلاحظ أموريم، "قال ترامب شيئاً مثيراً للاهتمام.. هو زيلينسكي يريد النصر. أنا أريد السلام. وهذا صحيح أيضاً".
كذلك، يربط أموريم الآن التطورات الأخيرة في الحرب الأوكرانية بالتطلّع البرازيلي الراسخ إلى نفوذ دولي أكبر. ويفترض أنّه في النهاية، "سيتعيّن عليهم إضفاء طابع متعدّد الأطراف على عملية السلام"، في إشارة إلى محاولات إنهاء الحرب في أوكرانيا، ليس أقلّها لتجنّب الاحتكاكات الطبيعية القائمة بين روسيا والولايات المتحدة. لندع الأمور تتطوّر، "في الوقت المناسب، سيكون للبرازيل دور تؤدّيه".
باعتبار البرازيل رابع أكبر ديمقراطية في العالم ومنتجة معظم غذائه، فليس من السهل تجاوزها، كما يُذكّر أموريم محاوريه في كثير من الأحيان، نظراً للدور المركزي للبرازيل في المحافل الدولية المهمة مثل مجموعة بريكس. وفي إشارة إلى رحلات دا سيلفا الخارجية المقبلة، من ضمنها زيارة روسيا والصين، يشير أموريم إلى أنّ الرئيس البرازيلي لا يزال منخرطاً في السعي إلى مواصلة نحت إرث دائم في السياسة الخارجية لتأكيد أنّ البرازيل ليست فقط لديها وزن وثقل إقليمي، فهي جزء من الجنوب العالمي، وناشطة إلى جانب القوى العالمية الكبرى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة، التي لا تريد البرازيل الصراع معها، لكنّها تظهر لواشنطن أنّ لديها خيارات، ممّا يساعدها على التأثير في قضايا أخرى أيضاً".
وأشار أموريم إلى أنّه لا يوجد عداء مناهض للغرب داخل مجموعة البريكس، التي توسّعت بشكل كبير في العام الماضي. وأضاف أموريم أنّ "البرازيل، بلد يريد الدفاع عن موقفه وموقف الدول النامية من دون عدوان"، مشيراً إلى تاريخ من العلاقات المثمرة مع الحكومات ذات العقائد المختلفة، وهذا ما "تأمل بريكس في تحقيقه وهو ما تأسّست للقيام به، لدعم نظام دولي أكثر شمولاً حيث تؤدّي البلدان النامية دوراً أكثر جوهرية، ممّا كان ممكناً في كثير من الأحيان في نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي تقوده الولايات المتحدة".
هذا مهمّ للغاية لأنّه أظهر للدول الرأسمالية الغربية الكبرى أنّها لا تستطيع إملاء القواعد على الآخرين. يمكنها تقديم مبادرات، لكن سيتعيّن عليها مناقشتها معنا"،، يوضّح أموريم، ويضيف: "أعتقد أنّ هذا لم يكن موجوداً من قبل ، حيث كانت مجموعة السبع تتحدّث وكان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية يتبعونها، الآن الأمر مختلف".
يعتقد أموريم أنّ قوة مجموعة بريكس تكمن في تماسكها النسبي. ويبدو أنّ البرازيل غير مهتمة باستبدال الأمم المتحدة بمجموعة بريكس التي تراها هيئة أخرى يمكنها فيها ممارسة نفوذ خاص مع التزامها العميق بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي في نهاية المطاف. ولهذا السبب تجادل البرازيل بأنّ بريكس يجب ألّا تستمرّ في إضافة أعضاء جدد.
يقول أموريم، إن "مجموعة بريكس تتشكّل من الدول النامية التي تريد الازدهار، ولكنّها تريد السلام أيضاً، ولا ريب بأنّ العالم الذي نعيش فيه اليوم يبحث في الغالب عن السلام. والبابا بولس السادس هو الذي قال، التنمية هي الاسم الجديد للسلام، والبريكس تقول إنّها الاسم الجديد للتنمية".
يرى أموريم أّنَّ الولايات المتحدة تحت حكم ترامب مجرّد من النفاق المتكرر خلال العقود المنصرمة، "في بعض الأحيان يكون النفاق يستحق كل هذا العناء لأنّه حضاري. عندما تكون هناك حلول متوافقة مع القواعد، فإنّ الوضع يتحسّن دائماً، وعادة ما كان ينتهي الأمر بالولايات المتحدة بقبول القواعد. لا أرى أنّ ذلك سيفعله ترامب".
ولكنّ أموريم الدبلوماسي المتمرّس، يشير إلى أنّ هذا الموقف أصبح واضحاً فسوف يتعيّن على البرازيل أن تجد فرصاً جديدة، وأن تعزّز مجموعة بريكس فضلاً عن نشاطها المستقل على الساحة العالمية. وكما يعتقد الرئيس دا سيلفا أنّ البرازيل كبيرة للغاية وتتمتّع باتصالات وعلاقات دولية متينة، بحيث لا يمكنها أن تتجاهل المحادثات الرئيسية التي تشكّل السياسة العالمية.
يذكر أن ليس كلّ القادة البرازيليين يتّفقون مع هذا الرأي، ومنهم الرئيس السابق جايير بولسونارو الذي قال مؤخّراً بأنّه من الخطأ أن يعتبر رئيس برازيلي نفسه ندّاً للرئيس الأميركي، "كنت أعرف مكاني عندما أتحدّث مع ترامب".
وكانت المحكمة العليا في البرازيل قد منعت بولسونارو من الترشّح لمنصب الرئاسة حتّى عام 2030 لدوره في محاولة تقويض الانتخابات الأخيرة، إلّا أنّ منصبه يسهم في توضيح المخاطر السياسية لانتخابات العام المقبل في البرازيل. فعائلة بولسونارو، على النقيض تماماً من الصورة الجيوسياسية المستقلة التي تصرّ عليها الحكومة الحالية للبلاد، وتسعى بنشاط إلى تدخّل الولايات المتحدة أملاً في إجبار الحكومة البرازيلية على السماح للرئيس السابق بالعودة إلى المنافسة الانتخابية. وقال بولسونارو إنّ "عدم ترشّحي يمثّل انتهاكاً للديمقراطية".
من جانبهما، يتخيّل أموريم ودا سيلفا عالماً جديداً ما بعد هيمنة الولايات المتحدة. ويساهمان معاً في بناء نظام عالمي أكثر استجابة لرؤاهما ومطالبهما وتطلّعاتهما. قال أموريم إنّ "التحدّي الأكبر الذي نواجهه في ظلّ الانقسام العالمي هو ألّا نكون مستعمرة لأحد".
هذا هو المبدأ الأساسي لسياسة الرئيس البرازيلي الخارجية. ومن المؤكد أنه سيعلن عنه بقوة خلال الحملة الانتخابية في العام المقبل.