الأسد التوراتي الكرتوني وانهيار الردع الإسرائيلي

هل تقود هذه الحرب إلى تحقيق أهدافها؟ أم أنّ "إسرائيل" تفتح أبواب الجحيم على نفسها وعلى المنطقة بأكملها؟

0:00
  • هل صُدمت
    هل صُدمت "دولة" الاحتلال بإعادة تنظيم الجمهورية الإيرانية نفسها بشكل فوري؟

يشهد الشرق الأوسط اليوم أعنف التحوّلات الجيوسياسية، وصولاً إلى ذهاب رئيس وزراء "دولة" الاحتلال بنيامين نتنياهو للدخول في مغامرة كبرى، تتجاوز الأهداف التقليدية المتعلّقة بالملف النووي الإيراني؛ فالمعركة الحالية، التي تحمل اسماً توراتياً "شعب كأسد" ليست مجرّد مواجهة لبرنامج تخصيب اليورانيوم أو مخازن الصواريخ الباليستية كما أعلن نتنياهو عبر وسائل الإعلام، بل هي جزء من محاولة استراتيجية لتغيير النظام الإيراني بالكامل، عبر عملية معقّدة بدأت باغتيال معظم قادة حرس الثورة الإيرانية والأجهزة الأمنية والشرطية في إيران، وعبر حملات تضليل كبرى بدعم أميركي واضح من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يخرج بين الفينة والأخرى في تصريحات متناقضة، لكنها توضح في مجملها تواطؤ تلك الإدارة بالإضافة إلى بريطانيا وربما فرنسا مع "دولة" الاحتلال.

لكنّ السؤال الجوهري اليوم: هل تقود هذه الحرب إلى تحقيق أهدافها؟ أم أنّ "إسرائيل" تفتح أبواب الجحيم على نفسها وعلى المنطقة بأكملها؟ خصوصاً مع المشاهد التي تنشر عبر منصات التواصل الاجتماعي رغم فرض الرقابة الشديدة على ما تقوم إيران باستهدافه. 

في السنوات الماضية، مارست "إسرائيل" بتنسيق وثيق مع الإدارة الأميركية السابقة، حملة منظّمة من الاغتيالات ضدّ علماء الذرّة الإيرانيين، وعمليات خطيرة طالت منشآت نووية، ومواقع صناعية وبتروكيميائية حيوية. تلك العمليات لم تكن مجرّد اختراقات أمنية، بل كانت تهدف إلى تهيئة الرأي العامّ الدولي لعمل عسكري واسع النطاق، يقود إلى شلل تامّ في منظومة الدولة الإيرانية، وربما انهيارها من الداخل. 

وهنا نطرح سؤالاً آخر: هل صُدمت "دولة" الاحتلال بإعادة تنظيم الجمهورية الإيرانية نفسها بشكل فوري وإعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية والجوفضائية في اليوم ذاته الذي تمّ استهداف القيادات الراحلة؟ وقد كانت "دولة" الاحتلال دائمة التواصل مع المعارضة الإيرانية في الخارج للتجهّز من أجل إدارة الجمهورية وتفعيل أدواتهم القذرة داخل طهران لهزيمة الدولة من الداخل. 

لم تكن طهران لقمة سائغة، إذ أدارت المعركة بهدوء استراتيجي وحنكة بارعة، فقد استثمرت الوقت لبناء قدرة ردع طويلة المدى تقوم على دقّة الصواريخ، وطول نَفَس المعركة، وربما توسيع ساحة الاشتباك عبر محور المقاومة مرة أخرى. وما تدمير الملاجئ الإسرائيلية في بيتاح تكفا والدمار الهائل في مناطق استراتيجية داخل "تل أبيب" وغيرها إلا تأكيد أنّ المعلومات الخطيرة التي تمتلكها أجهزة الاستخبارات الإيرانية أكبر بكثير مما كانت تعتقده "دولة" الاحتلال والإدارة الأميركية.

في التصعيد الحالي، تثبت إيران أنّ زمن الصبر الاستراتيجي والردّ الرمزي قد ولّى إلى غير رجعة، وأنها باتت تمتلك بنك أهداف دقيقاً، واستخبارات عالية المستوى؛ فاستهداف ميناء حيفا ومعهد وايزمن للعلوم حيث كانت تختبئ بعض نخب "دولة" الاحتلال العلمية والأكاديمية مع عائلاتها لم يكن صدفة، بل ضربة ذات طابع استراتيجي ورمزي في آن. لقد كانت رسالة واضحة: لا أحد في مأمن، لا في البنى التحتية، ولا حتى في مؤسسات "الدولة العميقة". 

