التجويع كسلاح: كيف تستخدمه "إسرائيل" ضد المدنيين في غزة؟
رغم وضوح الجريمة، يكتفي المجتمع الدولي بالإدانة اللفظية، من دون اتخاذ إجراءات قانونية فعّالة. لكنّ المسؤولية لا تسقط بالتقادم.
-
رغم وضوح الجريمة، يكتفي المجتمع الدولي بالإدانة اللفظية (أرشيف).
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مطلع أكتوبر 2023، يتعرّض أكثر من مليوني فلسطيني لحصار خانق بلغ أقصى درجات القسوة، يتمثّل في تجويع ممنهج متعمّد تقوده "إسرائيل" ضد السكان المدنيين. ورغم أنّ هذا السلوك ليس جديداً، إلا أن ما تكشفه تصريحات مسؤولين إسرائيليين يجعل من سياسة التجويع أداة حرب ممنهجة ومعلنة، ترتقي إلى جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني.
صرّح وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في بداية الحرب قائلاً: "يجب قطع الكهرباء والمياه والطعام عن غزة، لا ماء ولا وقود ولا شاحنات".
حان وقت الحصار الكامل، هذه حرب على الوحوش. (تصريح منشور على وسائل إعلام إسرائيلية في أكتوبر 2023). وفي تصريح آخر لوزير الحرب السابق يوآف غالانت خلال اجتماع أمني بعد بدء الحرب: "نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرّف وفق ذلك".
"لا طعام، لا ماء، لا كهرباء"، هذه التصريحات ليست فقط تصريحات إعلامية، بل هي ترجمة فعلية للسياسات المتّبعة على الأرض، حيث تمنع "إسرائيل" دخول الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع، وتستهدف المزارع والمخازن والمخابز وشاحنات الإغاثة بالقصف المباشر.
ما تمارسه "إسرائيل" في غزة لا يمكن وصفه إلا بأنه عقاب جماعي لشعب بأكمله. إذ يُمنع سكان غزة من الحصول على مقوّمات الحياة الأساسية، ليس بسبب سلوك فردي أو جماعي معيّن، بل لأنهم جزء من منطقة قرّرت "إسرائيل" إخضاعها للحصار والتجويع تحت ذريعة "الأمن".
العقاب الجماعي محظور صراحة بموجب المادة الـ 33 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والتي تنصّ على أنه: "لا يجوز معاقبة أيّ شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً… ولا يجوز اتخاذ تدابير عقابية جماعية ضد الأشخاص المحميّين". كما أنّ المادة الـ 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف تؤكّد أنه: "يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".
منظمة "هيومن رايتس ووتش" و"أوكسفام" وغيرهما من منظمات حقوق الإنسان الدولية وثّقت كيف تمنع "إسرائيل" مرور المساعدات الإنسانية، وتستهدف مراكز توزيع الغذاء، مما أدى إلى انتشار المجاعة وسوء التغذية الحاد بين الأطفال.
وتذهب الأمم المتحدة في تقارير متعدّدة إلى اعتبار ما يحدث في غزة جريمة حرب. ففي آذار/مارس 2024، قالت مفوّضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: "استخدام التجويع كأسلوب حرب في غزة يمثّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ويجب محاسبة مرتكبيه".
رغم وضوح الجريمة، يكتفي المجتمع الدولي بالإدانة اللفظية، من دون اتخاذ إجراءات قانونية فعّالة. لكنّ المسؤولية لا تسقط بالتقادم. يجب تحريك الملفات أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي تملك الولاية القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما ينبغي على الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف الوفاء بالتزامها في ضمان احترام الاتفاقيات في كلّ الظروف، من خلال الضغط السياسي والاقتصادي لوقف هذه الجرائم، ومحاسبة المسؤولين عنها. ما يتعرّض له المدنيون في غزة من تجويع وحصار ممنهج ليس نتيجة عرضيّة لحرب، بل هو سياسة مخطّط لها ومدعومة بتصريحات رسمية، ومطبّقة على الأرض بوحشية. وهو ما يجعل الاحتلال الإسرائيلي أمام اختبار واضح في القانون الدولي: هل يُسمح لـ "دولة" أن تستخدم الجوع لإخضاع شعب كامل؟
الجواب واضح في القانون، لكنّ تنفيذه يتطلّب إرادة لا تزال مفقودة حتى اللحظة.