هذه الضربات، التي جمعت بين دقّة الإصابة وتعدّد الأماكن والاختلاف النوعي في الأسلحة من الصواريخ والطائرات المسيّرة والاختراقات السيبرانية، أحدثت شرخاً في صورة "الجيش الذي لا يُقهر"، ووضعت المستوطن الإسرائيلي في حالة ذعر غير مسبوقة. لذلك نحن نقرأ كلّ يوم عن منع الاحتلال لأيّ مستوطن من السفر إلى خارج أراضينا المحتلة.

في موازاة الضربات الإيرانية، تتأكّل تدريجياً قدرة "إسرائيل" على الردع في المنطقة؛ فمع تزايد الضغط الشعبي في الداخل الإسرائيلي نتيجة الخسائر البشرية والدمار الكبير في البنى التحتية، وظهور هشاشة الجبهة الداخلية، تتعزّز القناعة لدى محور المقاومة، خصوصاً حركة حماس وحزب الله، أنّ زمن التفوّق الجوي الإسرائيلي المطلق يشارف على نهايته. لكن هل سنشهد تدخّلاً أوروبياً كما جرى فيما يتعلّق بالتصدّي للصواريخ البالستية الإيرانية؟ وهل أحلاف إيران في المنطقة سيكون موقفهم موقف المتفرّج فقط؟ والسؤال الأهمّ: في حال تمّ تدمير مهابط الطيران والقواعد المهمّة كقاعدة نيفاتيم، هل سنشهد عملية اقتحام وتحرير لأراضينا المحتلة كما جرى في السابع من أكتوبر. 

إنّ إشغال الاحتلال في جبهة إيران، مع تصاعد قدرات فصائل المقاومة الأخرى في غزة ولبنان، يعيد تشكيل قواعد الاشتباك كلياً. فكلّ ضربة تتلقّاها "إسرائيل" من إيران تمهّد لتصعيد جديد من أطراف محور المقاومة، وتشتّت الجهد الاستخباري والعسكري الإسرائيلي في أكثر من اتجاه، ما يجعل أيّ حرب شاملة مغامرة خاسرة. وما الأحداث الأمنية التي يعلن عنها الاحتلال كلّ يوم في جنوب قطاع غزة وشماله وقنص وتفجير الدبابات الإسرائيلية، والتي لطالما أتخمتنا بها "دولة" الاحتلال من أنها فخر الصناعة الصهيونية، إلا دليل على ذلك.  

ولا تقتصر تبعات هذه الحرب على الداخل الإسرائيلي، بل تمتدّ إلى الإقليم والعالم. فالتواطؤ العربي المتمثّل في اعتراض مسيّرات إيرانية عبر أجواء بعض دول الخليج، ولّد غضباً عارماً في الشارع العربي، الذي بات يرى في حكوماته شريكاً في العدوان لا مجرّد متفرّج. قد تكون هذه اللحظة بداية نضوج ثوري جديد في العالم العربي، يدفع باتجاه كسر التطبيع، وربما إسقاط أنظمة متورّطة في دعم الاحتلال، وهو ما سبق أن أشرْتُ إليه في مقالي المنشور عبر الميادين نت بعنوان: على موعد مع الثورة.

على الصعيد الدولي، تتابع دول مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى الجارة باكستان، المشهد عن كثب، وربما ترى في إضعاف "إسرائيل" فرصة استراتيجية لإعادة توازن القوى، وكبح الهيمنة الأميركية في المنطقة، خصوصاً بعد انهيار منظومة القوانين العالمية المتعلّقة بالقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان أمام امتحان غزة، وتجاهل الإدارة الأميركية للدم في غزة عبر الفيتو الدائم وإدانة قضاة الجنائية الدولية وغيرها من الشخصيات التي تدعم وقف الحرب على غزة.  

رغم وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية وتغوّلها في قتل المدنيين، فإنّ حسابات الردع لم تعد كما كانت. إيران اليوم ليست العراق عام 2003، ولا سوريا عام 2011. هي دولة ذات عمق استراتيجي، ولها حلفاء متعدّدو الجبهات، وقدرة على الاستمرار في معركة استنزاف طويلة؛ وإذا استمر نتنياهو في مغامرته اللاهوتية التي تستحضر نبوءات التوراة في أرض الواقع، فإنه قد لا يُسقط النظام الإيراني، لكنه بالتأكيد يعرّض وجود الكيان الإسرائيلي نفسه لخطر غير مسبوق، وهو ما أشار إليه كثير من الصحافيين الإسرائيليين، خصوصاً مع تعطيل الدراسة واهتزاز البنى الاقتصادية داخل الكيان، ولعلّنا مع الحرب التي قامت بها "دولة" الاحتلال ضدّ الجمهورية الإيرانية قد يُكتب فصل جديد في تاريخ الشرق الأوسط، لكنه لن يكون كما أراده مهندسو "شعب كأسد"، بل كما أراده الله، ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. 

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.